البيسري خيار عبّاس إبراهيم في “المديريّة”

مدة القراءة 7 د

لا يقلّ استحقاق تكليف الوكيل أو تعيين الأصيل على رأس المديرية العامّة للأمن العامّ أهمية عن الملابسات التي رافقت قرار “قطع الطريق” على التمديد للّواء عبّاس إبراهيم في موقعه الذي يشغله منذ عام 2011.

الموقع “شيعي” والقرار فيه لـ “الثنائي” تكليفاً أو بالأصالة. في الساعات الماضية جرت مداولات داخل الغرف المغلقة لحسم البديل عن عبّاس إبراهيم لفترة مؤقّتة ريثما ينضج الظرف السياسي والحكومي لتعيين مدير عامّ بالأصالة بمرسوم من مجلس الوزراء قد يواكب مرحلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة.

اليوم، قبل تقاعده بساعات، ينجز اللواء ابراهيم آخر مهمّة له على رأس “المديرية” حيث سيفتتح مركزاً للأمن العامّ في بيروت وسيكون له كلمة تتضمّن أكثر من رسالة سياسية.

لا يقلّ استحقاق تكليف الوكيل أو تعيين الأصيل على رأس المديرية العامّة للأمن العامّ أهمية عن الملابسات التي رافقت قرار “قطع الطريق” على التمديد للّواء عبّاس إبراهيم في موقعه الذي يشغله منذ عام 2011

لماذا البيسري؟

قادت عدّة معطيات إلى تكليف نائب المدير العامّ العميد الياس البيسري بمهامّ المديرية بالتنسيق مع اللواء إبراهيم منها تجنّب معضلة تكليف ضابط شيعي ما سيؤدّي إلى الإطاحة بأربعة ضبّاط مسيحيين، فيما انتداب أيّ ضابط من خارج سلك الأمن العامّ يتطلّب صدور مرسوم عن مجلس الوزراء، والأهمّ عدم حسم اسم الضابط الشيعي بين حزب الله وحركة أمل الذي سيخلف  اللواء عبّاس إبراهيم. 

في كانون الأول 2022 تمّ تأجيل تسريح العميد البيسري لثلاثة أشهر (تنتهي في أوائل آذار) بقرار من وزير الداخلية قبل إحالته إلى التقاعد استناداً إلى المادة 55 من قانون الدفاع التي تنصّ “على تأجيل تسريح المتطوّع ولو بلغ السنّ القانونية إذا كان في وضع اعتلال لم ُيبتّ به حيث يبقى بصفته السابقة حتى صدور مقرّرات اللجنة الصحّية”.

بالنسبة إلى كثيرين بدا هذا الإجراء بمنزلة “خطة ب” لاحتمال عدم بقاء إبراهيم في موقعه حيث فرض الأخير خيار التمديد لضابط تربطه به علاقة أكثر من جيّدة. وهو الأمر نفسه الذي فعله مع العميد منح صوايا، أحد أكثر الضبّاط قرباً إليه، حيث رفع اقتراح التمديد له إلى وزير الداخلية لمدّة ثلاثة أشهر ثمّ تسعة أشهر، ثمّ التعاقد معه بصفة استشارية.

التأمت أمس “اللجنة الصحيّة” ولم تبتّ وضع الاعتلال للعميد البيسري (تعرّض لإصابات بالغة خلال محاولة اغتيال الياس المرّ)، وهو ما سيمهّد لصدور قرار عن وزير الداخلية بتأجيل تسريحه لمدّة ستّة أشهر وتكليفه بمهامّ المدير العامّ. 

حزب الله: لا موقف

في مقابلته التلفزيونية أوحى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في معرض التخفيف من وطأة تملّصه من إيجاد المخرج القانوني للتمديد، بأنّه صاحب الفضل في تعيين إبراهيم في موقعه عام 2011، لكن كما في كلّ الاستحقاقات الحسّاسة يطغى قرار “الطائفة” على أيّ أمر آخر.

عُيّن يومذاك عبّاس إبراهيم، الآتي من موقع نائب مدير المخابرات في الجيش، على رأس المديرية بقرار خالص تُرجِم بإجماع الحاضرين في حكومة ميقاتي التي كان يُسيطر عليها فريق الثامن من آذار.

منذ عام 2017 تمّ تأجيل أزمة البديل عن إبراهيم إلى أن حان دور الحسم. بعد استبعاد خيار تعيين مدير عام بالأصالة في ظلّ حكومة تصريف الأعمال وعدم وجود رئيس جمهورية ضيّق اختيار الوكيل من مروحة الخيارات

بقرار من حزب الله وبالتنسيق مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وتقبُّل على مضض من جانب الرئيس نبيه برّي، أكمل إبراهيم مهامّه بصفة مدنية عام 2017 مستفيداً من نصّ قانوني يَحفظ لقدامى القوات المسلّحة الحقّ بالتعيين في الإدارات الرسمية، وذلك بعد قبول استقالته كضابط وتعيينه في الموقع نفسه بصفة مدنية بحيث يطبّق عليه نظام الموظّفين بإحالته إلى التقاعد عند بلوغه الرابعة والستّين.

بعد 12 عاماً لم يكن مسار التمديد سالكاً أمام رجل الثقة لدى حزب الله وخصوم الحزب وكاتم الأسرار الأمنيّة للدولة. فعليّاً، تخطّى الأمر واقع رفض الرئيس برّي التمديد مجدّداً للّواء إبراهيم وتعنُّت جبران باسيل الذي قاد إلى تطيير نصاب الجلسة التشريعية ليلامس السؤال الكبير: هل فعلاً حارب حزب الله من أجل بقاء اللواء إبراهيم في موقعه؟ ولماذا لم يفرض ورقة التمديد في ظلّ أزمة سياسية حادّة قد تنفلش شغوراً على مستوى مواقع أمنيّة أخرى؟

بين إبراهيم وصليبا

لم يأخذ كُثر بالعذر القانوني في رفض بقاء إبراهيم في موقعه، ولا سيّما أنّ سابقة التمديد للمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا خلافاً للقانون لا تزال تدوّي في أرجاء مجلس الوزراء. 

يومها وبطلب مباشر من الرئيس عون، وتجاوب من ميقاتي، و”غطاء” من الثنائيّ الشيعي، وافق مجلس الوزراء في آذار 2022  على قبول استقالة اللواء طوني صليبا وإحالته على التقاعد، وتعيينه مديراً عامّاً لأمن الدولة بصفة مدنية.

لكن ما طُبّق على إبراهيم لم يكن ممكناً تطبيقه على صليبا بعد تعديل المادة 32 من قانون سلسلة الرتب والرواتب عام 2017 التي نصّت على الآتي: “خلافاً لأيّ نصّ آخر لا يجوز أن تحفظ وظائف الفئتين الأولى والثانية لقدماء العسكريين حيث يبقى التعيين في هاتين الوظيفتين خاضعاً لأحكام قانون الموظفين”، وصليبا لا ينطبق عليه شرط السنّ الذي يجب أن لا يتعدّى 39 عاماً.

يومها بقوّة السياسة والتطنيش لم يطعن أحد بالتمديد المخالف لقانون الموظفين أمام مجلس شورى الدولة، ولم يظهر ميقاتي على شاشات التلفزة مسوّقاً لشعار: “لا أقبل بأيّ تمديد خلافاً للقانون”.

دم تأجيل تسريح العميد البيسري مجدّداً كان سيؤدّي تلقائياً بحكم الأقدميّة إلى تولّي العميد الرامي، المقرّب من ميشال عون، صلاحيات المدير العامّ، وربّما كان سيخلق إشكالية في حال اختيار ضابط شيعي

المداولات حول البديل

منذ عام 2017 تمّ تأجيل أزمة البديل عن إبراهيم إلى أن حان دور الحسم. بعد استبعاد خيار تعيين مدير عام بالأصالة في ظلّ حكومة تصريف الأعمال وعدم وجود رئيس جمهورية ضيّق اختيار الوكيل من مروحة الخيارات.

من خارج مديرية الأمن العامّ هناك ضابطان شيعيّان مؤهّلان لتسلّم مديرية الأمن العامّ: قائد جهاز أمن السفارات العميد موسى كرنيب ونائب المدير العام لأمن الدولة العميد حسن شقير. كما يتردّد اسم مدير عامّ الإدارة في الجيش بالوكالة العميد منير شحادة.

 تعيين كرنيب، المقرّب من حزب الله، كان سيؤدّي إلى الإطاحة بأربعة ضبّاط مسيحيين يتقدّمونه في الأقدمية هم:  العميد البيسري، رئيس دائرة العلاقات العامّة العميد رمزي الرامي، رئيس دائرة أمن عام المطار جوني الصيصة، رئيس شعبة المعلومات في الأمن العامّ يوسف المدور، رئيس الشعبة الإدارية العميد سليم البرجي.

كذلك الأمر فإنّ تكليف العميد في الأمن العامّ فوزي شمعون، المقرّب من اللواء إبراهيم، كان أيضاً سيطيح بالضبّاط المسيحيين.

أمّا تعيين العميد شقير، المقرّب من الرئيس برّي، فلا يؤدّي إلى وضع هؤلاء الضبّاط بالتصرّف أو إزاحتهم لأنّه يشغل وفق مرسوم تعيينه في أمن الدولة وظيفة “مدير عامّ” (راتباً ورتبة)، لكنّ تكليفه سيؤدّي إلى شغور في موقع نائب المدير العامّ لأمن الدولة لأنّ التعيين يحتاج إلى مرسوم من مجلس الوزراء.

داخل المديرية يتردّد أكثر من اسم ضابط شيعي لتولي مهام المدير العام بعد نهاية التمديد للبيسري: العميد فوزي شمعون، العقيد مرشد سليمان، العقيد خطار ناصر الدين…

إقرأ أيضاً: الفاتيكان ينصح بـ”التريّث”: تفاهم مار مخايل ضرورة

في المعطيات أنّ عدم تأجيل تسريح العميد البيسري مجدّداً كان سيؤدّي تلقائياً بحكم الأقدميّة إلى تولّي العميد الرامي، المقرّب من ميشال عون، صلاحيات المدير العامّ، وربّما كان سيخلق إشكالية في حال اختيار ضابط شيعي.  

يُذكر أنّه منذ آذار 2019  وافق مجلس الوزراء على تجديد تعيين العميد البيسري مديراً عامّاً بالوكالة لمدّة سنة (يحلّ مكان المدير العامّ في حال غياب الأخير في مهمّة خارج البلاد أو لأيّ سبب آخر)  لأنّه الأعلى رتبة بين ضبّاط الأمن العامّ، وذلك بعدما عُيّن في هذا المنصب صيف 2018 بعد إحالة العميد رولان أبو  جودة إلى التقاعد.

لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…