التفاصيل الكاملة لجريمة قتل الشيخ أحمد الرفاعي

مدة القراءة 6 د

باحترافية أمنية وحنكة مجتمعية سياسية تمكّنت شعبة المعلومات بالتنسيق مع الجيش اللبناني من كشف خلفيّات اختطاف ومقتل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، ومن احتواء تداعيات الجريمة على الاستقرار العام، وتحديداً في قرى وبلدات عكار، من خلال التكتّم الشديد الذي تعاملت به الشعبة مع تفاصيل التحقيقات حفظاً على الأمن في بلدة الفقيد القرقف والقرى المحيطة بها. ولذلك تحفّظ الكثير من المرجعيات في تصريحاتهم، ولعلّ أبرزها ما صرّح به مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا ناصحاً الجميع انتظار البيان الرسمي الذي سيصدر عن الجهات المعنية.

في التفاصيل التي حصلت عليها “أساس” أنّه بعد 5 أيام على اختفاء الشيخ أحمد شعيب الرفاعي تمكّنت شعبة المعلومات من كشف كلّ ملابسات القضية بالاستناد إلى معطيين أساسيَّين:

1- تتبّع حركة الاتصالات وتنقّل هاتف الضحية منذ خروجه من منزله في بلدة القرقف. وقد رُصد هاتفه بداية في مستشفى حلبا حيث قدّم مساعدة ماليّة لأحد المرضى، ثمّ انتقل إلى مسجد البركة في البدّاوي حيث أدّى صلاة المغرب، ثمّ توجّه إلى شارع الميناء في طرابلس خلف مبنى الجامعة العربية في تمام الساعة 6:40 مساء، وكانت وجهته التالية منطقة البحصاص عند مدخل مدينة طرابلس في تمام الساعة 6:45 مساء، ثمّ قصد منطقة رأسمسقا في الكورة، وتحديداً في وادي هاب الذي يصل الكورة بمنطقة أبي سمراء.

2- العثور على قناع وقفّازي يد عليها آثار دماء خلف الجامعة العربية واكتشاف مصدرها.

بناء على هذين المعطيَين تحرّكت شعبة المعلومات باتجاه بلدة القرقف منتصف ليل الجمعة، حيث داهمت منزل رئيس البلدية الشيخ يحيى الرفاعي وتمّ توقيفه مع ابنه محمد وابن شقيقه عبد الكريم محمد الرفاعي. ثم تمكّن فرع المعلومات من توقيف نجل يحيى الرفاعي المدعوّ علي في بلدة ببنين. وتمّ نقل الجميع إلى مركز التحقيق، وأفرج مساء عن رئيس البلدية قبل أن يتمّ توقيفه مجدّداً صباح اليوم السبت.  اعترف علي الرفاعي خلال التحقيقات بإقدامه على قتل الشيخ أحمد بمعاونة ابن عمه عبد الكريم، وتواصلت التحقيقات معهم لمعرفة مكان الجثة، وهو ما استلزم بعض الوقت بسبب محاولة علي عرقلة التحقيق بداية عبر الإرشاد إلى مكان سيارة الشيخ أحمد التي وُجدت قرب مستشفى هيكل في الكورة، ثمّ عبر محاولة التراجع عن إفادته صباح اليوم السبت، لكنّه عاد بعد ذلك إلى الإقرار بكلّ التفاصيل، ومنها مكان وجود الجثة في عيون السمك، وهو أمرٌ نفته مصادر أخرى مشيرةً إلى أنّ الجثة تمّ رميها بالقرب من مخيم نهر البارد.

 

شريط مسجّل بعهدة مخابرات الجيش

أشارت مصادر خاصة بـ”أساس” إلى أنّ أربعة أشخاص تمّ توجيه الاتهام إليهم بالضلوع المباشر تحريضاً وتنفيذاً في الجريمة، ثلاثة منهم من آل الرفاعي والرابع من آل ميقاتي. وقد اعترفوا أنّ أسباب الجريمة تعود الى خلافات سابقة حول شؤون بلدية وعقارية. فيما لفتت مصادر أخرى لـ”أساس” إلى أنّ مخابرات الجيش اللبناني حصلت على تسجيل بصوت الشيخ أحمد الرفاعي يذكر فيه أنّ تهديدات بالقتل قد وُجّهت إليه من بعض الموقوفين قبل أيام من الجريمة.

 

حكاية الخلاف

قصة الخلاف في بلدة القرقف العكارية، وتحديداً بين الشيخين يحيى الرفاعي وأحمد شعيب الرفاعي، ليست وليدة الساعة، بل بدأت عام 2012 عندما تقدّم عدد من أبناء القرية بشكاوى رسمية ضدّ الشيخ يحيى الذي يشغل منصب رئيس البلدية متّهمين إيّاه  بهدر المال العام والإثراء غير المشروع وتحويل المشاريع العامة الى استثمارات خاصة، فضلاً عن بيع مشاعات البلدة.

وفي شكوى مفصّلة قُدّمت الى النيابة العامة المالية (الرقم 5072/2018)، طالب المعترضون بإلزام رئيس البلدية بوضع الأموال التي تقاضاها من بيع المشاع في صندوق البلدية تحت إشراف لجنة من الأهالي. كما قُدّمت دعوى ضدّه أمام وزارة الداخلية والبلديات والتفتيش المركزي والهيئة العليا للتأديب (الرقم 850/2019)، تطلب التحقيق معه في أسباب “كسبه المادي بصورة فاحشة”، وخصوصاً أنّه كان موظفاً في دائرة الأوقاف الإسلامية في عكار قبل فصله عام 2009 عقب خلافات وتبادل اتّهامات بينه وبين رئيس دائرة الأوقاف الإسلامية الشيخ مالك جديدة.

مع تصاعد الشكاوى والاعتراضات تطوّرت الخلافات الى اشتباكات وصدامات. وفي إحدى المرّات أحرق مجهولون سيارة الشيخ أحمد شعيب الرفاعي في حزيران 2019، الذي أصدر بياناً حينذاك أكّد فيه أنّ “كاميرا المراقبة في المنطقة وثّقت الحادثة والتقطت المعتدين”، وحذّر من “التدخّل من أجل وقف الملاحقات أو تضليل التحقيق، ولا سيما أن الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن أُحرقت سيارتا وليد عبود الرفاعي وخضر التلاوي، وكلاهما كانا على خلاف مع رئيس البلدية، وللأسف سُجّلت الجريمتان ضدّ مجهول ولم يوقَف أحد”، وطالب وزيرة الداخلية حينذاك ريا الحسن بـ”كفّ يد رئيس البلدية وإحالته الى التحقيق في الدعاوى المقدّمة ضدّه والمسجّلة لدى قلم الوزارة”، مؤكّداً أنّ “بلدة القرقف تعاني الإرهاب السياسي والمالي والاجتماعي والأمني، بسبب قيام دولة ضمن الدولة عبر استخدام رئيس البلدية نفوذه وعلاقاته ومصالحه”، واتّهم سائق زوجة رئيس البلدية الشيخ يحيى بإحراق السيارة، فتمّ توقيفه وإخضاعه للتحقيق.

إقرأ أيضاً: الشيخ الرفاعي واللغز الكبير: ماذا قال شاهد العيان؟

لم يتوقّف الأمر عند إحراق سيارة الشيخ أحمد، بل شهدت البلدة  تبادلاً لإطلاق النار بشكل كثيف في 11 شباط 2021، أي قبل سنتين من حادثة اختطاف الشيخ أحمد، وذلك بعد استقدام شباب من ضيع أخرى تُوالي رئيس البلدية، الأمر الذي تسبّب في حينه بحال من القلق والخوف في كلّ البلدات والقرى العكارية. 

 

القلق يسود القرقف

مع تواتر الأخبار عن مقتل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي سادت حالة غليان في بلدة القرقف، فاستقدم الجيش اللبناني تعزيزات مؤلّلة كبيرة إلى البلدة ونفّذ انتشاراً في كلّ شوارعها منعاً لأيّ ردّات فعل محتملة. وشهدت القرى المحيطة تعزيزات مماثلة، وبخاصة في بلدتَي ببنين وفنيدق.

من جهته، صرّح القاضي الشيخ خلدون عريمط، المكلّف من قبل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان بمتابعة القضية، أنّ الأجواء المتوفّرة توحي بأن لا خلفيّات سياسيّة وأمنيّة لجريمة قتل الشيخ الرفاعي، داعياً  أهالي القرقف إلى الهدوء وعدم الثأر والاحتكام إلى القانون.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…