متحف نابو: أول صور نادرة لبيروت تؤرخ عمرانها

مدة القراءة 4 د

افتتح متحف نابو يوم السبت الماضي معرضاً مصوراً لبيروت في الفترة ما بين 1840 و1918. اختير تاريخ 1840 كونه تاريخاً مفصلياً في توثيق مدينة بيروت في آلات التصوير. من المعروف أنّ اكتشاف فن التصوير الشمسي أعلن عنه للمرة الأولى في باريس في صيف 1839. وبعد بضعة أشهر فقط التقطت أول صورة فوتوغرافية في بيروت في شتاء 1840.

أما سنة 1918 فهو التاريخ الذي رحل فيه الأتراك عن بيروت ودخلها في تشرين الأول من السنة عينها الجيشان البريطاني والفرنسي. على هذا الأساس تم توثيق ما يقارب نصف عقد ونيف من الحقبة العثمانية بالصورة الفوتوغرافية.

مصادر الصور وكتابها

مصادر الصور المعروضة في متحف نابو ثلاث:

– الأول متاحف ومكتبات عالمية تملك نسخة واحدة فقط من الصور التي التقطت في بيروت. لذلك تم الاتفاق بين متحف نابو وتلك المؤسسات على نشر تلك الصور مقابل بدل مالي.

– الثاني هو مجموعة قليلة نسبياً من الصور من مقتنيات أشخاص وافقوا على نشرها في هذه المناسبة.

– الثالث مجموعة ضخمة لا تشمل صور بيروت ولبنان فقط، بل تحوي أيضاً صوراً وبطاقات بريدية من فلسطين وسورية والعراق. والمجموعة هذه تشكل ما يقارب 85% من الصور المعروضة. وهي من مقتنيات متحف نابو ومن مجموعة بدر الحاج التي وضعها بتصرف المتحف.

تمّ تقسيم المعرض وفق الجدول الذي نشر في كتاب “بيروت 1840-1918″، الصادر في هذه المناسبة. ويضم أقساماً شملت شروحاً من بدر الحاج عن تاريخ التصوير الشمسي في بيروت. ويتألف الكتاب من ستة فصول تشرح ملابسات بدايات التصوير في بيروت الخمسينات من القرن التاسع عشر. ثم  توثيق العصر الذهبي للتصوير في بيروت ستينات القرن الماضي، وبداية التصوير من قبل مصورين لبنانيين، إضافة إلى شرح مفصل لعمل أبرز المصورين الذين افتتحوا استديوهات تصوير من جنسيات أجنبية، ثم المصورين المحليين. أما الفصل الأخير فيشرح أعمال المصورين الهواة والمحترفين في الفترة ما بين 1880 و1918.

تأريخ عمراني لبيروت

إضافة إلى الشرح حول تاريخ التصوير في بيروت يتضمن الكتاب أيضاً 11 فصلاً تتناول تاريخاً مقتضباً للمدينة: البلدة القديمة، السور، المرفأ، الكرنتينا، توسيع المدينة القديمة، الخانات والفنادق والمطاعم، غابة الصنوبر، نهب آثار المدينة، التطور العمراني، إضافة إلى لمحة عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي سبقت الحرب العالمية الأولى وما رافقها من مجازر ومجاعة وحصار.

ما يميز هذا المعرض تلك الصور التي لم تكن معروفة سابقاً وخاصة البانورامية التي التقطها الضابط البحري الفرنسي لويس فين في بيروت ما بين 1860 و1864. كان متحف نابو قد اقتنى السنة الماضية البومان مصوران من ورثة المصور فين. وهما يتضمنان مجموعة ضخمة من الصور التي التقطها فين في لبنان وسورية وفلسطين.

إضافة الى صور فين، حصل متحف نابو على حقوق نشر صور المصور الفرنسي هنري سوفير الذي أقام في بيروت ودمشق والتقط صوراً مماثلة لصور لويس فين في بيروت سنة 1860.

آل الخازن والمجاعة والكرنتينا

وتميزت صور فين، إضافة إلى المناظر الطوبوغرافية، باحتوائها صور وجوه من أسرة آل الخازن من نساء ورجال بلباسهم التقليدي التقطت في بيروت في تشرين الأول 1860.

ويتميز الكتاب والمعرض بمشاهدتنا للمرة الأولى معالم المدينة القديمة حول المرفأ، والتي أزالها الأتراك بمعظمها في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وقبيل الحرب العالمية الأولى ومغادرتهم بيروت.

التقط تلك الصور عالم الآثار والمستشرق الألماني فاكس فون أوبنهايم، الذي وثق بالصورة مستشفى الكرنتينا وملحقاته. ويعتقد بأنّ صور الكرنتينا هي الصور الوحيدة المعروفة عن ذلك المكان.

هناك مجموعة متنوعة من الصور التي تسجل مشاهد الساحل البيروتي المتميز بفنادقه ومقاهيه وعماراته التقليدية. إضافة إلى صور المدارس ودور الايتام وأبرز شخصيات تلك المرحلة وصور المجاعة في الحرب العالمية الأولى.

معرض متحف نابو يزاوج ما بين الصورة والنص. لقد تم نقل صورة واقعية عما كانت عليه بيروت في تلك الحقبة. سجلها كتاب ورحالة ومستشرقون زاروا المدنية ونقلوا للقارىء انطباعاتهم عن عمارتها، أحداثها، تاريخها، أزياء وعادات أهلها إضافة إلى شرح مفصل حول أهميتها كابرز مدينة من حيث النشاط الثقافي والتجاري في شرق المتوسط.

إقرأ أيضاً: معرض “ألو بيروت”: ركام أزمنة التباهي والتشاوف والإفلاس

وبمناسبة هذا المعرض نشر متحف نابو الترجمة الفرنسية لكتاب جبران خليل جبران “الاجنحة المتكسرة” إضافة إلى ترجمة قصة “مضجع العروس” أنجزهما المستشرق الفرنسي شارل بلاّ الذي سبق له أن عرّف الغرب على أدب الجاحظ. وشارك في كتابة “الموسوعة الإسلامية” التي تصدر عن دار بريل في هولندا. وقام الفنان العراقي محمود العبيدي الذي صمم متحف نابو برسم رائعة جبران.

مواضيع ذات صلة

سجون داعش… متحف افتراضيّ لحكايا الجرائم

قبل كلّ هذه الموجة العسكرية الجديدة في سوريا، وعودة “جبهة النصرة” المولودة من رحم تنظيم “داعش”، باسمها الجديد: “هيئة تحرير الشام”، وقبل التطوّرات الأخيرة التي…

مهرجان BAFF يضيء على “روح” لبنان… في لحظة موت

يقدّم مهرجان BAFF هذا العام، الذي انطلق اليوم الإثنين، عدداً من الأفلام التي تحيّي “طرابلس عاصمة الثقافة العربية” و”أسرار مملكة بيبلوس” و”المكتبة الشرقية إن حكت”…

بيروت تتنفّس الصّعداء: سينما… وبوح النّازحين

بدأت الحياة الثقافية تتنفّس الصعداء في لبنان وإن بخجل، بعد شلل قسري تامّ منذ أواخر أيلول الماضي وتوسّع الحرب الإسرائيلية على لبنان وتخطّيها الحدود إلى…

فيلم “أرزة”: بارقة أمل لبنانيّة… من مصر إلى الأوسكار

أينما يحلّ فيلم “أرزة” اللبناني (إخراج ميرا شعيب وتأليف فيصل سام شعيب ولؤي خريش وإنتاج علي العربي) يمنح المشاهد، وخصوصاً اللبنانيين، الكثير من الأمل. فعدا…