إرهاب إيران و”القاعدة” مجدّداً

مدة القراءة 5 د

حين قال وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو إنّ إيران هي البيئة الحاضنة الجديدة لتنظيم القاعدة، اتّهمته كبريات الصحف الليبرالية الأميركية، وأصوات قيادية في الحزب الديمقراطي بأنّه لم يقدّم أدلّة كافية تسند استنتاجاته. يعود بومبيو في كتاب مذكّراته “لا تتراجع قيد أنملة.. الدفاع عن أميركا التي أحبّها” إلى هذا الصراع السياسي والعقائدي داخل النخبة الأميركية حول الصلة بين الإرهابَيْن “السنّيّ” و”الشيعي”، كاشفاً أنّ إدارة الرئيس جو بايدن ضمّنت أحد تقاريرها استنتاجاتٍ مطابقة لاستنتاجاته حول أنّ إيران هي قاعدة “القاعدة” الجديدة.

تبنّي إدارة بايدن (الديمقراطية) لاستنتاجات خصومها، التي سبق للديمقراطيين أن هاجموها بضراوة، يكشف حجم “التسييس” الذي يسمّم الحياة السياسية الأميركية حتى في قضايا الأمن القومي.

 

ادّعاءات إيران وتورّطها مع “القاعدة”

‏يتزامن تذكير بومبيو لنا بهذه العلاقة بين “القاعدة” وإيران، مع قرار البرلمان الأوروبي بدعوة الاتحاد إلى تصنيف الحرس الثوري على قوائم الإرهاب السوداء. ‏ففي هجومها المضادّ على هذه الخطوة الأوروبية استندت إيران إلى سرديّة تقول إنّ طهران شريك في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، ولا سيّما عبر جهودها في مواجهة “داعش” في العراق وسوريا، في محاولة لتسخيف قرار البرلمان الأوروبي والتشويش على دوائر الإعلام والأكاديميا والسياسة بطرح ملتوٍ يغطّي على الصلات الفعليّة بين إيران وتنظيمات الإرهاب “السنّيّة”.

وفقاً لتقرير لجنة التحقيق في جريمة 11 أيلول 2001، ثمّة مؤشّرات جدّية إلى التعاون بين “القاعدة” وحزب الله في التسعينيات، ولا سيّما في السودان

العلاقة بين “القاعدة” وإيران موضوع خلافيّ بين المتخصّصين في ملفّ الإرهاب. وتراوح الآراء بين فكرة أنّ هذه العلاقة ليست أكثر من “بوليصة تأمين” لكلا الجانبين، إلى الاعتقاد بأنّها شراكة عميقة واستراتيجية. بيد أنّ ما هو ليس موضع خلاف، هو الاتّفاق على وجود علاقة بين الاثنين.

 

وقائع تورّط إيران بالإرهاب

وفقاً لتقرير لجنة التحقيق في جريمة 11 أيلول 2001، ثمّة مؤشّرات جدّية إلى التعاون بين “القاعدة” وحزب الله في التسعينيات، ولا سيّما في السودان. وجاء في التقرير أنّ القيادي البارز في ميليشيا حزب الله، المقتول في سوريا، عماد مغنية، أشرف على تدريب عناصر “القاعدة” على أنشطة مختلفة راوحت بين إعداد المتفجّرات وتفجيرها وتزوير الوثائق الضرورية. ومن بين مَن درّبهم مغنية مشاركون في الاعتداءات على سفارتَيْ أميركا في تنزانيا ونيروبي وهجومات نيويورك وواشنطن.

وبات معلوماً وموثّقاً أنّه في السنوات التي أعقبت هجمات 11 أيلول لجأ العديد من كبار قادة “القاعدة”، وبينهم أفراد من أسرة بن لادن، إلى إيران، حيث وفّرت لهم الحكومة الإيرانية ملاذات آمنة، كان يشرف عليها جهاز يتبع مباشرة للجنرال قاسم سليماني الذي قتلته غارة أميركية في العراق عام 2020. في هذا السياق مثلاً، كشف اغتيال أبي محمد المصري في طهران، وهو الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، عن حجم التآمر بين إيران وقيادات التنظيم، حيث كان المصري يتمتّع بالحصانة خلف هويّة مزوّرة وحياة موازية كأستاذ جامعي، وكلّ ذلك بالتنسيق التامّ مع المخابرات الإيرانية.

كما توفّر وثائق “آبوت آباد”، أو ما يُعرف أيضاً باسم أوراق بن لادن، وهي من مجموعة من الرسائل والمذكّرات والوثائق الأخرى التي استولت عليها الفرقة الأميركية التي هاجمت مجمّع أسامة بن لادن في باكستان في عام 2011، نظرة ثاقبة للعلاقة بين “القاعدة” وإيران.

الإرهاب إذ يتجاوز خلافاته العقائديّة بطهران

ففي حين لا تُخفي الوثائق توتّرات العلاقة بين “القاعدة” وإيران، إلا أنّها تشير إلى نجاح الطرفين في إدارة تحالف براغماتي خطير، يتجاوز الاختلافات العقائدية بين الطرفين. وفي إحدى الرسائل، كتب بن لادن إلى أحد كبار أعضاء “القاعدة” لمناقشة إمكانية العمل مع إيران لاستهداف القوات الأميركية في العراق، عبر حزب الله اللبناني والعراقي وبقيّة الميليشيات الشيعية التابعة لنظام الملالي.

كما تشير إحدى الوثائق الموجودة في المجموعة، وهي رسالة من عطيّة عبد الرحمن، أحد كبار قادة “القاعدة”، إلى أسامة بن لادن يناقشه فيها بشأن علاقات التنظيم مع إيران، إلى أنّ إيران كانت تزوّد “القاعدة” بـ”المال والسلاح” و”التدريب في معسكرات حزب الله”.

حقيقة الأمر أنّ هذه العلاقة لم تنشأ في الفراغ. فهي وُلدت في عالم ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتردّي العلاقة بين بن لادن والسعودية وواشنطن، وانفتاح المنطقة على خيار السلام العربي ـ الإسرائيلي، والحضور الميداني العسكري للولايات المتحدة في الخليج بعد اجتياح صدّام للكويت. كما لعب الداعية الإسلامي والسياسي السوداني حسن الترابي دوراً استراتيجيّاً في التقريب بين الفصائل الإسلامية “الجهادية” المتعدّدة المذاهب منذ مطلع التسعينيات، تحت مظلّة “المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي” ليكون هذا الأخير بديلاً عن منظّمة “التعاون الإسلامي”.

إقرأ أيضاً: لماذا لا تتدخّل إيران في لبنان؟

نشأت هذه العلاقة واستمرّت ومرّت بمنحنيات مختلفة، ونجحت في التأقلم مع متغيّرات سياسية وجيوسياسية زلزالية في الشرق الأوسط والعالم ولا تزال. بيد أنّ المثير أكثر من ذلك هو استمرار إيران بالتمتّع بتلك القدرة العجيبة على انتحال صفة مكافحة الإرهاب، كلّما اقتربت منها تهمة المشاركة في الإرهاب، لا بل قيادته، في كلّ أنحاء العالم.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: NadimKoteich@

مواضيع ذات صلة

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…

سوريا: حصان الاقتصاد الجديد في الشّرق؟

“إنّه ذكيّ جدّاً (إردوغان). لقد أرادوها (أراد الأتراك سوريا) لآلاف السنين، وقد حازها، وهؤلاء الناس الذين دخلوا (دمشق) تتحكّم بهم تركيا، ولا بأس في ذلك”….

أسئلة في العقبة حول تفرّد الشّرع بالمرحلة الانتقاليّة

من بين الأسئلة الكثيرة التي تناولتها اجتماعات العقبة العربية الدولية السبت الماضي مدى استعداد أحمد الشرع (الجولاني سابقاً) لإشراك قادة المعارضة الآخرين في إدارة المرحلة…

سوريا: تركيا تتقدّم.. إيران تتراجع.. والعرب يتمهّلون

شكَّل سقوط النظام السوري تتويجاً للمتغيّرات بالمنطقة، وعنى تراجعاً للمحور الإيراني، وتعاظماً للنفوذ الإسرائيلي والتركي. والفرق أنّ تركيا تملك قوّة عسكرية وقوّة ناعمة، بينما لا…