الودّ المفقود بين المغرب والجزائر

مدة القراءة 5 د

لم يكن الاحتلال الفرنسي لشمال إفريقيا (المغرب العربي) موحّداً. وضعت فرنسا المغرب تحت انتدابها. ووضعت تونس تحت احتلالها. أمّا الجزائر فقد ضمّتها إليها واعتبرتها جزءاً من الأرض الفرنسية. ولذلك حصل المغرب وتونس على استقلالهما بحركات وطنية غير مكلفة إذا ما قورنت بالجهاد الجزائري الدموي الطويل من أجل الاستقلال الذي كلّف الجزائر حوالي مليون شهيد.

بعد الاستقلال استمرّت فرنسا بالتعامل مع الجزائر بشكل مختلف عن تعاملها مع جارتَيها العربيّتَين تونس والمغرب. الآن اختلف الوضع. الجزائر دولة منتجة للنفط والغاز، وفرنسا وكلّ أوروبا يحتاجان إليها (وكذلك المغرب وتونس). تغيّرت الحاجات الاستراتيجيّة، الأولويّات، بعد الحرب في أوكرانيا ونتيجة لها، وتغيّرت تبعاً لذلك العلاقات الفرنسية مع دول المغرب العربي، وخاصّة مع الجزائر.

انغلقت تونس على نفسها منذ الصراعات الداخلية التي تفجّرت حول كيف ومن يخلف الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

من جهته، توجّه المغرب، الذي يعاني نزفاً بسبب حركة البوليساريو المسلّحة التي تدعمها الجزائر في الصحراء الغربية التي استرجعها من إسبانيا في عام 1975، إلى الولايات المتحدة لدعم وحدته الترابيّة. أدّى توجّه المغرب هذا إلى اعتماد أقلّ على فرنسا (وضمناً على الاتحاد الأوروبي) وتعاون أوسع مع الولايات المتحدة وانفتاح أكثر على إسرائيل.

تحوّل “الودّ” الفرنسي من المغرب إلى الجزائر على الرغم من التشدّد الجزائري بوجوب فتح ملفّات الاحتلال الاستيطاني الفرنسي وما رافقه من ارتكابات غير إنسانية على مدى سنوات

لا ثقة بين فرنسا والجزائر

تمثّل ردّ الفعل الفرنسي في التركيز أكثر من أيّ وقت سابق على الجزائر، ليس فقط لأنّها غنيّة بالطاقة، بل ولأنّها ضدّ المحور الأميركي – المغربي الذي قام على اعتراف إسرائيل بمغربيّة الصحراء مقابل اعتراف المغرب بإسرائيل. وهما أمران تعارضهما الجزائر بشدّة.

منذ أن انتزعت الجزائر استقلالها، لم تعرف العلاقات الجزائرية – الفرنسية معنى للثقة المتبادلة أو حتى للاطمئنان المتبادل. حتى الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون نفسه لم يبدِ تعاطفاً أو تفهّماً لمطالب الجزائر بالكشف عن سجلّات الاستعمار الفرنسي وإعلان الحقائق التاريخية التي تتعلّق بالقتل الجماعي الذي ارتكبته القوات الفرنسية المحتلّة في ذلك الوقت. حتى إنّ الرئيس ماكرون ذهب إلى خفض عدد التأشيرات للجزائريين تحديداً، وكان الردّ الجزائري سحب السفير من باريس ومنع الطائرات التجارية الفرنسية من التحليق في الأجواء الجزائرية. الآن تغيّر كلّ شيء. فقد أيّد حزب الرئيس الفرنسي ماكرون اقتراحاً أمام البرلمان الأوروبي المشترك يدين المغرب على خلفيّة عدم احترام الحقوق الإنسانية. وعندما قام ملك المغرب محمد السادس بزيارة خاصّة لفرنسا لم يستقبله الرئيس ماكرون، على الرغم من أنّ الملك بقي في فرنسا أربعة أشهر متواصلة.

 

الحاجة للغاز الجزائري

لقد تحوّل “الودّ” الفرنسي من المغرب إلى الجزائر على الرغم من التشدّد الجزائري بوجوب فتح ملفّات الاحتلال الاستيطاني الفرنسي وما رافقه من ارتكابات غير إنسانية على مدى سنوات.

ليست فرنسا وحدها التي تحتاج إلى الغاز الجزائري. لقد سبقتها إيطاليا إلى خطب ودّ الجزائر من أجل الغاز والنفط أيضاً. وقد سبقت زيارة الرئيس ماكرون للجزائر زيارة قامت بها رئيسة الحكومة الإيطالية غلوريا ميلوني. فإيطاليا اليوم تعتمد على الغاز الجزائري بنسبة 40 في المئة من نسبة حاجتها الاستهلاكية. ولأنّ الجزائر وفّرت لإيطاليا حاجتها، انخفضت الواردات الإيطالية من الغاز الروسي من 40 إلى 10 في المئة فقط.

اتّخذ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مبادرة سياسية جريئة بإلغاء زيارة رسمية لموسكو، وهو ما نزل برداً وسلاماً على فرنسا وإيطاليا وعلى بقيّة دول الاتحاد الأوروبي التي تقاطع روسيا. وقد أدّى ذلك إلى اتّساع الهوّة بين المغرب ودول الاتّحاد. ذلك أنّ المغرب يلحّ على هذه الدول أن تحذو حذو الولايات المتحدة بالاعتراف بمغربيّة الصحراء، إلا أنّها لم تفعل ذلك حتى الآن. وبعد التحسّن الكبير في العلاقات الأوروبية – الجزائرية، لا يبدو أنّها سوف تستجيب للطلب المغربي في المستقبل المنظور على الأقلّ.

 

اتهامات باطلة بحق المغرب

ممّا زاد الأمر سوءاً اتّهام الدبلوماسية المغربية في بروكسل برشوة أعضاء في برلمان الاتحاد الأوروبي من أجل تمرير قرار يؤيّد حقّ المغرب في الصحراء، وبالتنصّت على الهاتف المحمول للرئيس الفرنسي ماكرون. وهي اتّهامات ينفيها المغرب جملة وتفصيلاً.

مع ذلك اتّخذ البرلمان المغربي قراراً بدعوة الحكومة في الرباط إلى إعادة النظر في العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي. واتّهم القرار فرنسا بالتدخّل السلبي ضدّ المصالح السياديّة للمغرب.

يُتوقّع أن تشهد مدينة “الداخلة” عاصمة إقليم الصحراء الغربية هذا الشهر مؤتمراً عن “التراث الإبراهيمي” تحضره وفود عربية من الدول التي اعترفت بإسرائيل وأقامت معها علاقات دبلوماسية، ووفود أميركية وإسرائيلية. ويعني هذا المؤتمر في العاصمة الصحراوية تكريساً لمغربيّة الصحراء، وهو ما تمتنع أوروبا عنه حتى الآن. ويعني في الوقت ذاته مزيداً من الابتعاد المغربي عن أوروبا ومزيداً من الانفتاح الأوروبي على الجزائر.

إقرأ أيضاً: المغرب من عقدة جزائريّة … إلى هاجس

لعلّ أخطر ما في كلّ ذلك هو الخوف المتبادل بين المغرب والجزائر من دخول صراع الدولتين الشقيقتين مرحلة الطائرات المسيّرة (بدون طيّار). فالجزائر تخشى أن يحصل المغرب على هذه الطائرات من إسرائيل لضرب آبار النفط والغاز الجزائرية في الصحراء، والمغرب يخشى أن تحصل الجزائر عليها من إيران لضرب مناجم الفوسفات في الصحراء المغربية.

أين وحدة المغرب العربي؟!

مواضيع ذات صلة

اليوم التّالي لـ”الحزب”: تعايش السّلاح مع الرّقابة الأميركيّة؟

ستّون يوماً ستحدّد وجه لبنان لعشرين سنة مقبلة. وما سيحدث (فيها) خلالها سيكون أكثر تعقيداً ومشقّة من أن تحسم أمره بنود الاتّفاق الذي أنجزه المفاوض…

لا تنخدعوا “بفائض الضّعف” كما خُدعتم “بفائض القوّة”

يقول دبلوماسي عربي في مجلس خاصّ: “خدع “الحزب” اللبنانيين وخدع نفسه وجمهوره بمقولة فائض القوّة. على اللبنانيين اليوم عدم خداع أنفسهم بالمراهنة على فائض الضعف…

إيران تتعظ… وتتراجع تكتيكياً

يتراءى للبعض أنّ رياح تغيير الأسلوب الإيراني بدأت تعصف في طهران مع السماح بوصول مسعود بزشكيان للرئاسة، ليتوطّد هذا النهج بعد فوز دونالد ترامب بولاية…

الحروب ليست حلّاً…  

عالم الحروب اليوم أعمق وأخطر، وقد وصل إلى قلب أوروبا بهجمة روسيا على أوكرانيا عام 2022 التي استمرّت حتى اليوم. وكأنّما كانت إسرائيل تنتظر مسوِّغاً…