ثمّة كلمة مفتاحيّة في كلام النائب جبران باسيل الأخير على قناة “إل بي سي” تختصر العنوان الداخلي الأساس في المرحلة المقبلة الذي لن يكون منفصلاً عن تسوية الخارج: تأكيد باسيل “تأكيد” الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله له أنّ انتخاب رئيس الجمهورية المقبل لن يكون خارج إرادة “التكتّل الباسيليّ”.
هذا يعني أنّ باسيل الذي لطالما منّن حزب الله بعدم إعلان ترشيحه لرئاسة الجمهورية، من منطلق مشروعية تمثيله المسيحي، كي “لا يَضغط عليه ولا يحشره”، مارس ضغطاً أكبر على نصرالله من خلال إلزامه علناً بـ”وعد” قَطَعَه له، وفق باسيل، بعدم السير بخيار رئاسي لا يوافق عليه رئيس التيار الوطني الحر.
في المقابل، يدعو باسيل صراحة حليفه الشيعي بعد حذف معادلة “إمّا فرنجية وإمّا عون” المرفوضة إلى التفتيش عن “مرشّح جدّي يشكّل ضمانة أوّلاً لحزب الله”، كما يقول رئيس التيار.
إنّ الترجمة الحرفيّة لهذا الوعد الذي لم يَرِد طوال الأشهر الماضية في الكواليس الضيّقة وخطابات قيادات حزب الله، التي يتّفق أنّ “رسائلها” تنطبق لناحية المواصفات على فرنجية، تعني وضع حزب الله فيتو مماثلاً للفيتو الباسيليّ على كلّ من: رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون.
يجزم بعض المتابعين للملفّ الرئاسي أنّ عون وفرنجية بميزان دعمهما من قبل محورين خارجيَّين مُضادّين هما أقرب إلى “سَلبيّتين” تلغي إحداهما الأخرى
هذا ليس واقع الحال أقلّه بالنسبة إلى فرنجية الذي لا يزال حتى الآن ورقة قابلة للاستثمار في حارة حريك في ظلّ عدم وجود مرشّح آخر يُطمِئن حزب الله. وفيما تعاطت الضاحية مع كلام باسيل الأخير، وكأنّه شبه اعتذار عمّا وصفته قيادات حزب الله بالإساءة الشخصية للسيد نصرالله، فإنّ الكلام العلنيّ كما نقاشات الكواليس لم يعكس تخلّياً للحزب عن ترشيح فرنجية أو تشدّداً برفض ترشيح قائد الجيش بما هو خيار ممكن أن يُفرَض من الخارج، لكنّ ما قاله باسيل أدّى غرضه في التخفيف من حدّة الاحتقان بين الطرفين.
لذلك يتعاطى باسيل، وفق أوساطه، بكثير من الحذر مع الحزب على خلفية تسليمه بأنّ حليفه الشيعي تجاوز أصلاً كلّ الخطوط الحمر حين “طيّر” لبّ تفاهم مار مخايل وأطاح بمكتسبات علاقته مع ميشال عون، وانقلب على توازنات الداخل وعلى المكوّن المسيحي حين ارتضى توفير الغطاء لجلسة وزارية مخالفة للدستور والأعراف يصفها رئيس التيار بـ “الطعنة في ظهرنا”.
اختبار “وعد” السيّد
يبقى “وَعد السيّد” محلّ اختبار بالنسبة إلى باسيل الذي يخشى من عزلٍ بعد مغادرة ميشال عون قصر بعبدا لن يُخفّف من وطأته سيناريو محتمل يقضي بوقوف حزب الله إلى جانب باسيل في التصويت ضدّ خيار ترشيح قائد الجيش أو أيّ مرشّح من خارج “مواصفات جبران” بعدما وَضَع الأخير معادلة لم تطبَّق يوماً في تاريخ الانتخابات الرئاسية بعد الطائف: البرنامج أوّلاً ثمّ نفتّش عن المرشّح.
وهي معادلة “يُكزدر” بها باسيل بين فرنسا وقطر التي يقصدها هذا الأسبوع بمهمّة سياسية وأخرى رياضية مرتبطة برغبته في حضور نهائيات المونديال في الدوحة.
جعجع ينقلب على جوزف عون
يجزم بعض المتابعين للملفّ الرئاسي أنّ “عون وفرنجية بميزان دعمهما من قبل محورين خارجيَّين مُضادّين هما أقرب إلى “سَلبيّتين” تلغي إحداهما الأخرى إذا جرى الحديث عن تسوية حقيقية لا غالب فيها ولا مغلوب تنتج مرشّحاً وسطيّاً، لكن في واقع الأمر حتى الآن لا ملامح لها في الإليزيه ولا واشنطن ولا الرياض ولا الدوحة”.
على الهامش ثمّة ما يسترعي الاهتمام في كلام باسيل الأخير الذي بدا بمنزلة تراجع حاول من خلاله إبعاد علاقته مع السيّد عن أيّ توتّر حين قال إنّ “الالتزام الذي قدّمه حزب الله بعدم انعقاد مجلس الوزراء إلا بموافقة كلّ مكوّناته لم يحصل مع السيّد شخصياً”.
وهنا تُطرح تساؤلات: هل في حزب الله من هو قادر على تقديم ضمانة بهذا الحجم من خلف ظهر السيّد؟ وإذا كان الجواب سلبياً فهذا يعني أنّ نصرالله “كان يعلم” وتمّت مشاركة حزب الله بإيعاز مباشر منه، وهو الأمر الأكثر منطقية، وهذا يعني أنّ باسيل تقصّد تحييد السيّد حتى لو كان “عرّاب” جلسة السراي.
بلوك مسيحيّ للحوار
جاء “البلوك” المسيحي للحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه برّي ليعقّد أكثر فأكثر المشهد الرئاسي في ظلّ ربط باسيل المشاركة فيه بـ”تصحيح خطيئة” اجتماع الحكومة الأخير عبر توقيع المراسيم من الـ 24 وزيراً.
يُسجّل في هذا السياق تراجع باسيل خطوة إلى الوراء من خلال القبول بتوقيع جميع الوزراء على المراسيم السابقة وربّما اللاحقة، وذلك بعدما كان يرفض بالمطلق انعقاد مجلس الوزراء في ظلّ حكومة بحكم المستقيلة وفي غياب رئيس الجمهورية.
في المقابل، ظهر تشدّد رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع في رفض حوارٍ هو “بمنزلة تعطيلٍ لموجب انتخاب رئيس الجمهورية، وتمديدٍ غير معروف الأفق السياسي ولا السقف الزمني لواقع الشغور الرئاسي”، بعدما كان طرح اقتراحاً بإجراء جلسات حوارية بين الجلسات الرئاسية.
إقرأ أيضاً: هل يفجّر قائد الجيش آخر الجسور بين باسيل والحزب؟
إلى ذلك رَفَع جعجع السقف باعتبار “توقيت” الحوار “يشكّل سابقة دستورية خطيرة تضعها برسم الرأي العام اللبناني لأنّها تتحمّل مسؤولية تمثيله بما تشكّله من كتلة نيابية هي الكبرى في البرلمان“.
أمّا الحدث الأبرز في معراب فتجلّى في تقصُّد جعجع الإعلان رسمياً من خلال صحيفة “عكاظ” السعودية عدم وجود فيتو قوّاتي على جوزف عون في حال توافر ثلثَيْ عدد النوّاب لتعديل الدستور.