السفراء بعد اجتماعات باريس: ثوابت وتلويح بعقوبات

مدة القراءة 6 د

يمكن لجولة دبلوماسيّي الدول الخمس، الذين اجتمعوا في باريس الأسبوع الفائت لمناقشة الملف اللبناني، أن تسهم في تبديد الكثير من التساؤلات الناشئة عن عدم صدور بيان عن الاجتماع، وعن إصدار السراي الحكومي في بيروت بياناً توضيحياً حول مضمون اللقاء، إضافة إلى عدم إصدار بيان في باريس. وهذا يعني أنّ سفراء أميركا وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، قد تقصّدوا استلحاق الأمر بطريقة ذكيّة: إحالة إيضاح المضمون إلى الجانب اللبناني، في مقابل عدم إصدارهم أيّ موقف.

 

تكرار المواقف الدوليّة الثابتة

أمّا ما جرى في الاجتماعات فيتطابق مع ما ورد في البيان الذي صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وجاء فيه: “أكّد السفراء أنّ عدم صدور بيان عن اجتماع باريس مردّه إلى أنّ الاجتماعات مفتوحة ومستمرّة من أجل دعم لبنان والتّشجيع على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأنّ الدّعم الحقيقيّ للبنان يبدأُ بعد انتخاب الرئيس العتيد، ثمّ متابعة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة”. وأضاف البيان: “شدّد السفراء على أنّ عدم انتخاب رئيسٍ جديدٍ يرتّب إعادة النّظر بمجمل العلاقات مع لبنان، لأنّه إذا لم يقُم النّواب بواجباتهم، فالدول الخارجيّة لن تكون أكثر حرصاً من المسؤولين اللبنانيّين أنفسهم”.

لا يختلف البيان عن مضمون المداولات، ولا عن المواقف الثابتة والمعلنة تجاه لبنان، سواء في السياق العام أو في السياقات السياسية الأخرى. ففي السياق العامّ، جدّد البيان، انطلاقاً من نتائج الاجتماع، التزام القوى الدولية بمسار واضح لخروج لبنان من أزمته، وذلك وفق ثلاث خطوات أساسية: 

في السياق الخاصّ، أو الجانب التفصيلي من المداولات والمباحثات، كانت النقاشات في اجتماع باريس وفي لقاء السفراء مع الرئيسين ميقاتي وبرّي في غاية الوضوح

– الأولى، انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، وأن يكون الاثنان قادرَيْن على استعادة ثقة المجتمع العربي والدولي.

– الثانية، الالتزام باتفاق الطائف والدستور وعدم الذهاب إلى فرض وقائع سياسية تهدف إلى نسفهما.

– الثالثة، وضع خطة عمل اقتصادية وبرنامج إصلاحي واضحين ويتطابقان مع الشروط الدولية للحصول على المساعدات.

تلازم هذه النقاط الثلاث المواقف الدولية التي تصدر حول لبنان، سواء أكانت اجتماعات ثنائية أو موسّعة. وتستمرّ هذه المواقف منذ بداية الأزمة الاقتصادية وثورة 17 تشرين، وما بعد انفجار المرفأ في عام 2020، وما بعد المبادرة الفرنسية وكلّ ما أُصيبت به من تشوّهات. وهي لا تزال من الثوابت القائمة للخروج من الأزمة. وهذا ما تبلّغ به الرئيسان نبيه برّي ونجيب ميقاتي صراحة.

الجديد هو النص الواضح بأنّ “عدم انتخاب رئيسٍ جديدٍ يرتّب إعادة النّظر بمجمل العلاقات مع لبنان”. وهذا كلام جديد يصدر عن ممثّلي 5 دول، هي مظلّة حماية لبنان، والباب الوحيد لإعادة انتشاله من وحول مستنقع الرمال المتحرّكة الذي يغرق فيه أكثر وأكثر منذ 3 سنوات. وإعادة النظر هذه تحمل رسالة واضحة باحتمال قطع العلاقات السياسية وإطباق الحصار المالي والاقتصادي إلى حدود غير مسبوقة، قد لا تكون كّل الدول المشاركة في الاجتماع الموافقة على نص بيان رئاسة مجلس الوزراء لكنّها لا تستطيع أن تنفي ما ورد فيه.

السياقات التفصيليّة 

في السياق الخاصّ، أو الجانب التفصيلي من المداولات والمباحثات، كانت النقاشات في اجتماع باريس وفي لقاء السفراء مع الرئيسين ميقاتي وبرّي في غاية الوضوح:

– ضرورة الذهاب إلى تسوية تحت سقف اتفاق الطائف وعلاقات لبنان العربية والدولية.

– أن يتمتّع رئيس الجمهورية المنتخب ورئيس الحكومة المختار بمواصفات عدم الانتماء السياسي إلى أيّ طرف، وأن يكونا من غير المنخرطين في سياسة المحاور ولا شبهات فساد عليهم.

– العمل على تحييد لبنان عن أزمات المنطقة وتبريد الجبهتين الداخلية والخارجية.

– أن لا تكون تركيبة السلطة مستفزّة لأيّ طرف، ولا تكون هادفة إلى تصفية الحساب مع أيّ طرف، إنّما تحفظ التوازن، ولا تستثني أحداً إلا إذا ارتأى البقاء خارجها.

– التلويح بفرض عقوبات أو إجراءات بحقّ من يعمل على عرقلة الوصول إلى صيغة حلّ أو تسوية، على أن يعود القرار في نوعيّة هذه الإجراءات أو العقوبات لكلّ دولة على حدة.

في اللقاء مع الرئيس نبيه برّي اتّسم الجوّ بالهدوء والانفتاح. مرّر السفراء كلّ المواقف اللازمة

برّي وما يليه

في اللقاء مع الرئيس نبيه برّي اتّسم الجوّ بالهدوء والانفتاح. مرّر السفراء كلّ المواقف اللازمة وأبرزها: “ضرورة اختيار رئيس غير محسوب على قوى 8 آذار”. تلقّف برّي الرسالة، ولم يدلِ بأيّ موقف في هذا الخصوص. لكنّه كان إيجابياً جدّاً، خصوصاً في مقاربته العلاقة بالمملكة العربية السعودية. وأكّد بشكل جازم حرصه على إنجاز الاستحقاق في أسرع وقت ممكن، وأن يتمّ الاتفاق على رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة يلتزمان اتفاق الطائف ولا يحيدان عنه.

عمليّاً، يبقى الأهمّ ما تحمله لقاءات السفراء “الثنائية” وليس ما يصدر عن تلك الموسّعة. فالحركة الدبلوماسية الداخلية لن تتوقّف. سينشط كلّ سفير على الخطوط التي يعمل عليها أو مع الأفرقاء الذين يرتبط معهم بعلاقات قويّة. في هذه اللقاءات تُنقل وجهات النظر بشكل تفصيلي لتتّضح الرؤية. ويُفترض أن تتقاطع هذه الحركة الدبلوماسية مع حركة سياسية داخلية مرتبطة بإيقاع التطوّرات في المنطقة، ولا سيما الهدنة في اليمن وتقدّم المفاوضات الإيرانية – السعودية حول الملف اليمني.

 

سيناريوهات متعارضة 

تحت هذا السقف تخرج في لبنان تحليلات وسيناريوهات كثيرة: تنعكس الهدنة اليمنية أو التسوية هناك على الوضع في لبنان، فيطالب حزب الله ومن خلفه إيران بأن تكون رئاسة الجمهورية اللبنانية من نصيبهما، وهذا يقود إلى انتخاب سليمان فرنجية رئيساً في مقابل اختيار رئيس حكومة محسوب على السعودية. لكنّ هذا الرهان لا يبدو واقعياً، فحلّ الأزمة يرتبط بسياق متكامل جرى التعبير عنه في كلّ المواقف، ويُترجم بالذهاب إلى تسوية مختلفة عن التسويات السابقة التي جُرّبت مع ميشال عون رئيساً للجمهورية وسعد الحريري رئيساً للحكومة، واستمرّ معها الميزان منكسراً ووقع الانفجار والانهيار في عهدها.

إقرأ أيضاً: تخبّط خماسيّ باريس بالخلافات و”حزب الله” بالتهديد

خلاصة النقاشات والاستنتاجات، التي لا بدّ للّبنانيين من أن يلتقطوها، وقد التقطها عدد واسع من المسؤولين والمعنيين، هي التالية: يجب الذهاب إلى البحث عن رئيس تتوافر فيه تلك المواصفات التي لا تنطبق على سليمان فرنجية، وحتى إنّها تتعارض نظريّاً مع قائد الجيش جوزف عون الذي يتمتّع بمواصفات وسطية، لكنّه خاضع لفيتو قاطع من التيار الوطني الحرّ، ويحتاج إلى رؤية سياسية اقتصادية شاملة غير متوفّرة لديه.

يبقى الأمر مرتبطاً بمدى تجاوب اللبنانيين مع هذا الطرح، وباقتناعهم بضرورة السعي إلى الخروج من الأزمة، واختيار التوقيت المناسب لذلك بعيداً عن التهديدات العسكرية التي ملأت الفضاء اللبناني قبل أيام.

مواضيع ذات صلة

اليوم التّالي لـ”الحزب”: تعايش السّلاح مع الرّقابة الأميركيّة؟

ستّون يوماً ستحدّد وجه لبنان لعشرين سنة مقبلة. وما سيحدث (فيها) خلالها سيكون أكثر تعقيداً ومشقّة من أن تحسم أمره بنود الاتّفاق الذي أنجزه المفاوض…

لا تنخدعوا “بفائض الضّعف” كما خُدعتم “بفائض القوّة”

يقول دبلوماسي عربي في مجلس خاصّ: “خدع “الحزب” اللبنانيين وخدع نفسه وجمهوره بمقولة فائض القوّة. على اللبنانيين اليوم عدم خداع أنفسهم بالمراهنة على فائض الضعف…

إيران تتعظ… وتتراجع تكتيكياً

يتراءى للبعض أنّ رياح تغيير الأسلوب الإيراني بدأت تعصف في طهران مع السماح بوصول مسعود بزشكيان للرئاسة، ليتوطّد هذا النهج بعد فوز دونالد ترامب بولاية…

الحروب ليست حلّاً…  

عالم الحروب اليوم أعمق وأخطر، وقد وصل إلى قلب أوروبا بهجمة روسيا على أوكرانيا عام 2022 التي استمرّت حتى اليوم. وكأنّما كانت إسرائيل تنتظر مسوِّغاً…