في الجزء الرابع من سلسلة “فكّ شيفرة ترشيح فرنجية”، نستعرض الحراك الإيراني المستجدّ في الشهر الأخير، قبل توقيع الاتفاق الإيراني – السعودي… من مارون الراس إلى السعودية: هل ترفع إيران غصن الزيتون في يدٍ، وتبقي الصاروخ في اليد الأخرى؟
قبل 51 عاماً، وقف الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في الأمم المتحدة، وقال جملته التاريخية: “جئتكم بغصن الزيتون في يدٍ والبندقية في يدٍ… فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.
منذ ذلك التاريخ، ذهب “الزيتون” مذهب “السلام” في أدبيات الإعلام العربي والأجنبي. تلك الشجرة “المباركة” التي يزرعها أهل جنوب لبنان وشمال فلسطين، عرباً ويهوداً، ويأكلون من ثمرتها ويشربون زيتها، وهي شجرة “لا شرقية ولا غربية” في القرآن الكريم.
في 10 شباط الفائت، زار نائب وزير الخارجية الإيراني، وهو كبير المفاوضين في الملف النووي الإيراني، الدكتور علي باقري كني، بلدة مارون الراس، حيث زرع شجرة زيتون، وقال: “الأمن والهدوء والاستقرار ليس فقط في لبنان وإنّما في ربوع هذه المنطقة برمّتها، هي رهن بقوة المقاومة ومنعتها وهيبتها”.
رسائل “الزيتون” على الحدود، حيث خاض حزب الله أكثر معاركه دموية، تعني أنّ لبنان لم يعد قاعدة متقدّمة ضدّ إسرائيل
ليس تفصيلاً أن يزرع كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي شجرة زيتون في موقع خاض فيه حزب الله أكثر معاركه “أسطوريةً” خلال حرب تموز 2006: مارون الراس. وهي رسالة سلام تتجاوز جنوب لبنان لتصل إلى فيينا، ومنها يمكن قراءة جانب من المشهد الرئاسي اللبناني، باعتبار أنّ “من حضر السوق باع واشترى”.
في 12 شباط، أي بعد يومين، وخلال احتفال في مجمّع نبيه بري الثقافي بالمصيلح بجنوب لبنان، في ذكرى انتصار الثورة، قال سفير إيران في لبنان إنّ “قوّة إيران ليست في الصواريخ ولا بما تمتلكه من سلاح، بل قوّة إيران الأساسية هي في الفكر”. قال هذا الكلام في احتفال نظّمته حركة أمل، وأضاف: “فكر الإمام الخميني والإمام موسى الصدر والشهيد محمد باقر الصدر والشهيد مرتضى مطهري، نحن اقتدينا بفكر الإمام الصدر قبل انتصار الثورة وبعدها”.
تقريش النفوذ العسكريّ.. في الأنظمة السياسيّة
رسائل “الزيتون” على الحدود، حيث خاض حزب الله أكثر معاركه دموية، تعني أنّ لبنان لم يعد قاعدة متقدّمة ضدّ إسرائيل. وبعده الكلام عن “الفكر” بدل “الصواريخ” لا يختلف عن رسائل الزيتون. وهذه رسائل تأتي بعد 4 أشهر من إنجاز الترسيم البحري، وفي لحظة بدء إيران بتقريش نفوذها العسكري والأمني والشعبي، داخل الأنظمة السياسية للعواصم الأربع التي أعلنت قبل سنوات “احتلالها”: بيروت ودمشق وصنعاء وبغداد.
إيران “فهمت الدرس” هذه المرّة، وربّما في اللحظة المناسبة، قبل “التهوّر” الإسرائيلي الذي بات قاب قوسين أو أدنى
في اليمن تحاول. في العراق نجحت. في لبنان تريد أكثر. وفي سوريا لديها طموح “العرقنة” أو “اللبننة” على الأقلّ، أي “الحكم” أو “المشاركة في الحكم” بشكل من الأشكال. وها هي توقّع مع السعودية اتفاقية “سلام” أوّلية في 10 آذار، برعاية الصين، التزم فيها الطرفان “احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية”.
في هذا المعنى، فإنّ الدخول إلى الأنظمة السياسية يستلزم استقراراً. وفي لحظة “التقريش”، على باب “كازينو قمار المنطقة”، ليس من الذكاء أن يستسلم الذي كان رابحاً حتى الأمس. ربّما يقدّم تنازلات هنا وهناك. لكنّه يريد مقابلها مواطىء سياسية لأقدامه الكثيرة.
يعني هذا أيضاً أنّ الإيراني لا يزال يحمل الصاروخ بيد، لكنّ الجديد أنّه ربّما أعلن نيّته البدء برفع غصن الزيتون عن الأرض، ليحمله باليد الأخرى.
لا يوجد ياسر عرفات هذه المرّة. لا أوسلو ولا فلسطين حتّى. ولا أمم متّحدة تستقبل خليفة قاسم سليماني. هذه المرّة هناك دول “منهارة”، يحاصرها الغرب ويعاقبها الجيران، ويتركها العرب وحيدةً. وأمامها شروط واضحة ومحدّدة: إصلاحات وترميم العلاقات مع العرب والاعتراف بالآخرين، من العراق إلى اليمن ولبنان، وطبعاً سوريا.
إقرأ أيضاً: إيران: المعركة في بدايتها… النصر أو الشهادة
إيران “فهمت الدرس” هذه المرّة، وربّما في اللحظة المناسبة، قبل “التهوّر” الإسرائيلي الذي بات قاب قوسين أو أدنى… وجنحت إلى السلم. لكنّها قبل أن تخرج من “كازينو” المنطقة، تريد أن تقرّش نفوذها على أبواب حكّامها.
ومَن أفضل من الصين كي تحتمي به؟ مَن أكثر أماناً كي تقف في ظلاله وهي تعلن انسحابها الجزئي، كي تطلب “الأمان” في رحلتها الدبلوماسية الجديدة، بعدما “اكتوت” بنيران الحصار المالي والعسكري، وبنيران الثورة التي زعزعت جدران نظامها وملاليه؟
إذاً الزيتون لإسرائيل، واتفاق مبدئيّ مع السعودية…
لكن ما يجب أن لا ننساه أنّه في اليد الأخرى يوجد دائماً “صاروخ”…
لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@