“لن يبقى رياض سلامة ثانية في موقعه بعد نهاية ولايته الممدّدة في تموز المقبل”. كلامٌ يُنقل حرفيّاً عن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي كشف علناً للمرّة الأولى عبر حديث إلى قناة “الجديد” أن “لا وجود لأيّ وسيلة لإبقاء سلامة في مصرف لبنان. من الممكن أن يصدر قرار عن مجلس الوزراء بالتمديد، لكن أنا لن أطرح الموضوع، ولا أحد من الوزراء يقبل التمديد له. إذاً هو لا يرغب بذلك ومن ميلتنا صعبة”، مؤكّداً أنّ “مجلس الوزراء له الحقّ بتعيين حاكم مصرف لبنان إذا تمّ التوافق أو تكليف نائبه”.
حَسم مسألة عدم التمديد لحاكم مصرف لبنان أجاز لميقاتي تدشين النقاش رسمياً حول التفاوض على خليفة سلامة في “الحاكميّة” وتعيينه بمرسوم يصدر بالثلثين عن مجلس الوزراء.
ماذا سيفعل السراي؟
تقول أوساط السراي لـ “أساس”: “حين اتُّخذ القرار بجواز اجتماع حكومة تصريف الأعمال عند الضرورة لبتّ أمور ملحّة كان هناك قرار حاسم بعدم إقرار أيّ تعيين لأيّ موظّف منعاً لاستفزاز المكوّن المسيحي. لكن في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة في المهلة الفاصلة عن مغادرة رياض سلامة ستسعى الحكومة بأعضائها لتعيين البديل تفادياً للفراغ في رئاسة الحاكمية. وفي حال عدم التوافق سيُطبّق القانون بتكليف نائبه. وفي مطلق الأحوال ما يزال أمامنا أربعة أشهر لاستدراك هذا القطوع الحسّاس”.
حَسم مسألة عدم التمديد لحاكم مصرف لبنان أجاز لميقاتي تدشين النقاش رسمياً حول التفاوض على خليفة سلامة في “الحاكميّة” وتعيينه بمرسوم يصدر بالثلثين عن مجلس الوزراء
تتزامن هذه المعطيات مع التوجّه قريباً، وهو الأمر الذي أكّده ميقاتي أيضاً، إلى الادّعاء على سلامة من قبل المحامي العام الاستئنافي القاضي رجا حاموش في الملفّ المُحال إليه من قبل مدّعي عامّ التمييز القاضي غسان عويدات (بناءً على تحقيقات وادّعاءات القاضي جان طنّوس) في التهم المنسوبة إليه باختلاس المال العامّ وتبييض أموال والقيام بعمليات تزوير واستخدام المزوّر وإثراء غير مشروع، والتي طلبت النيابة العامّة الادّعاء على سلامة بموجبها.
وكان عُلّق ملفّ شركة “فوري” أمام النيابة العامّة منذ الصيف الماضي، بعد قرار ردّ النائب العامّ الاستئنافي القاضي زياد أبو حيدر بناءً على دعوى أقامها ضدّه سلامة.
يتمّ التداول في الأروقة في عدّة أسماء ليس من ضمنها من يستطيع أن يَحصد التوافق السياسي حتى الآن، بدءاً بسمير عسّاف وجهاد أزعور وليس انتهاء بأنطوان شقير ومنصور بطيش.
التيّار يرفع ثلاث لاءات
في هذا السياق، يرفع التيار الوطني الحر ثلاث لاءات: لا للتمديد لسلامة، لا لاجتماع حكومة تصريف الأعمال لتعيين البديل، ولا لحاكم لا يحظى تعيينه بالغطاء المسيحي الإلزامي مع تأكيد عدم جواز تعيين حاكم قبل انتخاب رئيس للجمهورية لأنّه الشريك الأساسي في قرار تعيينه.
هذه المعضلة لا أحد منذ الآن قادر على فكّ عِقدها، لكنّ أحد أهمّ مفاتيحها وجود قرار ضمنيّ لدى ميقاتي منسّق مع الرئيس نبيه برّي بسلوك خيار التعيين. وإذا سقط التوافق اجتراح الحلّ من داخل الحاكمية من دون اتّضاح الصورة حتّى الآن.
يجزم كثيرون أنّ كلام ميقاتي الأخير في شأن التمديد للّواء إبراهيم كان حمّال أوجه وينحو أكثر باتّجاه عدم حصوله
هل يستلم منصوري؟
المعني الأول باحتمال تسلّم صلاحيات الحاكم نائبه الشيعي وسيم منصوري لا يبدو شخصياً في وارد السير بهذا الخيار بغض النظر عن قرار الثنائي الشيعي الذي يُحاذر أيضاً تحمّل كرة النار بعد انتهاء ولاية سلامة.
يقول عارفو منصوري أنّه “مدرك لصعوبة استمرار الأزمة في ظل مؤشّرات خطرة منها عجز الموازنة ووضع الليرة والوضع الاقتصادي والمالي لذلك لا بد من انتخاب رئيس الجمهورية في وقت قريب وتشكيل حكومة”.
يضيف هؤلاء: “لا يتصرّف منصوري من موقعه كنائب الحاكم بأي خلفية سياسية. وهو يرفض أن يتسلّم مؤقتاً صلاحيات الحاكم في مرحلة حسّاسة وخطرة قد تستدرج ردّات فعل طائفية ومزيد من الانقسام”، مردّداً عبارة “لن أستلم وما يهمّني هي المصلحة العامّة الوطنية والمطلوب حلول جذرية وليس مؤقتة”.
هكذا رُصد، بسبب الفراغ الرئاسي المستمرّ والشلل التشريعي في المدى المنظور، نشاطٌ زائدٌ في السراي الحكومي على مستويين أساسيَّين:
– بتّ ملف التمديد للمدير العام للأمن العامّ اللواء عباس إبراهيم. وآخر المحطّات تولّي لجنة قضائية درس المخرج القانوني الممكن واستشارة مجلس الشورى تجنّباً لاحتمال الطعن بالقرار.
– التحضير لجدول أعمال الجلسة الرابعة لحكومة تصريف الأعمال، الذي سيكون على رأسه إقرار الصرف على القاعدة الاثني عشرية قبل نهاية شباط على أن يُقَرّ القانون في مجلس النواب لاحقاً على سبيل التسوية، مع تسجيل مهادنة باسيليّة واكبت انعقاد الجلسة الماضية وتلك التي ستُعقد يوم الإثنين المقبل.
مخرج قانونيّ للتمديد لإبراهيم
يجزم كثيرون أنّ كلام ميقاتي الأخير في شأن التمديد للّواء إبراهيم كان حمّال أوجه وينحو أكثر باتّجاه عدم حصوله.
لكنّ المفارقة أنّ ميقاتي تقصّد المواربة وإخفاء معطيات حين جَزم “عدم تواصله مع الرئيس برّي منذ ثلاثة أو أربعة أشهر باستثناء أخذ الموافقة منه هاتفياً قبل أيام حول الصرف على القاعدة الاثني عشرية، وعدم وجود كلام بينه وبين حزب الله في شأن التمديد لإبراهيم”.
إقرأ أيضاً: لا رئيس ولا تشريع: ميقاتي يُحضّر للجلسة الرابعة
تؤكّد معطيات “أساس” في هذا السياق أنّ “التواصل بين برّي وميقاتي شبه يوميّ وتناول بشكل مؤكّد مسألة التمديد للّواء إبراهيم. كما أنّ ميقاتي تلقّى منذ أيام، عبر الحاج حسين خليل، طلباً شخصياً ومباشراً من الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله بضرورة التوصّل إلى مخرج قانوني يتيح لإبراهيم البقاء في موقعه، وذلك بخلاف ما قاله ميقاتي من أنّ الحزب تواصل معه مرّة واحدة في شأن التمديد منذ ثلاثة أسابيع”.
يقول العارفون إنّ “موضوع التمديد لإبراهيم لم يقفَل تماماً. وحديث ميقاتي الذي لامس السلبية، بمعرض الإيجابية، حين أكّد أنّ “المستقبل أمام اللواء إبراهيم واسمه أهمّ من موقع الأمن العامّ”، هو أقرب إلى تخفيف وطأة احتمال سيره بخيار التمديد للّواء إبراهيم، وما يعني ذلك من أهميّة لحزب الله في موقع محسوب على الطائفة الشيعية، فيما تَعرقَل مسار التمديد للّواء عماد عثمان الذي لم يطالب به سوى بعض النواب السُّنّة، وكي لا يظهر ميقاتي منفّذاً لإملاءات حزب الله”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@