يذهب ميشال عون… ويستمرّ “عهد الحزب”

مدة القراءة 5 د

انتهى “العهد القويّ” فيما يستمرّ “عهد حزب الله”. كان عهد الثنائي ميشال عون – جبران باسيل، بكلّ ما جلبه من مصائب على لبنان، وعلى المسيحيّين تحديداً، خطوة على طريق تكريس هيمنة “الجمهوريّة الإسلاميّة” على البلد عبر حزب مسلّح ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

الدور الإيراني للمسيحيين

لم يكن مطلوباً في أيّ وقت، لا مسيحيّاً ولا سنّيّاً ولا درزيّاً ولا حتّى شيعيّاً، الدخول في مواجهة مع “حزب الله”، بمقدار ما كان مطلوباً رفض توفير غطاء لسلاح مذهبي وميليشياويّ. كان مطلوباً في كلّ وقت قول كلمة “لا لسلاح غير شرعي” لدى حزب لم يكن لديه من همّ سوى تنفيذ أجندة إيرانيّة لا علاقة لها لا بلبنان ومصلحته ولا باللبنانيّين ولا بمستقبل أبنائهم.

يذهب “العهد القويّ” ويبقى “حزب الله” ويبقى الاحتلال الإيراني الذي ليس سوى وصفة لمزيد من البؤس والفقر والتخلّف. يذهب “العهد القويّ”، فيما لا يزال ميشال عون وجبران باسيل يبحثان عن دور مستقبليّ في بلد لا مستقبل له

في نهاية “العهد القويّ” واحتمال دخول لبنان مرحلة طويلة من الشغور الرئاسي، ليس معروفاً ما الذي يمكن أن تفضي إليه، من المفيد التوقّف عند نقطتين.

النقطة الأولى تتعلّق بإنجاز ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، والأخرى بانكشاف مدى سطحيّة قسم لا بأس به من المسيحيّين في لبنان. أولئك الذين يبدون مقتنعين بوجود عدوّ واحد هو العدوّ السنّيّ من جهة، وبأنّ الثنائي عون – باسيل “سيعيد” للمسيحيّين حقوقهم، التي أفقدهم إيّاها اتفاق الطائف، بسلاح “حزب الله”!

في ضوء رفض النظام السوري استقبال موفد لميشال عون من أجل البحث في ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان والجمهوريّة العربيّة السوريّة، ظهر بكلّ وضوح أنّ قرار ترسيم الحدود البحريّة اللبنانيّة – الإسرائيليّة بوساطة أميركيّة لم يكن سوى قرار إيراني. كان الترسيم ملفّاً لا يتعاطى به سوى “حزب الله” الذي ليس سوى أداة إيرانيّة بشهادة حسن نصرالله نفسه الذي ظهر في إحدى المرّات بالصوت والصورة ليقول إنّ كلّ ما لدى الحزب مصدره “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.

كان طبيعياً رفض النظام السوري استقبال موفد لعون وباسيل في هذه الظروف بالذات، وعلى بعد أربعة أيّام من مغادرة رئيس الجمهورية قصر بعبدا والذهاب إلى بيته. من يقرّر ما إذا كانت الحدود السورية – اللبنانيّة، البحريّة أو البرّية، ستُرسَّم يوماً، هو إيران ولا أحد غير إيران. محظور على الثنائي الرئاسي التعاطي في أمور أكبر منه وتجاوز دوره، أي الدور المرسوم له سلفاً، دور الغطاء المسيحي للسلاح الإيراني، عن طريق أشخاص مثل الياس بو صعب أو غير الياس بو صعب.

أحقاد ميشال عون

بالنسبة إلى النقطة الثانية، يبدو مؤلماً كيف ارتضى قسم من المسيحيين أن يكون مجرّد قطيع من الأتباع لدى ميشال عون وجبران باسيل. رفض هذا القسم التعلّم من تجارب الماضي القريب، بما في ذلك ما أدّت إليه السنتان اللتان أمضاهما ميشال عون في قصر بعبدا بين أيلول 1988 وتشرين الأوّل 1990.

 

سجّلت تلك المرحلة، التي كان فيها ميشال عون رئيساً لحكومة مؤقّتة ذات مهمّة محصورة بتأمين انتخاب رئيس للجمهوريّة خلفاً للرئيس أمين الجميّل، أكبر هجرة للمسيحيّين من لبنان. لم يكتفِ بافتعال حرب لا فائدة منها مع النظام السوري، بل ذهب إلى مواجهة مع “القوات اللبنانيّة”، التي كانت وقتذاك مجرّد ميليشيا، تمهيداً لتمكين النظام السوري من وضع يده على قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانيّة في اليرزة. قاتل “القوات اللبنانيّة” بدعم من عملاء للنظام السوري في لبنان تولّوا تزويده بالسلاح والوقود اللذين كان في حاجة إليهما.

استكمل ميشال عون في سنة 2022 مهمّة يعتبر أنّه وُجد من أجلها: تغيير طبيعة المجتمع المسيحي في لبنان نحو الأسوأ، نحو سيطرة أسوأ المسيحيين على التمثيل المسيحي. وهم من الذين تحرّكهم الغرائز من الطبقة دون المتوسّطة. لم يكتفِ عون بضرب كلّ المقوّمات التي قام عليها لبنان والمواقع التي كان المسيحيون أقوياء فيها، مثل التجارة والصناعة والمصارف والتعليم والاستشفاء… والإعلام. فضلاً عن ذلك لعب دوراً في قطع العلاقات اللبنانيّة – الخليجية من منطلق أنّ ذلك سيكون ضربة لأهل السُنّة وإرث رفيق الحريري الذي لديه حقد عليه ليس بعده حقد.

إقرأ أيضاً: الترسيم مع سوريا… أصعب من إسرائيل

يذهب “العهد القويّ” ويبقى “حزب الله” ويبقى الاحتلال الإيراني الذي ليس سوى وصفة لمزيد من البؤس والفقر والتخلّف. يذهب “العهد القويّ”، فيما لا يزال ميشال عون وجبران باسيل يبحثان عن دور مستقبليّ في بلد لا مستقبل له. عفواً، هناك مستقبل للبنان في حال حصول تغيير على الصعيد الإقليمي. يبقى مثل هذا التغيير الأمل الوحيد بمستقبل أفضل للبنان. هذا إذا ما كان لا يزال للبنان مستقبل بعدما قضى “حزب الله” مباشرة على كلّ قطاع حيّ وتولّى بطريقة غير مباشرة تغطية الجريمة التي ارتكبها جبران باسيل في ما يخصّ قطاع الكهرباء الذي يسيطر عليه منذ العام 2008. فعل ذلك كلّه من زاوية “السلاح يحمي الفساد”. هذه معادلة عرف كيف يطبّقها في لبنان وعلى كلّ صعيد وفي ما يخصّ أكثر من شخصيّة واحدة!

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…