الحزب وجرحه… “الماروني”

مدة القراءة 7 د

وسط زحمة الأسماء المطروحة للرئاسة لا بدّ من العودة قليلاً إلى أبرز العناوين السابقة التي من خلالها حدّد حزب الله أولويّاته، وتحديداً في الرئاسة، انطلاقاً من أهمية المحافظة على موقع مارونيّ “أبيض” يأتمنه في الأيام “السوداء”.

انطلاقاً من هنا، تشير معلومات صادرة عن مقرّبين من حزب الله إلى أنّ الحزب يتمسّك بخيار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، وإن لم يعلن ذلك بعد. فعدم الإعلان حالياً هو نتيجة “فيتو” جبران باسيل على فرنجية، واستطراداً عدم نضوج عملية الانتخاب بعد. إضافة إلى ذلك، الإعلان اليوم من دون التأكّد من الحصول على 65 صوتاً لفرنجية هو حرق له، ولا سيّما أنّ الأخير لا يقدّم نفسه مرشّح تحدٍّ لأحد.

عليه، يتمهّل الحزب في إعلان مرشّحه حتّى الساعة. هذا لا يعني أنّه لا يعمل لوصوله. وفي حسابات الحزب مرّت محطّات مفصليّة عدّة وجد حزب الله نفسه فيها وحيداً، حتى في عهد حليفه ميشال عون، ذكّرته، بألم، بالأهمية القصوى التي تحملها المواقع المارونية الأولى في البلاد:

تشير معلومات صادرة عن مقرّبين من حزب الله إلى أنّ الحزب يتمسّك بخيار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، وإن لم يعلن ذلك بعد

– 17 تشرين ودور الجيش

عند اندلاع انتفاضة 17 تشرين أصاب الارتباك الطبقة السياسية، وكانت يومذاك قاب قوسين أو أدنى من التصدّع العميق. حينئذٍ قرّر حزب الله حماية المنظومة الطائفية انطلاقاً من تقاطع مصالحه الطائفية والسياسية على حدّ سواء معها. غير أنّ ما بعد 17 تشرين في البلاد لم يكن كما قبله. فالانتفاضة أصابت عهد الرئيس ميشال عون، حليف حزب الله، بتصدّع كبير لم يستطع أن يتخطَّاه لاحقاً. وهو العهد الذي كان الحزب يعوّل عليه أن يكون نموذجاً جيّداً يُحتذى به أمام جمهوره أوّلاً، واللبنانيين ثانياً. وبدل أن يحقّق الحزب مراده من معركة رئاسية خاضها لعامين كاملين حاملاً وزر الفراغ في السلطة وتعطيل مجلس النواب، انقلب السحر على الساحر مصيباً فريق الحزب بخسائر كبرى. وفي التقويم، يرى الحزب أنّ الجيش اللبناني لعب دوراً أساسياً في المحافظة على الانتفاضة، لا بل في تشجيع صمودها ومساعدتها في ذلك بناء على توصيات أميركية بحماية المتظاهرين الذين تحوّلوا في بعض المحطات إلى محاربين لحزب القوات اللبنانية وغيره من الأحزاب التي وجدت أدواراً لنفسها في الشارع تحت عنوان انتفاضة 17 تشرين.

يومذاك كان خطاب الجيش أنّه يحمي المتظاهرين، وأنّ السلامة العامّة هي مسؤوليّته، وليست مسؤوليّته الأزمة السياسية التي دفعت باللبنانيين إلى الشارع. لم يُقنع خطاب الجيش حزب الله الذي وجد نفسه يواجه قيادة الجيش المارونية. وهذا ما لم يكن في مصلحته أبداً.

 

2- انفجار المرفأ وتحوُّله إلى قضيّة مسيحيّة

في الرابع من آب انفجر المرفأ وانفجر بعده اصطفاف مسيحي – إسلامي تحوّل إلى انقسام ماروني – شيعي بعدما نأى السُنّة بأنفسهم عن هذا الاصطفاف. تزامن تعيين قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار مع مرحلة الإعداد للانتخابات النيابية. اصطفّ القادة الموارنة خلف البيطار بعدما تحوّلت قضية المرفأ إلى قضية مسيحية على اعتبار أنّ الانفجار أكثر ما أصاب في بيروت “الشرقية”، وعمق الأشرفية وضواحيها، مع ما يعنيه ذلك في الوجدان المسيحي.

حمل صاحب الموقع الماروني الأول في البلاد ميشال عون، حليف الحزب، راية البيطار ودافع عن تحقيقات المرفأ، فيما كان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله يتّهمه في خطاباته بتسييس التحقيق. كانت إحدى المحطّات التي تصادم عون وتيّاره مع حزب الله. ليس هذا تفصيلاً بالنسبة إلى الحزب الذي بنى استراتيجيته الداخلية بناء على حلفه مع الزعامة المارونية الأولى في البلاد. وفي النتيجة وجد الحزب نفسه في مواجهة مع رئاسة الجمهورية المارونية، الحليفة المفترضة، ومع “الوجدان المسيحي”، وهذا ما لم يكن في مصلحته على الإطلاق.

 

3- حادثة الطيّونة: الجيش والقوّات

كان مشهد الطيّونة-عين الرمّانة اختباراً قاسياً على حزب الله. ربطاً بموقفه من تحقيق المرفأ، وجد نفسه غير قادر على السير من الطيّونة أمتاراً عدّة باتجاه العدلية بعد مواجهة دامية بين متظاهرين حاولوا دخول مفارق عين الرمّانة والجيش اللبناني. يومئذٍ انتشرت صور كثيرة لـ”متظاهرين مسلّحين” محسوبين على بيئة الحزب يطلقون النار، وأحياناً القذائف الصغيرة. لكن لم تنتشر صورة واحدة للجيش اللبناني ولا لحزب “القوات اللبنانية” الذي اتّهمه حزب الله بأنّه يقف خلف القنص والمواجهات التي سقط فيها عدد من الضحايا من بيئة الحزب. هذا أيضاً لم يكن تفصيلاً في حسابات حزب الله الداخلية.

على الرغم من سقوط ضحايا من بيئة الحزب غير أنّ الرأي العامّ في البلاد انقسم بين مؤيّد للمسيحيّين وآخر مساند للشيعة، مع نأي السُنّة بأنفسهم عن هذا الاشتباك. وكانت محاولات التيار الوطني الحر لاحتواء المشهد خجولة جداً بسبب حجم الانفعال والتفاف المسيحيين حول القوات اللبنانية والجيش اللبناني. يومذاك أيضاً وجد الحزب نفسه معزولاً ويواجه قيادة الجيش المارونية والأحزاب المسيحية والبطريركية المارونية على حدّ سواء.

 

4- مجلس القضاء الأعلى

ليست المواجهات السابقة منفصلة عن مواجهة عايشها الحزب مع مجلس القضاء الأعلى، الذي يُعتبر أيضاً من المواقع المارونية الأولى في البلاد، وذلك أوّلاً حين دعم مجلس القضاء الأعلى، وتحديداً رئيسه الماروني القاضي سهيل عبود، قاضي التحقيق طارق البيطار ورفض “قبعه” بأيّ طريقة، وثانياً عندما لم ينسحب ولم يتراجع عبود في مواجهته مع الحزب في عزّ خوض هذا الأخير المعركة ضدّ البيطار، وصولاً إلى رفضه حتّى يومنا هذا تعيين قاضٍ بديل للنظر في قضية الموقوفين.

هكذا وجد الحزب نفسه مجدّداً في مواجهة أحد المراكز المارونية الأولى في البلاد غير قادر على التأثير عليه أو التفاهم معه على حلّ قضية جوهرية بالنسبة إليه سبق أن وصفها بأنّها تستهدفه مباشرة يوم قال إنّ البيطار يهدف إلى النيل منه في قراره الظنّي.

ليست المواجهات السابقة منفصلة عن مواجهة عايشها الحزب مع مجلس القضاء الأعلى، الذي يُعتبر أيضاً من المواقع المارونية الأولى في البلاد

الحزب يريد رئيساً حليفاً

بناء على ما تقدّم، يقوم حزب الله بمراجعة حساباته الداخلية استناداً إلى سلسلة هذه الأحداث التي طوّقته داخلياً. لقد استدرك أنّه مهما كبر حجمه في الخارج وحجم قوّته الأمنية والعسكرية، فإنّه مطوَّق في الداخل من مؤسّسات دستورية، وأحياناً من رئاسة الجمهورية التي تُعتبر حليفة. وعليه تشير المعلومات إلى أنّ الحزب سيخوض معركة فرنجية في مرحلة الفراغ الرئاسي المقبل وإن طال الفراغ. أمّا الحديث عن رفض رئيس التحدّي فهو مقدّمة للقول إنّ فرنجية لديه علاقات مع قوى أساسية في الداخل وأساسية في الخارج.

غير أنّ الحزب براغماتي يدرك أنّه لا يستطيع حالياً فرض الرئيس الذي يريده، وأنّ وضع جبران باسيل فيتو على فرنجية كافٍ لإسقاط ترشيح الأخير. منطلقاً من الدروس التي تعلّم منها جيّداً في المحطات السابقة، لن يعطي الحزب موافقته على أيّ رئيس مقبل غير فرنجية، إلا إذا حصل على ضمانات جدّية.

 

ما هي هذه الضمانات؟

هذا هو السؤال الذي لا تزال الإجابات عليه ضبابيّة لأنّ الأزمة عميقة تطال جوهر الطائف بالنسبة إلى الحزب كما سبق للمقرّبين منه أن بدأوا بالمجاهرة. هذا على الرغم من تأكيد مسؤوليه أن يتمسّك باتفاق الطائف.

إقرأ أيضاً: الحزب عالق بين فرنجيّة وباسيل

في عمق الأزمة معادلة جديدة تقول: “فائض القوة مقابل فائض المناصب”، وهو ما سبّب اشتباكاً عميقاً بين الطائفة الشيعية والطائفة المسيحية في البلاد. وسبّب اشتباكاً بين السنّة والشيعة في الأسابيع الأخيرة عنوانه “حماية الطائف”.

هذه معادلات نعود إليها لاحقاً.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تتوغّل جنوباً: هذه هي حرّيّة الحركة!

بعد انقضاء نصف مهلة الستّين يوماً، الواردة في اتّفاق وقف إطلاق النار، ها هي القوّات الإسرائيلية تدخل وادي الحجير. ذلك الوادي الذي كان في عام…

الموقوفون الإسلاميّون… ملفّ أسود حان وقت إقفاله

عاد ملفّ الموقوفين الإسلاميين إلى الواجهة من جديد، على وقع التحرّكات الشعبية المطالبة بإقرار (العفو العام) عفو عامّ لحلّ هذا الملفّ، الذي طالت مأساته على…

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…