أحمد جبريل وميشال عون: المهمّة نفسها..

مدة القراءة 5 د

يشبه ما يشهده لبنان هذا الشتاء، خصوصاً في ضوء الحملة الممنهجة التي تتعرّض لها المصارف، حملة بفرعَيها القانوني والتخريبي، ما تعرّض له البلد شتاء عام 1976. وقتذاك نزلت “الجبهة الشعبيّة – القيادة العامة”، وهي تنظيم فلسطيني تابع للأجهزة السوريّة، إلى منطقة الفنادق في بيروت وعملت على تفجير كلّ فندق فيها من داخل. كان ذلك مباشرة بعد سقوط فندق “هوليداي إن” بفضل تدخّل مجموعات فلسطينية في مقدّمها عناصر من “فتح”. استخدمت هذه المجموعات المسلّحة غطاء لها إحدى الميليشيات السنّيّة في بيروت الغربيّة…

شاهدت بنفسي، في حيّ الزيتونة البحري، أحمد جبريل (الأمين العام للقيادة العامة) يشرف بنفسه على تفجير الجدران كي يسهل الانتقال من فندق إلى آخر بحجّة تحرير منطقة الفنادق من “الانعزاليين”، أي الميليشيات المسيحية. رافقني في تلك المغامرة شابّ عراقي من “القيادة العامة”، يُعرف بكنية “أبو مريم”، كان يتردّد علينا يومياً في جريدة “النهار”، حيث كنت أعمل والتي كانت مكاتبها الرئيسيّة في أول شارع الحمرا.

كان أحمد جبريل، في الأصل، ضابطاً في الجيش السوري وكان ينفّذ أمر عمليات بتدمير هذا الجزء من بيروت، وهو جزء كان ينبض بالحياة ليلاً ونهاراً، وكان من رموز ثقافة الحياة في لبنان. مثل وسط بيروت، تحوّلت منطقة الفنادق إلى منطقة مهجورة بائسة إلى أن جاء رفيق الحريري وأعاد إليها الحياة بدءاً بتوفير تسهيلات أعادت فندق “فينيسيا” إلى الوجود. أمّا فندق “هوليداي إن”، فقد بقي إلى اليوم رمزاً لوحشيّة حرب عبثية بدأت في 13 نيسان من عام 1975. يعود ذلك إلى خلافات بين أصحاب الملكية لـ”هوليداي إن”، وهي في معظمها لأسرة كويتية.

قطع السلاح الإيراني، بدعم سوري، الطريق على أيّ محاولة لإعادة الحياة إلى لبنان

تدمير وجود لبنان

في تلك الحرب العبثية، كان واضحاً أنّ الهدف تدمير كلّ مقوّم من المقوّمات التي في أساس وجود لبنان، بما في ذلك المصارف. تعرّضت المصارف في مرحلة معيّنة لسرقات مدروسة على يد تنظيمات فلسطينية مثل “الصاعقة”، التي كانت سوريّة الولاء مئة في المئة، أو “الجبهة الديمقراطية” التي كان على رأسها نايف حواتمه. استولت “الصاعقة” على “بنكو دي روما”، واستولت “الديمقراطية” ذات الميول اليساريّة على “البنك البريطاني” بخزائنه التي حوت ثروات لا تُقدّر بثمن.

صبّت أحداث الحرب التي اندلعت في عام 1975 في تفريغ لبنان من كلّ أسباب ازدهاره في ظلّ سلاح معظمه فلسطيني. عرف النظام السوري الذي كان على رأسه حافظ الأسد كيف يستثمر في السلاح الفلسطيني إلى أبعد حدود، وكذلك في تسليح الميليشيات المسيحيّة في الوقت ذاته، إلى أن جاء الاجتياح الإسرائيلي الذي مهّد ابتداء من صيف عام 1982 لبدء عهد السلاح الإيراني.

قطع السلاح الإيراني، بدعم سوري، الطريق على أيّ محاولة لإعادة الحياة إلى لبنان، وذلك بدءاً بملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب العسكري الفلسطيني من جنوب لبنان ومناطق أخرى، بما في ذلك بيروت، وصولاً إلى اغتيال مشروع الإنماء والإعمار لرفيق الحريري عن طريق تفجير الشخص نفسه ليس بعيداً عن فندق “فينيسيا”. ما كان فندق “فينيسيا” ليعود إلى الحياة لولا إصرار رفيق الحريري ولولا إرادة الأخوين مازن ومروان صالحة وشجاعتهما وتعلّقهما بلبنان وبيروت بالذات.

السلاح يحمي الفساد

انهار النظام المصرفي اللبناني في عام 2019. تقع مسؤولية الانهيار على جهات عدّة. في مقدَّم هذه الجهات الدولة التي يديرها “حزب الله”، نيابة عن إيران. لا يمكن بالطبع تجاهل أصحاب المصارف اللبنانية وجشعهم ولا مسؤولية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي سمح باللعب بأموال المودعين وتبديدها ولم يتردّد في تكرار أنّ “الليرة اللبنانية بخير”، في حين كانت في الحضيض.

الأهمّ من ذلك كلّه أنّ كلّ ما جرى في لبنان، خصوصاً منذ وصول ميشال عون وصهره جبران باسيل إلى موقع رئيس الجمهوريّة، في آخر تشرين الأوّل 2016، كان تحت شعار السلاح يحمي الفساد. ليس سرّاً أنّ الإدارة اللبنانية كانت في كلّ وقت فاسدة. لكنّ فسادها لم يصل يوماً إلى ما وصل إليه في عهد ميشال عون – جبران باسيل اللذين عملا باكراً على تدجين القضاء وتحويله أداة سياسيّة. فضلاً عن ذلك، يستحيل فصل ملفّ الكهرباء، الذي تسبّب بفضل عبقرية جبران باسيل، بخسائر تُقدّر بعشرات مليارات الدولارات، عن شعار السلاح يحمي الفساد.

يصعب فصل الحملة الأخيرة التي شملت تدمير فروع لمصارف معيّنة في بيروت عن رغبة في ألّا تقوم قيامة لهذا القطاع في يوم من الأيام. هناك حقد ليس بعده حقد على البلد يشبه حقد النظام السوري الذي كان يعبّر عنه أحمد جبريل وبعض المنظّمات الفلسطينية.

إقرأ أيضاً: الحزب والانهيار اللبنانيّ… والمكافأة الأميركيّة

مات النظام المصرفي يوم سرقت المصارف أموال المودعين وتوقّفت عن إعطاء المودع حقّه الطبيعي. لماذا المطلوب إشباع هذا النظام موتاً في هذه الأيام بالذات؟ يصعب إيجاد تفسير لما يجري حالياً إلا بخشية “حزب الله” من فقدان سيطرته الكاملة على لبنان في ضوء تطوّرات إقليمية يمكن أن تؤدّي إلى تغيير في إيران وسوريا. لا وجود لتفسير آخر، لا للهجمة المتجدّدة على المصارف ولا للتهديدات التي أطلقها حسن نصرالله في خطابه الأخير والتي بلغت التلويح بحرب مع إسرائيل.

ما الذي يريد “حزب الله” قوله؟ هل يريد قول إنّ لبنان لن يفلت منه بغضّ النظر عمّا يحصل في المنطقة وداخل “الجمهوريّة الإسلاميّة” نفسها وسيبقى ممسكاً بالبلد إلى ما لا نهاية بعدما نجح في تغيير طبيعته وصورته على غرار نجاحه في تغيير طبيعة المجتمع الشيعي فيه؟

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: khairallahkhai5@

مواضيع ذات صلة

رجال ترامب هم رجال إسرائيل!

تعكس اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبعض فريقه الرئاسي الجديد عمق سياساته المقبلة تجاه العالم ككلّ، وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. قيل لي…

هل ينفع الحوار مع إيران للاستغناء عن خدماتها؟

حين تتحدّث مع دبلوماسيين غربيين عاملين على مسائل لبنان والمنطقة هذه الأيام، يصغون بشيء من اللياقة لما يُعرض من التفاصيل المتعلّقة بصيغة لبنان، سواء في…

صواريخ إيران: شّبح صّينيّ مجهول

كيف تحوّلت إيران إلى مصنّع للصواريخ؟ الصواريخ الإيرانية الصنع تعزّز الآلة العسكرية الروسيّة في الحرب على أوكرانيا. وهذه الصواريخ الإيرانية تشكّل رأس الحربة العسكرية للحوثيين…

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…