رحل حسين الحسيني ويستمرّ اتّفاق الطائف..

مدة القراءة 3 د

“أودّ أن أطمئن المحبّين، فأنا في صحّة جيدة. أمّا قلقي فهو على صحّة بلادنا وهي فريسة القريب والبعيد. لكنّني ما زلت أردّد في ختام كلّ قول أنّ ثقتي بلبنان لا تُحدّ. وكيف لا تكون كذلك الآن وقد بدأ شعب لبنان في الظهور”. بهذه الكلمات في 24 أيار 2020 ردّ الرئيس حسين الحسيني على شائعات طاولت صحّته.

بعد ثلاث سنوات خذلت الرئيس حسين الحسيني صحّته، فأسلم الروح صباح أمس الأربعاء منهياً قصة 86 عاماً من السياسة والنضال، ومن العمل البلدي فالحركيّ الحزبيّ ثمّ النيابي، وفوق كلّ هذا العمل الوطني. توّج كلّ تلك المحطّات بلقب “العرّاب”. كان شمسطاريّاً حتى العظم، عندما يتعلّق الأمر بالثبات على موقفٍ، أو رأي، أو قرار. وكان لبنانياً لدرجة العشق والوله، مسالماً من أجل الوفاق والعيش المشترك، إلا أنّه كان مقاتلاً من أجل الدستور وسيادة القانون.

عاش عرّاباً طوال حياته، فاختير رئيساً لبلديّة شمسطار عام 1957 بصفته عرّاب التوافق والمصالحة بين عائلات البلدة، ثمّ كان عرّاباً للطاقة الكهربائية في مدينة بعلبك وضواحيها حينما عُيّن مديراً لشركة إدارة وتوزيع الطاقة الكهربائية في المدينة، حيث يشهد له الجميع بحسن الإدارة وعدالة توزيع التيار الكهربائي من دون أيّ تفريق أو مداراة على القرى والبلدات التي كانت تعاني الظلمة والحرمان، ثمّ كان عرّاباً لحركة المحرومين “أمل” في عام 1978 في أصعب مراحلها إثر غياب مؤسّسها الإمام موسى الصدر، فمهّد الطريق لولادة نجم سياسي اسمه نبيه برّي، وختم صفة العرّاب بأعلى درجاتها فكان عرّاباً لاتّفاق الطائف وولادة الجمهورية الثانية.

يغيب اليوم عرّاب الطائف ويبقى قلقه على صحّة بلادنا، التي رآها فريسة القريب والبعيد. إلا أنّ تراثه الدستوري بالممارسة والأخلاق والموقف باقٍ وسيتمدّد، وهو القائل “ثقتي بلبنان لا تُحدّ”

برحيل الرئيس حسين الحسيني يفقد لبنان معلَماً من معالمه. الرجل أشبه بعمود من أعمدة مدينة بعلبك التي أحبّها ولطالما أعلن لوائحه الانتخابية في ساحة هياكلها.

يرحل تاركاً خلفه محاضر الطائف، وبخلاف ما يعتقد الكثيرون لم يكن الرجل في يوم من الأيام حاجباً ومعتقلاً لهذه المحاضر، بل كان همّه أن يحجب ويعتقل الفتنة حماية للبنان وشعبه.

يغيب اليوم عرّاب الطائف ويبقى قلقه على صحّة بلادنا، التي رآها فريسة القريب والبعيد. إلا أنّ تراثه الدستوري بالممارسة والأخلاق والموقف باقٍ وسيتمدّد، وهو القائل “ثقتي بلبنان لا تُحدّ”.

يرحل حسين الحسيني ويستمرّ اتفاق الطائف خشبة خلاص لمن ينشد الخلاص لوطن أنهكته المغامرات ومحاولات إلغاء الرجال الكبار.

 

* ناشر وأسرة “أساس” يتقدّمون من عائلة الراحل الكبير بأحرّ التعازي سائلين المولى أن يحفظ لبنان الذي وثق به الرئيس الحسيني ثقة لا تُحدّ.

مواضيع ذات صلة

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…

الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

هنا محاولة لرسم بورتريه للأمين العامّ للحزب، بقلم كاتب عراقي، التقاه أكثر من مرّة، ويحاول في هذا النصّ أن يرسم عنه صورةً تبرز بعضاً من…