التفاوض مع إسرائيل فضحنا

مدة القراءة 5 د

إن صحّت تقديرات ليئور شيلات، المدير العامّ لوزارة الطاقة الإسرائيلية، أنّ أرباح الغاز الطبيعي من حقل قانا تُقدّر بنحو 3 مليارات دولار، لإسرائيل منها 17%، تكون الشكوك في “جفاف” حقل قانا في مكانها، وتُحال بالتالي عنتريّات ميليشيا حزب الله الانتصاريّة على أبواب الفكاهة والطرفة لا أكثر ولا أقلّ.

الكلام المنسوب إلى المسؤول الإسرائيلي جاء في سياق مداولات سياسية أجراها المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنيّة والعسكرية لبحث ملفّ ترسيم الحدود البحرية بين بلاده ولبنان، وفي ضوء الملاحظات اللبنانية على المقترح الخطّيّ الذي صاغه الوسيط الأميركي آموس هوكستين.

كشفت المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل كمّ الخضوع للمعايير التي يضعها حزب الله، محدِّداً سلفاً الخطوات المتاحة حتى لخصومه، والتي إن تجاوزوها هدّدهم بحرق سمعتهم وموقعهم

في المحصّلة تخلّى لبنان عن الخط 29، وتعهّد بضمانات أمنيّة لإسرائيل، واقترب من الموافقة، ما لم يكن وافق ضمناً، على الحدود البحرية الإسرائيلية التي قرّرتها إسرائيل من طرف واحد عام 2000 عبر ما يُسمّى “خطّ العوّامات”. الأنكى أنّ لبنان سيحصل على حقل وهميّ، في مقابل حقل كاريش الفعليّ، والجاهز لاستخراج الغاز وتخزينه وضخّه وإيصاله إلى الأسواق.

صندوق الفضائح

بدّدت هذه الوقائع المستجدّة أطناناً من الخطابات الانتصاريّة، وفتحت في وجوهنا صندوق الفضائح.

ـ الفضيحة الأولى أنّ ميليشيا حزب الله أبدت أكثر أشكال المرونة والبراغماتية والعقلانية مع إسرائيل، بغية الوصول إلى اتفاق حول استثمار لن تتعدّى عائداته 3 مليارات دولار، وفق التقديرات الأحدث. في المقابل حمت الميليشيا تعنّت حليفها العونيّ، الذي عطّل الوصول إلى اتفاق لبناني لبناني بشأن ملفّ الكهرباء، استنزف من خزينة الدولة ومن ودائع اللبنانيين بالعملات الأجنبية، ما لا يقلّ عن 45 مليار دولار، عدا عن خسارة الأرباح الدفتريّة التي كان يمكن جنيُها من استثمار هذه الأموال، بدل تبديدها في دعم الكهرباء وشراء المحروقات.

منذ العام 1999، وقطاع الكهرباء بيد حلفاء ميليشيا حزب الله. أمّا بعد العام 2008 فبات القطاع بيد الحليف الأبرز للحزب، أي التيّار الوطني الحر، الذي مارس كلّ أشكال العناد من أجل عدم إيجاد حلول مستدامة للقطاع تسدّ أبواب الهدر والفساد.

كيف يمكن أن يتّسم سلوك ميليشيا حزب الله بالليونة والبراغماتية مع إسرائيل من أجل 3 مليارات دولار في أحسن الأحوال، ثمّ تختار التشدّد مع الشركاء في الوطن، عبر دعم خيارات جبران باسيل الكهربائية، في أمر أطاح بعشرات المليارات؟!!!

ـ وأمّا الفضيحة الثانية فهي في تعرية ميليشيا حزب الله لنوّاب الثورة. لقد أثبتت الميليشيا أنّها قادرة على الحوار مع إسرائيل، في حين يأنف النواب المذكورون من الحوار الجدّيّ مع سمير جعجع أو سامي الجميّل أو قوى سياسية أخرى يجمعها معها ما يفوق الحدّ الأدنى من التقاطع السياسي. وما أعنيه بالحوار الجادّ هو ذاك الذي يُخاض بنيّة الوصول إلى مستويات عمليّة من التنسيق السياسي، لا الحوار من أجل الحوار، وشمول كلّ الناس فيه بشكل فولكلوريّ، حتى نتبرّأ لاحقاً من تهمة أنّنا نتقاطع مع هذا الفريق من فرقاء “السلطة” أو أنّنا نقترب من التحالف مع هذا المكوّن من مكوّنات “المنظومة”.

لقد كشفت المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل كمّ الخضوع للمعايير التي يضعها حزب الله، محدِّداً سلفاً الخطوات المتاحة حتى لخصومه، والتي إن تجاوزوها هدّدهم بحرق سمعتهم وموقعهم. اللافت هو كمّ النضج السياسي حين يتعلّق الأمر بإسرائيل، وكمّ استسهال المزايدات والشعبوية حين يتعلّق الأمر بعلاقات المكوّنات السياسية في الداخل. فلا يتهيّب حزب الله من تغطية التفاوض غير المباشر مع إسرائيل والذي يديره هو من الخلف، في حين يلوّح الحزب بالتهويل ضدّ أيّ حوار بين مكوّنين في الداخل كنوّاب الثورة مثلاً وسمير جعجع أو سامي الجميّل أو آخرين! واللافت أكثر هو وقوع نواب الثورة في هذا الفخّ، بحيث يلعبون لعبة الحزب من حيث يدرون أو لا يدرون..

ـ الفضيحة الثالثة هي أنّنا في لبنان، نلاحق ما يصدر عن السجالات الإسرائيلية – الإسرائيلية، حتى نتبيّن تفاصيل الاتفاق قيد الدرس حول ما يعنينا ويعني مستقبلنا. لقد أحرجتنا إسرائيل بمستوى السجال السياسي التقنيّ الذي صدر عنها، وأحرجتنا صحافتها التي قدّمت لنا كلّ ما نملكه الآن من معطيات نستخدمها في تداول ملفّ الترسيم البحري، في حين أن لا نقاش سياسياً حقيقيّاً في لبنان خارج أطر التمجيد أو التسخيف، ولا صحافة قادرة على توفير مادّة تقنيّة سياسيّة جدّيّة تتّصل بتفاصيل ملفّ الترسيم الكثيرة.

الثرثرة السياسية

فضحنا التفاوض غير المباشر، حين أظهر كمّ الثرثرة التي تطبع حياتنا السياسية، في مقابل كمّ الوقائع التي تصدر عن إسرائيل بإعلامها وخطاب سياسيّيها.

إقرأ أيضاً: ضمان الترسيم: المصالح الاستراتيجية بين لبنان وإسرائيل

لم يكن ترسيماً للحدود البحرية ما تابعناه وسنتابع فصوله المتبقّية، بل هو ترسيم لحدود المواقع التي يحتلّها كلّ من لبنان وإسرائيل في العالم، بحيث تنتمي هي إلى عالم تحكمه الوقائع والمصالح والسجالات الديمقراطية، في حين ننتمي نحن إلى عالم يعالج موضوعاً عمليّاً كموضع الترسيم، بترسانة من الخرافة والشعر ونشوة مداعبة الأنا.

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…