انتخابات تركيا: لمن سيصوّتُ الزلزال؟

مدة القراءة 7 د

صعب هو امتحان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وحليفه حزب الحركة القومية تحت جناح “تحالف الجمهور”.

أقلّ ما ينتظرهما في المرحلة المقبلة هو حقل أشواك قابل للتحول إلى حقل الغام، إذا لم يتعاملا مع ارتدادات كارثة الزلزال بسرعة ودقة وبما يرضي المواطن التركي المنكوب.

هناك أيضا المعارضة التي تريد أجوبة على أسئلة كثيرة تجيرها إلى مكاسب إنتخابية وسياسية بينها:

– هل هي كارثة العصر؟ أم إهمال العصر؟

– كيف تستعد السلطة السياسية – على ضوء النكبة التي حلت بالجنوب التركي – لمواجهة زلزال إسطنبول الذي يردد الخبراء أنّ موعده يقترب يوما بعد آخر، ولن يقل شدة عن زلزال  قهرمان مراش، موقعا أضرارا قد تتجاوز بكثير عدد ضحايا الزلزال الأخير؟

خلط زلزال جنوب تركيا أوراق الاستعداد لأهم انتخابات تركية كانت تنتظرها البلاد في منتصف أيار المقبل

أزمة أردوغان وحزبه

بعد 10 أيام على كارثة الزلزال التي أصابت مدن جنوب تركيا، ما زالت الأولوية لإنقاذ المصابين ورفع الأنقاض وتأمين اماكن سكنية لعشرات ألوف الأسر المنكوبة ولتضميد الجراح. لكن خارطة الطريق التي سيطرحها أردوغان وحزبه لا بد أن تضع 3 مسائل بالغة الأهمية على رأس الأولويات:

– شكل المرحلة الانتقالية التي سيعرضها للخروج من ارتدادات الكارثة التي أصابت البلاد، رغم كل الصعوبات والعقبات.

– المساءلة القانونية التي ترضي الشارع الغاضب، والمتعطّش لمحاسبة المسؤولين عن انهيار ألوف المباني القديمة والحديثة، والمرتبطة بموضوع “إعفاءات الإعمار” التي تبنّاها أردوغان وحزبه في العقدين الأخيرين، واستفاد منها 3 ملايين مواطن بتسوية أوضاعهم القانونية وإنهاء مخالفات البناء التي ارتكبوها.

– الحل السياسي الذي سيقدمه إدروغان لإقناع الشارع والمعارضة بضرورة إرجاء موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي كان يرجّح موعدها في منتصف أيار المقبل، أي قبل موعدها الرسمي بستة أسابيع. وقد يدعو لإرجائها بسب الأوضاع الاستثنائية الصعبة التي تمر بها تركيا.

تريد المعارضة التركية أن تتضمن خارطة الطريق المنوي إعتمادها لبحث خطط الانقاذ واستخلاص الدروس والعبر، المساءلة القانونية للمتسببين بانهيار ألوف الأبينة على هذا النحو. ثم عدم محاولة لعب ورقة تأجيل الانتخابات وضرورة إتمامها قبل انتهاء المدة الدستورية المحددة في أواخر شهر حزيران المقبل.

في المقابل لا يريد حزب العدالة أن يقدم كرسي الحكم للمعارضة على طبق من فضة “لأنها لا تستحقه”، كما يقول. وهو يريد التعامل بسرعة ونجاح مع ارتدادات الكارثة، لأن الخيار البديل هو التنحي بعد عقدين من الانجازات الضخمة التي حققها لتركيا. الوقائع على الأرض تقول إنه يحتاج إلى معجزة كبيرة تخرجه من ورطته.

فكيف سيكون ذلك؟

أقلّ ما ينتظرهما في المرحلة المقبلة هو حقل أشواك قابل للتحول إلى حقل الغام، إذا لم يتعاملا مع ارتدادات كارثة الزلزال بسرعة ودقة وبما يرضي المواطن التركي المنكوب

معضلة الانتخابات

أعلن الناطق الرسمي باسم  حزب العدالة والتنمية عمر شليك أن “مناقشة الانتخابات ليست على جدول أعمالنا اليوم. هناك ضحايا تحت الأنقاض، وهناك مرحلة تضميد الجراح”. هو كان يرد على زعيم المعارضة التركية كمال كيليشدار أوغلو الذي يحاول قطع الطريق باكرا على سيناريوهات إرجاء الانتخابات من خلال رسالته المباشرة لأردوغان: “لا تَخَفْ من الصناديق. الانتخابات لا تُؤجل”.

كتابات بعض الإعلاميين الأتراك التي تتحدث عن سيناريوهات سياسية وقانونية، تشير إلى إرجاء الإنتخابات. وهناك تصريح لرئيس “الحزب الديمقراطي” المعارض غولتكين أويصال ينبه فيه إلى احتمال وجود سيناريو يدور في ذهن قيادات الحزب الحاكم حول إرجاء موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى العام المقبل، والذهاب إلى الصناديق مرة واحدة في انتخابات ثلاثية: برلمانية ورئاسية وبلديات.

لكن من صب الزيت فوق نار التوتر وإغضاب قوى المعارضة أكثر، هو بولنت أرينش، السياسي المخضرم في حزب العدالة وأحد أبرز قياداته، بدعوته إلى إرجاء الانتخابات، لأنه من الصعب إجراء انتخابات وسط الحالة السياسية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها تركيا اليوم. يقترح أرينش، الذي لا نعرف بعد إذا ما كان يتحدث باسمه فقط، أم أن حزبه يدعمه في ذلك، عن 3 سيناريوهات حول موعد الانتخابات:

– انتخابات تجري في تشرين الثاني 2023 بعد تجاوز الأزمة الحالية.

– دمج الانتخابات كلها معا وتحديد موعدها في العام 2024 تاريخ الانتخابات المحلية.

– البحث عن موعد آخر تتفق عليه القوى السياسية في الحكم والمعارضة كخيار ثالث يمكن التفاهم عليه.

يجمع العديد من الحقوقيين والسياسيين الأتراك على أن الهيئة العليا للانتخابات لا تملك صلاحية إرجائها، وعلى أن المخرج الوحيد هو تعديل المادة الدستورية التي تشير إلى سبب واحد لإرجائها، وهو حالة الحرب، وإضافة عبارة “أسباب قاهرة” تدفع لتغيير موعدها. لكنّ ذلك يتطلب دعم أكثرية الثلثين أي 400 نائب تحت سقف البرلمان. وهذه النسبة لا يملكها تحالف الحزب الحاكم، ويحتاج إلى دعم أحزاب المعارضة التي أعلنت مسبقا تمسكها بإجراء الانتخابات في موعدها.

سيناريوهات تأجيل الانتخابات

كيف سيتصرف حزب العدالة؟

الهروب إلى الأمام على طريقة عليّ وعلى أعدائي؟ بأن يعلن قبوله التحدي والذهاب إلى الانتخابات في موعدها؟ أم يبحث عن خيارات وبدائل سياسية تعطيه ما يريد؟ لناحية كسب بعض الوقت وتهدئة الأجواء في البلاد بعد الكارثة التي يعرف جيدا أنه ستكون لها ارتداداتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

خلط زلزال جنوب تركيا أوراق الاستعداد لأهم انتخابات تركية كانت تنتظرها البلاد في منتصف أيار المقبل. ترى المعارضة التركية أن سيناريو إرجاء موعدها سهل، إذا ما رغب التحالف الحاكم بالذهاب إلى خيار من هذا النوع، وذلك باعتماده الخطوات التالية:

– تمديد حال الطوارىء في المناطق المتضررة.

– طرح معضلة أن المنطقة المنكوبة تضم أكثر من 13 مليون شخص تأثروا بشكل مباشر بالزلزال، وسيتأثر الملايين غيرهم بشكل غير مباشر عندما يتم نقل أولئك إلى ولايات أخرى.

– معضلة إستحالة تأمين مشاركة حوالي 4 ملايين ناخب متضرر في المناطق المنكوبة، وكيفية التعامل مع تغيير أماكن إقاماتهم والتواصل معهم بمثل هذه السرعة.

– يبلغ الحزب الحاكم الهيئة العليا للانتخابات بصعوبة الذهاب إلى الصناديق للحصول على مشاركة شعبية واسعة وعادلة في إطار ديمقراطي يحمي حق جميع الناخبين في المشاركة ويطلب التأجيل، فتستجيب الهيئة للطلب.

إذا، تنتظر الهيئة العليا للانتخابات التركية امتحانا دستوريا وقانونيا صعبا في الأيام المقبلة، بعد كارثة الزلزال واتساع رقعة التجاذب السياسي حول الانتخابات. فالعيون كلها ستكون مشدودة نحوها.

امتحان للعدالة والتنمية

ذكّر الإعلامي المعارض المعروف فاتح برتقال الجميعَ بأن “هذه الدولة قامت بتنظيم انتخاباتها خلال الحرب العالمية الأولى، فلماذا تكون عاجزة عن ذلك في مثل هذه الظروف؟”.

فرصة أردوغان وحزبه الوحيدة لن تكون في البحث عن سبل إرجاء موعد الانتخابات، بل في الإسراع بالبحث عن خطط وبرامج معالجة آثار الزلزال وارتداداته الاجتماعية والحياتية والاقتصادية وكسب الناخب خلال الأسابيع المقبلة. امتحان صعب، لكنه قد يبقي الحزب على رأس السلطة لسنوات جديدة، وهو يعوّل في ذلك على أخطاء ترتكبها قيادات المعارضة كما فعلت دائماً.

إقرأ أيضاً: الزلزال يصيب النظام السوريّ في بيئته الحاضنة

السياسة مثل طبقة زيت الزيتون تطفو على السطح في جميع الأحوال. وهي تطفو أثناء مناقشة أكبر وأخطر الكوارث التي حلت بتركيا في العقد الأخير وسبل الخروج منها وتوفير احتياجات مئات ألوف المنكوبين. والبعض يقدم حساباته السياسية ويريد الذهاب بتركيا إلى الصناديق وأجواء الحملات الانتخابية وتعبئة الشارع لإزاحة حزب العدالة عن الحكم.

فمن ينجح في إقناع المواطن التركي: الحكم أم المعارضة؟

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…