لم يكن المشهد القضائي أكثر زخماً من المشهد السياسي الرئاسي. فقد مضى أسبوع حافل رئاسياً، وسيتبعه أسبوع يتمّمه من خلال زيارات ولقاءات لاستكمال ما بدأه. قد يكون أهمّ ما حصل في الأيام الماضية هو انطلاق مبادرة رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط الداعية إلى ضرورة نزول القوى السياسية عن الشجرة وإيجاد مساحة مشتركة تنتج رئيساً توافقياً للجمهورية.
بناء على هذا الأساس السياسي سيشهد الأسبوع المقبل “حركة رئاسية” من كليمنصو إلى الصرح البطريركي سيكون في تفاصيلها عناوين المرحلة المقبلة التي تتوزّع بين إمكان انتخاب رئيس بـ65 صوتاً واستبعاد الكتلتين المسيحيّتين الكبريَيْن عن انتخاب الرئيس وغير ذلك.
لم يكن المشهد القضائي أكثر زخماً من المشهد السياسي الرئاسي. فقد مضى أسبوع حافل رئاسياً، وسيتبعه أسبوع يتمّمه من خلال زيارات ولقاءات لاستكمال ما بدأه
اللقاء الديمقراطيّ في بكركي: لا لرئيس تحدٍّ
ممّا لا شكّ فيه أنّ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية يرغب بأن يكون رئيساً توافقياً وليس رئيس تحدٍّ لقسم من اللبنانيين، ولذلك قال من على منبر الصرح إنّه ليس مرشّح حزب الله. وهو في رغبته هذه صادق. ومن المعروف عن فرنجية صراحته وصدقه في تعبيره عن قناعاته وأفكاره ورغباته. من ذلك المنطلق طلب فرنجية موعداً من البطريرك ليعبّر له عن صدق رغبته بأن لا يكون رئيس تحدٍّ للقوى المسيحية. غير أنّ الواقع السياسي يخالف ما عبّر عنه من نيّة صادقة، فالمفاوضات الرئاسية الصريحة بين القوى تسمّي فرنجية مرشّحاً لحزب الله، وتسمّي ميشال معوّض مرشّحاً للقوات اللبنانية وحلفائها. وفي تعقيد كهذا يصبح الترجيح أن يسقط الطرحان على طريق البحث عن مرشّح ثالث، وهذا هو جوهر مبادرة جنبلاط التي مهّد لها بالقول في مقابلة تلفزيونية: “يجب إيجاد حلّ وسطي بين فرنجية ومعوّض”.
في معلومات خاصة بـ”أساس”، سيزور اللقاء الديمقراطي يتقدّمه النائب تيمور جنبلاط الصرح البطريركي الأسبوع المقبل حاملاً معه مبادرة الحزب الاشتراكي التي أُطلقت بعد لقاء جنبلاط مع وفد حزب الله وعرضه عليهم ثلاثة أسماء هي جهاد أزعور، صلاح حنين وقائد الجيش جوزف عون.
قالت مصادر الحزب التقدّمي الاشتراكي لـ”أساس” إنّ زيارة بكركي ستكون لشرح موقف الاشتراكي الداعي إلى إيجاد اسم وسطيّ بين الجميع، مع تمسّك اللقاء الديمقراطي بعدم الذهاب إلى التصويت لرئيس لا يأتي بتوافق بين اللبنانيين.
يأتي هذا الكلام ردّاً على كلّ ما يقال عن إمكانية فتح أبواب مجلس النواب لانتخاب فرنجية بالنصف زائداً واحداً بسبب تمسّك رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل بمعارضته لوصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة الأولى.
يتقاطع هذا الطرح مع ما سبق أن قاله النائب مروان حمادة من الصرح نفسه متحدّثاً عن رفض الحديث عن “انتزاع 65 صوتاً من أجل أيّ مرشح”.
في المعلومات أيضاً أنّ اللقاء الديمقراطي سيشرح إلى البطريرك عن خطورة طروحات التقسيم والفدرالية، وسيصدر عن اللقاء ما يميّز بين الطرح الفدرالي وطرح اللامركزية الإدارية الموسّعة.
…
الاعتدال الوطنيّ: الغطاء العربيّ أوّلاً
هذا الموقف للحزب الاشتراكي الذي رفض الذهاب إلى رئيس تحدٍّ بـ65 صوتاً لاقاه موقف لـ”تكتّل الاعتدال الوطني”، الذي يضمّ نوّاباً سُنّة من منطقة الشمال تربطهم علاقة ممتازة بفرنجية، اعتبر أنّه لا يمكن الذهاب إلى انتخابه من دون غطاء عربي خليجي.
يقول أمين سرّ تكتّل الاعتدال الوطني هادي حبيش ذلك بصراحة في حديثه لـ “أساس”، مُضيفاً أنّه “لن يكتمل نصاب الثلثين في المجلس إذا لم تتوافر ظروف التسوية العربية الخليجية، وهو ما ليس متوافراً حالياً لفرنجية، وبالتالي لا يمكن الذهاب إلى انتخابه بـ65 صوتاً. فكما نعرف فرنجية جيّداً، يرفض هو نفسه أن يُنتخب من دون أن يوفّر ذلك انفتاح لبنان على الخليج العربي”.
يقطع هذا الموقف لكتلتَيْ التقدّمي والاعتدال الطريق أمام كلّ “توجّه” إلى جمع 65 صوتاً لفرنجية، لا بل إنّ المعطى الأساس اليوم هو الإعداد لاختيار اسم يشترك في تسميته حزب الله والتيار الوطني الحر بمبادرة من وليد جنبلاط الذي نصح حزب الله: “لا تتركوا جبران باسيل يذهب بعيداً في خلافه معكم، لأنّ ذلك يعيد إحياء الثنائية المسيحية ويعزّز الانقسام المسيحي المسلم. وهذا ما لا قدرة على احتواء تداعياته على الأرض”.
في قراءة جنبلاط للمشهد السياسي أنّ عدم الاتفاق على سليمان فرنجية سيأتي بقائد الجيش جوزف عون رئيساً. فالمعطيات الدولية وإن كانت لم تسمِّ بعد أيّ شخصية للرئاسة فهي تتقاطع على اسم قائد الجيش. من هنا جاء طرح جنبلاط لجوزف عون في لقائه وفد حزب الله، ومن هنا جاء وصف مروان حمادة لعون من منبر الصرح البطريركي بأنّه “رجل يعمل بتفانٍ”.
حتى الآن ورقة فرنجية لم تسقط بعد بانتظار أن يعلن ذلك بنفسه منطلقاً من اقتناعه بأنّ فرصته الرئاسية ليست سانحة
باسيل وحزب الله: اتّفاق مرتقب؟
لذلك تقرأ الأوساط العاملة على خطّ حارة حريك-ميرنا الشالوحي أنّ اتفاق الطرفين على اسم مقبول من الجميع يقطع طريق الرئاسة أمام قائد الجيش جوزف عون. فقد أصبح معروفاً أنّ باسيل لا يناسبه وصول عون إلى الرئاسة، ومن يعرف كواليس حزب الله يعرف أنّ الحزب لا يطمئن إلى عون وإن كان بعض المسؤولين في الحزب سبق أن أعلنوا أن لا فيتو على اسمه.
هل تتقاطع مصلحتا حزب الله وباسيل على ضرورة الاتفاق على اسم غير فرنجية؟ ثمّة من بدأ الكلام في هذا الشأن. وفي المعلومات أنّ القوى السياسية المعنيّة تبحث فيما بينها عن اسم يطمئنّ له الحزب ويوفّر البعد الإقليمي العربي الدولي للرئاسة.
حتى الآن ورقة فرنجية لم تسقط بعد بانتظار أن يعلن ذلك بنفسه منطلقاً من اقتناعه بأنّ فرصته الرئاسية ليست سانحة.
هل حان الوقت للخطة باء؟
منذ حوالي أسبوعين، قال نائب القوات ملحم الرياشي إنّه مع نهاية كانون الثاني سيبدأ الحديث عن الخطة باء. اليوم وبعد مبادرة جنبلاط يبدو أنّ الكلام عن “الخطة باء” بدأ من دون الاعتراف بعد بسقوط اسمَيْ فرنجية ومعوّض. وبينما ترزح البلاد تحت وطأة الأزمة المعيشية المالية القضائية والسياسية، تبحث القوى المعنيّة عن اسم للرئاسة.
إقرأ أيضاً: جنبلاط للاتّفاق مع باسيل على مرشّح غير فرنجيّة
فعليّاً بدأ السباق بين اجتماع باريس الخماسي المرتقب من أجل لبنان وبين إمكانية توافق حزب الله مع التيار الوطني الحر على سليمان فرنجية أو أيّ اسم آخر للرئاسة. وما دام موقف باسيل من فرنجية ثابتاً يبقى على الفريقين التفاهم على اسم آخر. وبالتالي مَن يسبق الآخر: حزب الله والتيار في اختيار مرشّح مقبول من الجميع، ولا سيّما القوى الدولية والعربية الخليجية، أم وقائع اجتماع باريس الذي سيفتتح معركة الضغط لوصول قائد الجيش إلى بعبدا؟
الامتحان صعب أمام الحزب وباسيل، لكنّه ليس مستحيلاً. ولهذا المسار سياق في المقبل من الأيام.