دلالات الاستقطاب الفرنسيّ والأوروبيّ

مدة القراءة 5 د

في خضمّ الضجّة التي أثارتها الذكرى الثانية لاغتيال لقمان سليم، تداخلت معها ضجّة أخرى حول الفيلم التوثيقي الفرنسي الذي يُقال أنّه “سيفضح” حزب الله، سواء بشأن تفجير المرفأ أو بشأن تهريب المخدّرات. وفي الوقت نفسه كان السفير الألماني قد ذهب لزيارة القاضي طارق البيطار في منزله. ومن جهة أخرى، زاد الفرنسيون والأميركيون إلحاحهم على الإدارة اللبنانية في مجالين: تحقيقات المرفأ، وإجراء الإصلاحات لتمكين صندوق النقد الدولي من مساعدة لبنان. زار المندوب الفرنسي مصر والأردن ولبنان بشأن استيراد الكهرباء والطاقة، وقال إنّه ذاهبٌ إلى واشنطن للغرض نفسه.

الفرنسيون والأميركيون، ومعهم من قبلُ البريطانيون والألمان، يصدرون بيانات دورية بشأن المشكلات اللبنانية، والآن المشكلات السورية أيضاً. ما معنى هذا؟ وما دلالات تكاثف الحركة في المدّة الأخيرة؟ منذ انفجار المرفأ أو تفجيره، زار الرئيس الفرنسي لبنان مرّتين. وصار مشهوراً أنّ الفرنسيين بالذات حريصون على التواصل مع الحزب وإيران، وأنّ لهم مصالح واهتمامات بإعادة إعمار المرفأ، وبتعيين حاكم لمصرف لبنان فرنسيّ الجنسيّة ومن أصل لبناني. ولم يخلُ هذا الجهد الفرنسي من اهتمامٍ بالرئاسة اللبنانية الجديدة. وكلُّ ذلك يقتضي استمرار التواصل مع سائر الأطراف السياسية اللبنانية، ومنها الحزب، وبخاصّةٍ أنّ للجانب الفرنسي علاقات خاصّة بالرئيس ميقاتي.

ازدادت التحرّكات الأوروبية والأميركية في لبنان ومن حوله. إنّما الفرق أنّها، على زيادتها، ذات طابع سلبيّ في الآونة الأخيرة

ضدّ الحزب وإيران

ازدادت التحرّكات الأوروبية والأميركية في لبنان ومن حوله. إنّما الفرق أنّها، على زيادتها، ذات طابع سلبيّ في الآونة الأخيرة. وسلبيّتها تنصبُّ ضدّ الحزب وإيران. وفي الوقت نفسه يظهرون أنّهم يريدون تمكين لبنان من الحصول على الدعم بعيداً عن المحور الإيراني. فإلى الفيلم عن المرفأ وتهريب المخدّرات، هناك نقاش في مجلس النواب الفرنسي بشأن إعلان الحرس الثوري تنظيماً إرهابياً. وفرضت وزارة الخزانة الأميركية أخيراً عقوبات على حسن مقلّد وولديه. وهم أصحاب شركات مالية تعمل للحزب ولها علاقات وثيقة بحاكم المصرف المركزي! وأخيراً وليس آخِراً أعلنت إسرائيل اقتراب صواريخ الحزب ومدفعيّته من الشاطئ اللبناني لردع السفن الإسرائيلية كما قيل، وسط تكاثف الهجمات الإسرائيلية على إيران والحزب في سورية وفي إيران.

إذاً ساءت العلاقات الفرنسية والأوروبية بإيران بعد التدخّل الإيراني لمساعدة روسيا في الحرب الأوكرانية بالمسيَّرات والصواريخ. ما كان الأوروبيون في علاقاتهم مع إيران يهتمّون إلّا بالنووي. وكان الأميركيون يضيفون إلى ذلك الصواريخ الباليستية. ومنذ أواسط عام 2022 صارت المسيَّرات والباليستيّات الإيرانية حاضرةً في أوروبا. وهكذا تعاظم الخطر الإيراني وما عاد قاصراً على الوجود في سورية ولبنان. وشعر الأوروبيون بالحاجة إلى مواجهة التحدّي الإيراني على كلّ المستويات، فازدادوا التحاقاً في هذا الصدد بالخطط الأميركية. وقد أصدر الأوروبيون أمس بياناً مشتركاً مع الأميركيين يتّهمون فيه إيران بمخالفة الإجراءات المتّصلة بالتخصيب بشدّة. وكذلك نجدهم، أي الفرنسيين، وبالتعاون مع الأميركيين، قد صادروا أخيراً شحنة سلاح متوجّهة إلى الحوثيين من إيران في بحر العرب. وهي المرّة الأولى التي يفعلون فيها ذلك. يقول كاتب فرنسي استراتيجي في صحيفة “لوموند” إنّ الميليشيات الإيرانية المنتشرة في كلّ مكان بالمشرق ولها خلايا نائمة ويقظة في أوروبا، وكذلك السلاح الإيراني الرخيص، صارت تشكّل خطراً بارزاً على الأمن الأوروبي، ولا بدّ من مواجهته في مواطنه المشرقية وامتداداته.

ماذا يستطيع الفرنسيون (والأوروبيون) أن يفعلوا ضدّ الحزب وإيران من لبنان؟ ليس كثيراً. لكنّهم استطاعوا تهييج القاضي البيطار حتى مضى باتجاه محاكمة النظام السياسي والأمنيّ كلّه، فاصطدم بزملائه ورؤسائه في القضاء ويوشك الجهاز القضائي أن يتفجّر.

البيطار والوثائقيّ الفرنسيّ

ماذا ذهب السفير الألماني يفعل في منزل البيطار؟ صحيح أنّ الألمان معنيّون قليلاً بقضيّة لقمان سليم لأنّ امرأته ألمانيّة، وربّما كان يحمل الجنسية الألمانية، لكنّ البيطار ليس هو المحقّق في اغتيال لقمان سليم. ولذلك الأرجح أنّه ذهب مثل السفيرتين الفرنسية والأميركية لتحريض البيطار على التمرّد على طريقة: أنا أعمى ما بشوف!

بعد تفجير البيطار جاءت قصّة الفيلم الوثائقي الذي لا ندري بعد هل تقصّد كشف تورّط الحزب في مسألة تفجير المرفأ بالذات، أم على تصنيع المخدّرات وتهريبها من خلال المرفأ؟! على أيّ حال، جسم الحزب لبّيس، وما عادت القضايا الجديدة/القديمة تزعجه، ما دام مستعدّاً مع الفرقة الرابعة السورية لمقاتلة الجيش الأردني على الحدود مع سورية من أجل تهريب المخدّرات عبرها باتجاه الخليج! وكما مضى الفرنسيون باتجاه إعلان الحرس الثوري تنظيماً إرهابياً، فالراجح أن يمضوا باتجاه الحزب أيضاً.

إقرأ أيضاً: المشروع اللبنانيّ الفاشل ومشروع الحزب الضائع!

ومن وجه آخر ما عاد الفرنسيون على صلة بالجميع. ولذا الحزب مضطرّ أيضاً دعماً لإيران إلى مقاومة نفوذهم بلبنان، سواء في ما يريدون أو في ما لا يريدون. يستطيع الفرنسيون دائماً التأثير على بعض النواب (التغييريّين)، ونصحهم بهذه الخطوة أو تلك، لكن دونما تأثير كبير. ولن يمشي الحزب بالإصلاحات وليس باسيل فقط، وستكون حجّتهم: الإمبريالية المالية! وقد يتوقّف الحزب عن التشهير بحاكم المصرف إذا تزايد ضغط الأوروبيين والأميركيين عليه، على الرغم من انزعاجهم ممّا حصل لمقلّد. ولا نعرف ماذا يكون الموقف من استيراد الكهرباء والطاقة من مصر والأردن عبر سورية حتى لو تجاوزت أميركا قانون قيصر الذي يعاقب سورية، لأنّ الأوروبيين (صفّوا) مع أميركا أخيراً في مواجهة النظام السوري.

هناك صراع دولي وآخر إقليمي وإيران داخلة في الصراعين. وفي حالةٍ كحالتنا ستكون بلادنا وسيكون شعبنا رهائن شأن سائر الضعفاء، سواء اقتربت صواريخ الحزب من البحر أو ابتعدت!

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: RidwanAlsayyid@

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…