لم يدُم الهدوء في المسرح السياسي الكويتي أكثر من 5 أيام بعد الانتخابات: في 29 أيلول جرى الاقتراع، وفي 30 أيلول ظهرت النتائج، وفي 1 تشرين الأول استقالت الحكومة وحُدِّد 11 تشرين الأول موعداً للجلسة الأولى للبرلمان الجديد، وفي مساء 5 تشرين الأول (تحديداً في الساعة السابعة والنصف مساء) أُعلن عن الحكومة الجديدة ثمّ بدأ مسلسل الأزمات بعد نحو ساعة مع إعلان أحد الوزراء انسحابه منها.
لا ينصّ الدستور على حصول الحكومة على ثقة مجلس الأمّة كي تباشر مهامّها، لكنّ ما جرى كان أشبه بذلك مع اتّساع رقعة الرفض للحكومة الجديدة ووصولها إلى 45 نائباً من أصل 50
طريق مسدود
تداخلت الأزمات فتناسلَت الواحدة تلو الأخرى وكأنّ السابقة تلِد التالية، واختلطت الأمور ما بين السياسي والدستوري والقانوني، وبدا المشهد وكأنّه في طريق مسدود مع وجود حكومتَيْن: الأولى مُستقيلة وتُصرِّف العاجل من الأمور، والثانية صدر مرسوم تشكيلها لكنّها لم تُقسِم أمام الأمير ولا يُمكنها مباشرة مهامّها، فاضطرّت الأولى إلى إصدار مرسوم بتأجيل انعقاد أول جلسة لمجلس الأمّة من يوم غد الثلاثاء إلى الثلاثاء الذي يليه، لإفساح المجال أمام مزيد من المشاورات.
ظاهر الأزمة سياسي وباطنها صراع نفوذ وإرادات، وبعضه مباشر وغالبيّته غير مباشر، وأدواته متنوّعة.
في المبدأ، لا يؤدّي انسحاب وزير من الحكومة المُكوّنة من 15 وزيراً إلى سقوطها، لكنّ المُنسحِب هو نائب مُنتخب يُعرف باسم “المُحلّل”، لأنّ الحكومة وفق الدستور يجب أن تضمّ نائباً واحداً على الأقلّ من أعضاء مجلس الأمّة، وتالياً لا تُعتبر دستورية من دونه ولا بدّ من إيجاد بديل له.
لا ينصّ الدستور على حصول الحكومة على ثقة مجلس الأمّة كي تباشر مهامّها، لكنّ ما جرى كان أشبه بذلك مع اتّساع رقعة الرفض للحكومة الجديدة ووصولها إلى 45 نائباً من أصل 50.
عاصفة “تويتريّة”
بطبيعة الحال، لم تستهدف الاعتراضات كلّ الأسماء، والمُفارقة أنّه لم يُعلن أيّ من النواب المنتقدين صراحة أسماء الوزراء التي يعترض عليها، إلا أنّ التلميح طال نحو 4 وزراء احتفظوا بمناصبهم من أصل 6، ووزيراً واحداً على الأقلّ من بين الوزراء الـ9 الجدد.
في الواقع أدّى التصويب على البعض إلى إصابة الكلّ، وبات الحديث الآن يدور حول حجم التعديل الذي قد يطرأ على التشكيلة، وسط تقديرات بتغيير ما بين 5 و7 وزراء.
وفيما غلبت اللغة السياسية المقبولة على بعض الانتقادات النيابية، كان البعض الآخر ناريّاً وحمل تهديدات مبطّنة وكلاماً بدلالات رمزية يشير إلى عمق الأزمة وصراع النفوذ.
ظاهرياً، طالب النواب بإبعاد العناصر القديمة التي كانت في حكومة الشيخ صباح الخالد (الحكومة ما قبل الأخيرة)، لكن واقعياً بدا أنّ المطلوب هو رسم حدود لنفوذ الأطراف، من بوّابة مجلس الأمّة.
إثر العاصفة “التويترية” (كلّ النواب أبدوا اعتراضهم عبر حساباتهم في “تويتر”)، ظنّ البعض أنّ الحلّ سيكون سهلاً ويتمثّل بإبعاد الوزراء غير المرغوب بهم، لكن اتّضح لاحقاً أنّ الأزمة أعمق من ذلك بكثير، وهو ما أدّى إلى تأجيل أولى جلسات مجلس الأمّة، نظراً إلى ارتباط انعقادها بحضور الحكومة.
انقسام دستوريّ
لكنّ هذا التأجيل لمدّة أسبوع فتح الباب واسعاً أمام الاجتهادات القانونية، مؤدّياً إلى انقسام عمودي في صفوف كبار الدستوريين والخبراء بين رأيَيْن: الأول يرى أنّ تفعيل المادة 106 من الدستور، التي تُعطي الحقّ للأمير بتأجيل الجلسات لمدّة لا تتجاوز شهراً واحداً، هو إجراء سليم وصحيح باعتبار أنّه تمّت الدعوة إلى الانعقاد وتلاها تأجيل، والثاني يرى أنّ ما جرى تشوبه عدم الدستورية، أوّلاً لأنّ التأجيل يفترض بدء الجلسات في الأصل قبل تأجيلها، وثانياً لأنّ مرسوم التأجيل يجب أن يصدر من حكومة كاملة الصلاحيّات لا مُستقيلة.
إلا أنّ هذا الجدل الدستوري – السياسي يستبطن في ثناياه كثيراً من استخدام أدوات المعركة على النفوذ، ولا سيّما مع بدء اتّضاح الخيط الأبيض من الأسود في خريطة توزّع القوى داخل المجلس.
إقرأ أيضاً: أحمد السعدون: “القطب” الكويتيّ… الذي عاد الميدان إليه
هكذا بدا المشهد مليئاً بالتعقيد وصعب التوقّع، فالمسألة ليست خلافاً بين الحكومة والمجلس بقدر ما هي تثبيت لمُعادلات سيكون لها ما بعدها، سواء على صعيد إنتاجيّة الحكومة المقبلة ودوران عجلتها وقدرتها على مواجهة التحدّيات الضخمة، أو على صعيد العلاقة بينها وبين المجلس الجديد، الذي بات يوصف بـ”المجلس القوي” حتى قبل أن يعقد أولى جلساته.
تُجمِع الآراء على أنّ الكويت في نهاية المطاف ستتجاوز هذه الأزمة، بيد أنّ السؤال المطروح يتناول ماهيّة الثمن والمآلات: فإنْ تمسّك رئيس الوزراء ببعض الأسماء فسيكونون عرضة للسقوط بالاستجوابات في المجلس، وإنْ تراجع بشكل كامل ونفّذ كلّ مطالب المعارضة فسيكون الخوف من طغيان السلطة التشريعية على التنفيذية، الأمر الذي يُحتّم البحث عن حلول وسط، لأنّ غير ذلك قد يؤدّي بنهاية المطاف إلى العودة إلى المربّع الأوّل.