مستوطنة إفريقيّة في طرابلس

مدة القراءة 4 د

ما لا تجده في مدن البحر الأبيض المتوسط تجده في طرابلس. والحديث هنا يتطرّق إلى مستوطنة إفريقية في قلب طرابلس، وتحديداً في منطقة الميناء، يُطلق أهل الشمال عليها اسم “حوش العبيد”.

فما قصّة هذه المستوطنة؟ ولماذا سُمّيت بهذا الاسم؟

غير بعيد عن كورنيش مدينة الميناء في طرابلس يقع ما يُعرف بـ”حيّ حوش العبيد” أو “حيّ الأرجوان”، كما بات يُعرف حاليّاً. بحثنا في هذا الحيّ عن أحفاد الأفارقة الذين وصلوا ضمن القوّات الفرنسية قبل 100 عام، وباتوا منذ عقود مواطنين لبنانيين.

في التقرير التالي شهادات بعضهم وروايات عن هذا الحيّ.

قصّة هذا الحيّ وتاريخه

الرواية الأولى:

يروي رئيس بلدية الميناء الأسبق عبد القادر علم الدين حكاية هذا الحيّ الذي يعرفه جيّداً ويعرف تاريخ هذه الأقليّة لأنّه بقي سنوات طويلة رئيساً للبلدية: “حوش العبيد يعود تاريخه إلى عام 1932 حين نشبت الحرب الفرنسية وجاء عساكر من جنسيّات مختلفة، ومن بينهم سنغاليون، وعند انتهاء الحرب لم يغادروا واستقرّوا في الحيّ وسيطروا عليه، ومع مرور الوقت حصلوا على الجنسية اللبنانية”.

من جهته، قال المؤرّخ الدكتور خالد زيادة، المتابع والعالم بتاريخ طرابلس، لـ”أساس” إنّ “حي حوش العبيد من المرجّح أنّ اسمه يعود إلى العبيد (مجمّع السود)، وتحديداً السنغاليين، الذين أتوا إلى لبنان خلال الحرب العالمية، وتجمّعوا في هذا الحيّ، وأحضروا معهم عائلاتهم واستقرّوا فيه”.

الرواية الثانية:

يعود تاريخ “حوش العبيد” إلى الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، حين وصلت إلى لبنان باخرة فرنسية اسمها بياتريس، آتية من إفريقيا وعلى متنها ثمانية أطفال من سيراليون وغانا وجنوب إفريقيا وكاميرون ونيجيريا والصومال والسودان، تراوحت أعمارهم بين 7 و8 سنوات، إضافة إلى امرأة سبعينيّة. أمّا سبب قدومهم فهو خدمة الجيش الفرنسي خلال الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا. وكان أهلهم قد تمنّعوا عن القتال مع الجيش الفرنسي بسبب ولائهم للسلطنة العثمانية، فأخذوا أولادهم بالقوّة، وأمّا الأهل فبعضهم سُجنوا وبعضهم الآخر هربوا، بحسب ما روى أهالي الحيّ لـ”أساس”.

الأطفال هم من عائلات بخيت، مرجان، الأسمر، خضر، موسى، وبلين. وُضعوا في هذا الحيّ القريب من مساكن الفرنسيين، الذي تقع خلفه مقبرة للجيش الفرنسي يزورها سنوياً السفير الفرنسي في ذكرى الشهيد ويضع إكليلاً. مع اندلاع الحرب الأهلية وبدء النزوح من الأرياف والمناطق العكّارية باتجاه المنطقة، بدأت “الإجر الغريبة” تدخل المنطقة لأنّ الأرض مشاعات، ومنذ ذلك اليوم بدأ التخالط والتزاوج، حتى إنّ اللون الأسود أصبح أقلّ اليوم”. على الرغم ممّا يحمل الاسم من معانٍ عنصرية، يفتخر أبناؤه به وبالانتماء إليه. كيف لا وهو حيّ أجدادهم النابض بتاريخهم وكفاحهم، وهم مصرّون على البقاء فيه، لكن من منطلق أنّ لكلّ زمن رونقه ولكلّ عصر مفاتيحه، قرّر أبناء الحيّ الانتفاض على واقعهم وتغيير اسم الحيّ. تكلّلت هذه المساعي بالنجاح عام 2014 حين تمّ الاتفاق على تسميته بـ”حيّ الأرجوان” لأنّ المنطقة مقابلة للبحر وعند غياب الشمس ينعكس لون أرجوانيّ جميل جدّاً.

 

شهادات للتاريخ

التقينا خلال رحلتنا في هذا الحيّ الحاجّة فاطمة عبد النبي موسى، البالغة من العمر 80 عاماً، في منزلها البسيط. لا تعرف بلدها الأصلي لأنّها وُلدت ونشأت في هذا الحيّ. قالت لـ”أساس”: “أجدادي من إفريقيا. في فترة الحرب جاؤوا في باخرة إلى حلبا. أنا كنت صغيرة. كلّ ما أعرفه أنّ هويّتي لبنانية. اليوم لم يبقَ من السود سوى عدد قليل. كنّا 7 عائلات فقط، منهم من هاجر ومنهم من فارق الحياة”.

أضافت: “نتيجة الحرب جاء عساكر من مختلف الجنسيّات، وخاصة السنغال. وعند انتهاء الحرب عام 1932 استقرّوا في الميناء، ثمّ حصلوا على الجنسية اللبنانية عام 1953”.

 

عاد بنا إبراهيم إلى زمن أجداده في الحيّ، فقال لـ”أساس”: “أصل تسمية الحوش يعود إلى أنّه كان عبارة عن ثكنة عسكرية للقوات الباكستانية والإفريقية خلال الحرب. وبعد انتهاء الحرب استوطنوا فيه وأصبح في المنطقة مزيج من السود لأنّهم “عبيد”، كما كانت التسمية في ذلك الزمن، والمهاجرين المكوّنين من عائلات الجيشين الباكستاني والإفريقي، إلى جانب لبنانيين وأتراك”.

أمّا الحاجّة صبحية بخيت، التي تبلغ من العمر 64 عاماً، والمولودة في الحوش، فلها رواية مختلفة: “أجدادي تعود أصولهم إلى السعودية، وكانوا من أصحاب البشرة السوداء، وجدّتي كانت “خوجاية” الحارة (المرأة التي تعتني بأولاد الغير في بيتها نهاراً لقاء أجر. وقد تطوّرت هذه المهنة مع إنشاء دور حضانة). كان الحيّ عبارة عن 11 منزلاً فقط، وأذكر جيّداً أنّ الجيران كانوا من أصحاب البشرة السوداء”.

[PHOTO]

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…