جاءَ الزّلزال في شمال سوريا وجاءَ معه ما كان رئيس النّظام السّوريّ بشّار الأسد ينتظره منذ اندلاع الثّورة السّوريّة في ربيع 2011، ألا وهو محاولة التطبيع مع الدّول العربيّة.
خاضَ النّظام السّوريّ خلال السّنوات الأخيرة عدّة محاولات لتطبيع العلاقات مع الدّول العربيّة أو العودة إلى جامعة الدّول العربيّة، لكنّها كانت دائماً ما تصطدم بالنّفوذ الإيرانيّ المُتنامي في دمشق، والذي يُعدّ تقليصه شرطاً عربيّاً أساسيّاً من الرّياض إلى القاهرة مروراً بعمّان والكويت.
لقاءات لم تتوقّف
لم تتوقّف المُحادثات الأمنيّة بين دمشق وعواصم المنطقة منذ ما قبل الزّلزال، إلّا أنّ تحرّك الفوالق الطّبيعيّة دفع الفوالق السّياسيّة إلى التحرّك.
في هذا الإطار، يشير مصدر إقليميّ مُطّلع لـ”أساس” إلى أنّ العاصمة السّوريّة استضافت على مدى يوميْن قبل وقوع الزّلزال اجتماعات أمنيّة بين مسؤولين من الرّياض ودمشق.
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ الصّفدي أعادَ نقل الشّروط العربيّة لتطبيع العلاقات مع دمشق
على الرّغم من أنّ اللقاءات الأمنيّة لم تخرج عن إطارها الطّبيعيّ، وهي ليسَت الأولى من نوعها، إلّا أنّ زيارة وزير الخارجيّة الأردني أيمن الصّفدي لدمشق ولقاءه الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد بعد الزّلزال هما الخرق السّياسي الأبرز بعد زلزال تركيا وسوريا.
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ الصّفدي أعادَ نقل الشّروط العربيّة لتطبيع العلاقات مع دمشق، وهي:
1- تغيير طبيعة العلاقة القائمة بين سوريا وإيران، والحدّ من نفوذ الأخيرة في عاصمة الأمويّين.
2- ضرورة إبعاد الميليشيات المدعومة من إيران عن الحدود الجنوبيّة مع الأردن.
3- العمل على وقف تصدير شحنات المُخدّرات من الدّاخل السّوريّ نحو العُمق العربيّ.
أجابَ الأسد أنّ ما سمّاه “الغياب العربيّ” عن دمشق دفعَ طهران إلى ملء الفراغ، وأنّ بلاده بطبيعة الحال لن ترفض المُساعدة الإيرانيّة التي جاءَتها في أوج الأزمة السّوريّة.
يقول المصدر إنّ الصّفدي كان بمنزلة مبعوثٍ عربيّ لا أردنيّ فقط إلى دمشق. إذ تكمن الخشية العربيّة من أن يزيد الزّلزال مأساة السّوريين، مع ما لذلك من انعكاسٍ على أمن المنطقة برمّتها، خصوصاً في ما يتعلّق بموجات النّزوح المُحتملة.
هذه الخشية عبّر عنها وزير الخارجيّة السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان بقوله إنّ الحديث عن عودة النّازحين ينبغي أن يكون بالتّواصل مع دمشق. في هذا الإطار، يؤكّد مصدرٌ دبلوماسيّ سعوديّ أنّ المسار الأمنيّ بين دمشق والرّياض مستمرٌّ، وهذا لا يعني بالضّرورة عودة العلاقات بين العاصمتيْن، إذ كانت هذه اللقاءات تُعقَد في أكثر اللحظات تعقيداً من عمر الأزمة السّوريّة، وأمّا المسار السّياسيّ فيحتاج إلى أسسٍ متينة يختصرها المصدر كالآتي:
1- تنتظر السّعوديّة أن تلتمسَ تغييراً في طبيعة العلاقة بين الأسد وإيران، ولن تقبل أقوالاً ووعوداً وحسب، بل تريد من دمشق أن تقدّم أفعالاً ملموسة وواضحة في هذا الإطار.
2- يقبل النّظام بشكلٍ واضح بالحلّ السّياسيّ للأزمة السّوريّة على أساس قرار مجلس الأمن الدّوليّ رقم 2254.
3- يضمن النّظام العودة الآمنة للنّازحين السّوريين.
لا يؤكّد المصدر أو ينفي الأنباء المتعلّقة بإمكانيّة أن يزور وزير الخارجيّة السّعوديّ دمشق، لكن يؤكّد أنّ الشّروط المذكورة هي الأساس لأيّ عودة للعلاقات السّعوديّة – السّوريّة.
ماذا عن أوروبا؟
في القارّة العجوز ظهر الثّلاثي إيطاليا والنّمسا واليونان. يقول مصدر أميركيّ في وزارة الخارجيّة لـ”أساس” إنّ هذه الدّول الـ3 تُطالب بتعديل الاستراتيجيّة الأوروبيّة تجاه النّظام السّوريّ، وأن لا ترتبط إعادة الإعمار والتطبيع مع دمشق بمسألة الحلّ السّياسيّ. وقد ناقش مسؤولوها هذه المسألة مع المعنيّين في واشنطن.
إقرأ أيضاً: التطبيع مع دمشق: مناخات باريس ومؤشّرات الرياض
يقلق اليمين الأوروبيّ من تدفّق النّازحين السّوريين من شمال سوريا وجنوب تركيا نحو أوروبا. وفي هذا الإطار كانت إيطاليا من أكثر الدّول الأوروبيّة التي أرسلت مُساعدات إنسانيّة إلى النّظام السّوريّ بعد الزّلزال.
تُضاف إلى ذلك سهولة الوصول إلى سواحل إيطاليا واليونان عبر مياه المُتوسّط في وقتٍ تُعاني أوروبا من موجات النّزوح الأوكرانيّ بسبب الحرب المُشتعلة منذ سنة بين موسكو وكييف.
بين القلق من إيران وموجات النّازحين، يُحاول الأسد أن يستدركَ فرصاً قد لا تتكرّر إلّا مرّة في كُلّ 100 عام، تماماً كالزّلزال الذي هزّ شمال بلاده التي لم تتوقّف عن الاهتزاز الميدانيّ منذ 2011…
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@