هل يستفيد العراق من الاتّفاق السعوديّ الإيرانيّ؟

مدة القراءة 6 د

لا شكّ أنّ الإعلان عن توقيع اتفاق سياسي ودبلوماسي وأمني واقتصادي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية برعاية الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين، قد نقل المنطقة والجدل حول ملفاتها وأزماتها إلى مرحلة جديدة ستفرض على الأطراف المعنية بها آليّات مختلفة من التعامل.

خارطة طريق

إنّ مهلة الشهرين التي اتفق الطرفان عليها كمرحلة اختبار نوايا من المفترض أن تشهد تطوّرات متسارعة سيكون مسرحها بعض العواصم العربية في منطقة الشرق الأوسط التي كانت في السنوات الأخيرة منطقة اشتباك متعدّد المستويات بين الطرفين.

هذه المهلة قبل الانتقال إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارتين والممثّليات القنصلية، يمكن اعتبارها “خريطة طريق” من المفترض أن تتضمّن خطوات وإجراءات وقرارات واضحة ومحدّدة من قبل الطرفين تسبق خطوة الانتقال إلى المستوى الدبلوماسي.

بدأ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني باتخاذ خطوات تصب في مساعيه للحدّ من تدخّلات الفصائل والميليشيات والأحزاب في عمل الحكومة والوزراء

إذا ما كان الموضوع اليمني يحتلّ الصدارة في اهتمامات كلا الطرفين، ومعهما المجتمع الدولي، فإن المدخل الرئيس لحل هذه الأزمة من المفترض أن يأتي من الجانب الإيراني وبما هو اختبار حقيقي وعمليّ لجدّيته في التعامل مع الحساسية السعودية والتهديد الذي تشكّله الحالة اليمنية للأمن القومي السعودي، وما يعنيه ذلك من تعاون إيراني في تسهيل عملية الحوار اليمني- اليمني بما يؤسّس لإحلال السلام وإعادة تشكيل الحكومة والدولة في اليمن بناء على القرارات الدولية ومخرجات اتفاق الرياض.

تشكّل الساحة العراقية مختبراً حقيقياً آخر للإرادة الإيرانية وجدّيتها في التعامل المختلف مع منطقة الشرق الأوسط والأزمات الإقليمية لجهة المساعدة في ضبط القوى والأحزاب والفصائل والميليشيات التابعة والمؤيّدة لطهران، ووضع حدّ لظاهرة السلاح المتفلّت، وعدم استخدام الأجنحة العسكرية والميليشياوية في التحكّم بعمل الدولة ومؤسساتها وفرض إرادتها بقوة السلاح. فضلاً عن ترجمة المواقف الكلامية بخطوات عملية تساعد على استعادة الدولة العراقية السيطرة على قراراتها السيادية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، بحيث تستعيد الدولة العراقية هيبتها وتنقلها من حالة انعدام الوزن إلى مرحلة استعادة العافية والمبادرة لتكون نقطة وصل وتواصل بين مراكز القرار الإقليمي، تحت سقف محدّد لا يؤهّلها للتحوّل إلى قطب إقليمي يملك ثقلاً في رسم السياسات والاستراتيجيات.

خطوات السوداني

بعد إخراج العراق من الدور الذي لعبه حين كان محطة تبادل رسائل بين طرفَي الاتفاق الإيراني السعودي، وذلك في إطار جهود طهران لتأطير هذا الدور وحجمه وتأثيراته، حتى لا تكون مستقبلاً في مواجهة دولة مشاكسة، بدأ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني باتخاذ خطوات تصب في مساعيه للحدّ من تدخّلات الفصائل والميليشيات والأحزاب في عمل الحكومة والوزراء. وقد امتلك الجرأة الكبيرة لذلك عندما دعا وزراء حكومته الذين أوصلتهم أحزابهم والميليشيات المسلّحة إلى هذه المواقع، إلى التخلّي عن تبنّي مواقف هذه القوى داخل الحكومة، وطالب الوزراء باعتبار أنفسهم مستقلّين عن مواقف أحزابهم داخل مجلس الوزراء وتقديم مصلحة العراق والدولة على مصالح هذه الأحزاب، مؤكّداً أنّ الدولة ورئيس الحكومة على استعداد للدفاع عن أيّ وزير.

قبل الاتفاق السعودي الإيراني كان من الممكن أن تتحوّل مواقف السوداني وجهوده لمواجهة نفوذ وهيمنة الأحزاب والميليشيات على الحكومة وقراراتها إلى معركة مفتوحة بينه وبين هذه الجماعات

موقف السوداني هذا، المختلف عن مواقف رؤساء الوزراء السابقين، جاء بعد اجتماعات عقدها مع قوى وأحزاب “الإطار التنسيقي” الشيعي المحسوب أو المقرّب من إيران، الذي يضمّ، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية، كلّ الميليشيات المسلّحة التي تشكّل العصب الرئيس لقوات الحشد الشعبي، وبعد اجتماع موسّع مع قوى ائتلاف “إدارة الدولة” الذي يضمّ كلّ المكوّنات الأخرى الشيعية والسنّية والكردية الشريكة في السلطة السياسية. وقد أبلغ السوداني هذه القوى أنّ العراق يمرّ في مرحلة حسّاسة ومصيرية، وأن على هذه القوى إمّا التعاون والتخلّي عن تدخّلاتها في عمل الحكومة، وإمّا مواجهة أزمة قد تطيح بالعملية السياسية وتجرّ العراق إلى مستنقع الانهيار والصراع، وبالتالي سيقع الانهيار على رؤوس الجميع ولن يستثني أحداً.

ربّما يكون السوداني استغلّ الواقع الصعب لاتخاذ هذه الخطوة التي تؤسّس لتحرير الحكومة من التدخّلات الحزبية والميليشياوية وهيمنة السلاح، ولا سيما أنّ القوى والأحزاب والمكونات السياسية تشعر بدقّة وحساسية المرحلة الجديدة، خاصة في ظل المراقبة الشديدة التي تمارسها الإدارة الأميركية عبر النشاط الواسع الذي تقوم به سفيرتها في العراق، واستعداد واشنطن لاتخاذ إجراءات عقابية لم تكن تستخدمها في السابق، كما حصل في موضوع التلاعب المالي لبعض البنوك ودورها في مساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية.

سمحت هذه المستجدّات للسوداني بالتحرّك فأخذ زمام المبادرة للتأسيس لمرحلة يستطيع خلالها تقليص وتحجيم الهيمنة الحزبية على الحكومة ووزاراتها وإدارات الدولة، بما يعطيه الفرصة للمضيّ بمشروعه وطموحاته للنهوض بالوضع الاقتصادي والإصلاح الإداري ومكافحة الفساد والحدّ من الهدر ومعالجة الأزمات الداخلية المزمنة، بالتوازي مع إعادة تعزيز موقع العراق السياسي داخلياً وعلى مستوى علاقاته مع محيطه الإقليمي.

إقرأ أيضاً: شهران… لامتحان إيران

قبل الاتفاق السعودي الإيراني كان من الممكن أن تتحوّل مواقف السوداني وجهوده لمواجهة نفوذ وهيمنة الأحزاب والميليشيات على الحكومة وقراراتها إلى معركة مفتوحة بينه وبين هذه الجماعات، إلا أنّ سقف التوافق الإقليمي الذي حصل برعاية صينية سيعيد ضبط هذه الأحزاب ويدفعها إلى البحث عن تسويات داخلية بما يساعد على بقاء العراق مواكباً للتطوّرات الإقليمية وانعكاساتها الدولية، والمحافظة على موقعه ولعب دور تواصليّ وأن يكون نقطة تلاقٍ بين الجميع بما يخدم مصالحه ويعزّز استقراره وعافيته. بالإضافة إلى أنّ هذا الاتفاق شكّل مظلّة حماية للسوداني أمام هذه القوى التي لن تتردّد في الدفاع عن مصالحها ومكاسبها باستخدام جميع الوسائل بما فيها فتح معركة إخراجه من الحكومة أو محاصرته وإفشاله.

مواضيع ذات صلة

ترامب جديد… وشرق أوسط أجدّ

ليس دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض، هو الرجل الذي عرفناه بين 2016 و2020، ولا الشرق الأوسط هو الإقليم الذي عرفه الرجل خلال رئاسته… هنا…

محمّد بن سلمان: “معيار الذّهب” في سنة اللّهب

يكمل وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عقده الرابع في منتصف 2025. كان في عقد الثلاثينات قوّة تغيير لم تعرف السعودية مثلها منذ جدّه…

بري “شمعون الشيعة”: 40 عاماً نبيهاً!

قيل إنّ لقاءهما الأوّل، كان في 31 تشرين الأوّل 1983 في جنيف. خارج قاعة مؤتمر حوارنا الوطني الشهير، التقى النمر الشمعونيّ العتيق بالزعيم “الأمليّ” الشابّ….

لبنان وزلازل المنطقة وتردّداتها…

عدوّان للبنان، شطبتهما أحداث هذه السنة. وهي سنة كلّ الزلازل وكلّ الارتدادات التي تسبّبت بها هذه الزلازل. العدوّان هما النظام السوري، الذي سعى منذ ما…