حوار بين القدّيس مارون والبطاركة الياس الحويك ونصرالله صفير وبشارة الراعي. حوار من الخيال انطلاقاً من واقع الموارنة في لبنان. الحوار لم يحصل فعليّاً. والبطاركة لا يتحمّلون مسؤولية الإجابات، عِلماً بأنّها ترتكز على آرائهم السياسيّة، التاريخيّة منها والحاضرة.
الخلافات المارونيّة
مار مارون: لماذا لم يحضر رئيس الجمهورية قدّاس العيد اليوم؟
البطريرك بشارة الراعي: لأنّ مركز الرئيس شاغر منذ أشهر. لقد عاد الفراغ إلى سدّة الرئاسة للمرّة الرابعة.
مار مارون: علمت أنّكم اجتمعتم مع إخوتكم البطاركة منذ أيام وتشاورتم في أوضاع لبنان.
الراعي: نعم، وتمنّوا علينا دعوة النواب المسيحيين إلى الاجتماع في بكركي للتشاور في أزمة الرئاسة. اتّصلنا بهم كتلاً وأفراداً. رفضوا تلبية الدعوة. خلافاتهم السياسية وصراعاتهم أقوى.
حوار من الخيال انطلاقاً من واقع الموارنة في لبنان. الحوار لم يحصل فعليّاً
البطريرك نصرالله صفير: يبدو أنّهم ما زالوا على حالهم من الخلافات والصراعات. لم يتعلّموا من دروس الماضي شيئاً. خلال الحرب تقاتلوا بالسلاح، ودار أقسى قتالهم في مثل هذه الأيّام منذ 23 عاماً. اليوم يُكملون تقاتلهم بالسياسة. وبالفعل نفسه يُكملون قتل الحضور والدور المارونيَّين، ويثبتون القول السريانيّ المأثور: “مورُونُيِي لُو مْطَقْسُونِي” (الموارنة لا ينتظمون).
مار مارون: ألم يتعلّموا من دروس الماضي؟
صفير: لا يبدو ذلك. بعد الحرب قامت الوصاية السورية بسجنهم ونفيهم، فاضطررنا إلى الاضطلاع بدور القيادة في مواجهتها. نجحنا في إخراج الجيش السوري في 2005 إثر اغتيال رفيق الحريري. وعاد الزعماء الموارنة إلى البلاد. أمَلْنا أن يتّفقوا. ولكن ما لبثوا أن اختلفوا وتفرّقوا. والأسوأ أنّ فريقاً منهم قام بتحالف يناقض كلّيّاً خيار الموارنة الاستراتيجي بعد تأسيس لبنان الكبير القائم على رفض تحالف الأقلّيّات والمحافظ على أفضل العلاقات مع المحيط العربيّ. والأسوأ أنّه تحالف مع ميليشيا يناقض وجودها مفهوم الدولة وتسعى إلى قضمها والهيمنة على مؤسّساتها. نحن قلنا: “إذا ما خُيّرنا بين العيش المشترك والحرّيّة، فسنختار الحرّيّة”. للأسف تحالف قسم من أبنائنا مع فريق لا يتمتّع بحرّيّته.
الراعي: وها هو هذا الفريق يدفع الثمن ويبدو نادماً على ما فعله. فبعدما أخذت تلك الميليشيا منه الغطاء الذي احتاجت إليه في المرحلة الماضية مزّقت ورقة التفاهم ورمَتها.
مار مارون: ولكنّ هذا الفريق يبدو مستعدّاً للتفاهم مع باقي الموارنة لإنهاء الفراغ الرئاسيّ!
الراعي: من جهة يُبدي استعداده للتفاهم. ومن جهة أخرى يهاجم شخصيّات مرشّحة للرئاسة وأخرى يتمّ تداول أسمائها. لذلك لا يثق بنواياه أيّ من المسيحيين. أضف أنّه خلال السنوات الستّ الماضية قطع خيوط التواصل معها كلّها. تصرّف في الحكم وكأنّه باقٍ فيه أبداً. ناصب العداء كلّ الأطراف المارونيّة وغير المارونيّة من سُنّة ودروز وشيعة (نبيه برّي).
الهجرة
مار مارون: ألا يرى الزعماء الموارنة خطر هجرة الشباب والعائلات؟
الراعي: يرون ولا يأبهون. شأنهم شأن باقي القيادات السياسيّة في البلاد. فهي ترى شعبها يموت جوعاً ويتشرّد في دول العالم وتستمرّ في خلافاتها وصراعاتها على جثث الشعب وأنقاض الوطن.
مار مارون: وما تأثير التراجع الديمغرافي على دور الموارنة وحضورهم في لبنان؟
الراعي: كبير جدّاً من دون أدنى شكّ. وهذا أكثر ما يُقلقنا. فالهجرة تشبه إلى حدّ بعيد الهجرة التي حدثت إثر مجاعة عام 1914.
البطريرك الياس الحويّك: نعم. في تلك الفترة عانى الموارنة وسكّان جبل لبنان بسبب المجاعة. مات منهم الكثير. وهاجر منهم الكثير. حاولنا مع الأبرشيّات والرهبانيّات التخفيف من آلامهم. رهنّا الأراضي وكنّا على استعداد لبيعها للحفاظ عليهم. ولكنّ الظروف كانت أقسى. ظلم السلطنة وفساد القيّمين على البلاد وجشع التجّار كانت أقوى. يبدو أنّ هذا ما يتكرّر اليوم.
البطاركة لا يتحمّلون مسؤولية الإجابات، عِلماً بأنّها ترتكز على آرائهم السياسيّة، التاريخيّة منها والحاضرة
“لبنان الكبير” واللامركزيّة
مار مارون: ألم يكن الأجدى ترك الموارنة يعيشون في جبل لبنان، خاصّة أنّهم اليوم يطالبون باللامركزية الموسّعة؟
الحويّك: جغرافيا المتصرّفيّة لم تكن صالحة لتكون وطناً له أمنه السياسيّ والاقتصادي، وبخاصّة الغذائي. لذلك سعيت إلى تأسيس “لبنان الكبير”.
الراعي: اللامركزيّة الإدارية مذكورة في وثيقة الوفاق الوطني التي وُقّعت في الطائف. وهي لا تعني أبداً تخلّي الموارنة عن لبنان الموحّد أو مطالبتهم بالفدرالية ولا بالتقسيم طبعاً. فالأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة في البلاد منذ عام 2015 أثبتت نجاح المعالجات اللامركزية وفشل المعالجات على مستوى الدولة المركزيّة. ونحن نناضل من أجل إنقاذ الوطن ووحدة الدولة المركزيّة، دولة “لبنان الكبير”.
مار مارون: ألم يكن “لبنان الكبير” كبيراً على الموارنة؟
الحويّك: سيّدنا، أردناه كبيراً على أمل أن يكونوا كباراً في الحفاظ عليه. فشل الدولة اليوم لا أعتقد أنّه مسؤولية الموارنة وحدهم. إنّه مسؤولية شركائهم في الوطن أيضاً. فبعض هؤلاء، كما بعض الموارنة، لم يكن كبيراً في وطنيّته لبناء الوطن والمواطنة. فاستقدموا التدخّلات الخارجيّة إلى الداخل بدل أن يبنوا الوحدة الوطنيّة.
صفير: حتى الأمس القريب كان بعض الشركاء في الوطن يحلمون بالوحدة العربيّة. وناصر بعضهم القضيّة الفلسطينيّة على حساب القضيّة الوطنيّة. الحرب المدمّرة أيقظت هؤلاء. فسعوا إلى إنهائها ورفعوا شعار الأولويّة للبنان. ولكنّ أطرافاً من شركاء الوطن ما يزالون يرهنون مصيره بدولة غريبة، وبالفعل نفسه يرهنون البلاد كلّها.
مار مارون: وماذا عن مستقبل لبنان ومستقبل الموارنة فيه؟
إقرأ أيضاً: لبنانيّ مارونيّ: أوّل سفير للفاتيكان في الإمارات
الراعي: المستقبل قاتم جدّاً. التهديد طال الكيان اللبنانيّ وليس فقط الدولة ومؤسّساتها. كان هناك أمل بانتفاضة 17 تشرين. مافيا السلطة وسلاح الميليشيا كانا أقوى. وتبيّن أنّ غالبيّة الشباب المنتفض ما يزالون أسرى الطائفية والتبعيّة.
مار مارون: وكيف الخلاص؟
الراعي: طالبنا بالحياد. لم نلقَ تأييداً كاملاً في الداخل. طالبنا بمؤتمر دوليّ. فلم نلقَ آذاناً صاغية في الخارج. سنستمرّ بالمطالبة والسعي. لن نيأس. فنحن تلاميذك في الإيمان بالرجاء، رجاء قيامة الوطن.
لمتابعة الكاتب على تويتر: Fadi_ahmar@