ليس من كلام أوضح ممّا قاله وزير خارجية المملكة العربية السعودية فيصل بن فرحان عن لبنان بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، وجاء فيه أنّ “لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني وليس لتقارب إيراني سعودي”.
تقول القاعدة اللغوية: “إيضاح الواضحات من الفاضحات”، أي أنّ تأويل أو تحليل ما يمكن أن يشكّله الاتفاق المذكور من تداعيات على الأزمة اللبنانية من قبل الساسة والمحلّلين اللبنانيين محض خيال، لا بل من فاضحات الأمور.
الواقع يؤكّد أن لا أحد قادر على انتخاب رئيس للجمهورية من فريقه أو محوره. هذه هي الحقيقة. لقد أقرّت في عدّة مناسبات الأطراف اللبنانية كافّة، يميناً ويساراً، ممانعةً ومعارضةً، بأنّها عاجزة عن أن تأتي برئيس من فريقها وتجاوُز باقي الأفرقاء المناوئين لها. حزب الله، على لسان العديد من نواب كتلته النيابية، وآخرهم أمينه العام حسن نصر الله، أقرّ بعدم امتلاكه للأكثرية التي تسمح له بانتخاب رئيس من محوره، وكذلك فعل العديد من قيادات المعارضة، سياديّين كانوا أم تغييريّين.
ليس من كلام أوضح ممّا قاله وزير خارجية المملكة العربية السعودية فيصل بن فرحان عن لبنان بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، وجاء فيه أنّ “لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني وليس لتقارب إيراني سعودي”
إنّ وصول الجميع إلى هذه القناعة، وتحديداً بعد كلام وزير الخارجية السعودي، يطرح تساؤلاً مركزياً: هل حان وقت العمل على إنتاج مرشّح ثالث يمكن أن ينتخبه الجميع رئيساً للجمهورية؟
من هو المرشّح الثالث؟ وما هي المواصفات التي يجب أن يحملها؟
هذه حاجة لبنان
المشكلتان اللتان يواجههما لبنان في هذه المرحلة المصيرية وتتقدّمان على كلّ الأزمات والمشاكل هما: الاقتصاد والدستور، وأيّ مرشّح ثالث يجري البحث عنه يجب أن يكون في سياق هاتين الأزمتين، أي مرشّح صاحب خبرة اقتصادية وبلزم الدستور بعيداً عن البحث في المناطق الرمادية لتوليد الأزمات. وإن تعثّر ذلك فالمطلوب مرشّح قادر على مواجهة إحدى هاتين المعضلتين: إمّا رئيس قادر على قيادة سفينة الإنقاذ النقدي والاقتصادي أو رئيس قادر على قيادة سفينة العودة إلى الدستور والقانون ومبادئه.
الرئيس الاقتصادي هو ذلك القادر على العمل على ثلاثة خطوط اقتصادية:
1- قيادة الرؤية الإصلاحية التي يجب أن تضعها الحكومة الجديدة التي ستُشكَّل بعد انتخابه.
2- فتح خطوط الحوار مع العالم المفيد غربياً وعربياً لإصلاح ما تمّ إفساده على صعيد هذه العلاقات لِما فيه مصلحة لبنان السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
3- إعادة بناء الثقة بلبنان واقتصاده عبر بوّابة الحوار مع صندوق النقد الدولي للوصول سريعاً إلى اتفاق واضح معه.
الرئيس الدستوري هو الرئيس الذي يأتي من رحم الدستور ثقافةً وعلماً وتربيةً وسلوكاً وتنتظره ثلاث مهمّات:
1- إعادة الاعتبار للدستور المنبثق من اتفاق الطائف في ممارسة الحكم والسياسة.
2- قيادة ورشة دستورية لتشذيب الحياة السياسية وسلوك السلطة من الأعراف الدستورية الموتورة التي ابتدعها عهد الرئيس السابق ميشال عون.
3- قيادة مسيرة إصلاح قضائي حيث لا قوانين ولا دستور من دون قضاء معافى سليم.
المشكلتان اللتان يواجههما لبنان في هذه المرحلة المصيرية وتتقدّمان على كلّ الأزمات والمشاكل هما: الاقتصاد والدستور، وأيّ مرشّح ثالث يجري البحث عنه يجب أن يكون في سياق هاتين الأزمتين
لبنان بحاجة إلى رئيس اقتصادي من طينة مهاتير محمد أو يحمل ملامح رفيق الحريري، أو رئيس دستوري من طينة القدّيسين الدستوريين يشابه شارل مالك ويتمثّل بالتزام إدمون نعيم، والمعجزة الكبرى أن نحصل على رئيس يمتلك الميزتين. ولأنّ الزمن ليس بزمن المعجزات فإنّ الصورة التي سينتهي إليها المرشّح الثالث، سواء كانت اقتصادية أو دستورية، تصنع ملامح رئيس الحكومة المقبل. فإن كان رئيس الجمهورية ذا مهمّة اقتصادية فعلى رئيس الحكومة الجديد أن يكون قادراً على لعب الأدوار السياسية، وإن كان المرشّح الثالث ذا صفات دستورية فعلى رئيس الحكومة الجديد أن يتصدّى للملفّ الاقتصادي.
مرحلة التكوين
تدلّ كلّ المؤشّرات على أنّ مرحلة تكوين المرشّح الثالث يجب أن تنطلق لبنانياً وفقاً للصفات المذكورة أعلاه. هي صفات تستحضر لنا قامة رئاسية كبيرة، ألا وهي قامة الرئيس الياس سركيس الذي قاد سفينة لبنان في أصعب وأحلك الظروف. عايش الفلسطيني والسوري والإسرائيلي وخرج من السلطة كما دخل: رجل دولة، وسلّم وطناً محتفظاً بعناصر قوّته المالية والإدارية والدستورية.
تميّز الرئيس الياس سركيس بالنزاهة والشفافيّة والدقّة والهدوء والرصانة، والأهمّ الأهمّ تميّز بالصمود وعدم التنازل. بصمته كان فصيحاً، وبارتجاج صوته في المناسبات العامّة كان صادقاً. عرف كيف يدير الخصومات الكبيرة في البلد، وأبرزها الخصومة بين الكتائب بقيادة بشير الجميّل والفلسطينيين بقيادة ياسر عرفات. عرف أيضاً كيف يُحيّد الاقتصاد والليرة عن شعوذات السياسة فسلمت الليرة من شياطينها. وفي عهده عرف لبنان ثلاثة احتلالات:
– الأوّل: احتلال جزء كبير من القرار تمثّل بالوجود الفلسطيني.
– والثاني: احتلال لكامل القرار تمثّل بالوجود السوري.
– والثالث: احتلال مقيتٍ للأرض، من دون القرار، تمثّل بالاحتلال الإسرائيلي.
إلا أنّه بين هذه الاحتلالات الثلاثة سلّم وطناً حرّاً سيّداً مستقلّاً، وكما قال لي مرّة السفير السابق سيمون كرم: “طالما المياه لم تُلمس والأرض لم تُقتطع فلبنان بخير”.
إقرأ أيضاً: السيّد وفرنجيّة شرٌّ لا بدّ منه
رحلة البحث عن المرشّح الثالث هي رحلة مفروضة على كلّ الأفرقاء، والالتحاق بها إلزاميّ من أجل الوصول إلى رئيس للجمهورية وإلّا فلنلتزم بالفراغ، وكم من فراغٍ أُحسنت إدارته أثبت أنّه أفضل من المغامرات!
لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@