المرأة مفتاح التغيير في “الجمهوريّة الإسلاميّة”…

مدة القراءة 6 د

مرّة أخرى يُظهر الشعب الإيراني رغبته في التغيير مع ما يعنيه من استعادة لحرّيته ورفضه البقاء مجرّد رهينة لدى نظام قمعيّ متخلّف قائم على تحالف بين رجال دين متزمّتين وتنظيم مسلّح يدعى “الحرس الثوري”. هناك نظام إيراني لا علاقة له من قريب أو بعيد بكلّ ما هو حضاريّ في هذا العالم… وبالحضارة الفارسيّة ذات التاريخ العريق.

إذا كانت الأحداث التي تشهدها المدن الإيرانيّة المختلفة منذ ما يزيد على أسبوع، في ضوء مقتل الشابّة الكرديّة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، تدلّ على شيء… فإنّها تدلّ على طلاق بين الشعب الإيراني بقواه الحيّة المتمسّكة بثقافة الحياة من جهة، والنظام القائم من جهة أخرى. لم يثُر الإيرانيون على نظام الشاه، على الرغم من حسناته الكثيرة وسيّئاته، للتخلّص من شرطته السرّيّة (سافاك). لم يفعل الإيرانيون ذلك كي يقعوا شيئاً فشيئاً في أسر نظام يسيطر عليه “الحرس الثوري” بكلّ ما يمثّله من سطوة على الناس وحرّياتهم وطريقة عيشهم وأسلوب هذا العيش في داخل البلد نفسه.

جاءت الثورة الجديدة للشعب الإيراني، وهي ثورة شملت ثلاثين محافظة من أصل 31، لتؤكّد أنّ نظام “الحرس الثوري”، الذي أتى برئيسي رئيساً، سيلجأ إلى الدم في حال كان يريد البقاء

ثار الإيرانيون في العامين 1978 و1979، فيما الشاه يعاني من وطأة مرض السرطان الذي كان يُعالج منه في ظلّ أجواء من السرّيّة. ثار الإيرانيّون من أجل قيام نظام مختلف عن ذلك الذي استطاع آية الله الخميني إقامته تحت تسمية “الجمهوريّة الإسلاميّة” وشعار تصدير الثورة. كان الإيرانيون يتطلّعون، في أكثريّتهم، إلى نظام تعدّدي ديمقراطي في ظلّ دستور حديث مستوحى من دستور ما بعد الثورة الشعبيّة في العام 1907، وهو دستور يقيم جمهوريّة على الطريقة الفرنسيّة أو ملكيّة دستوريّة على الطريقة البريطانيّة.

لن يجد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمامه من خيار آخر غير القمع لإخماد الثورة الشعبيّة الإيرانيّة التي تقودها المرأة. لم يجد ما يقوله في خطابه أمام الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة في نيويورك غير تصوير الغرب في مظهر مَن يريد مواجهة مع إيران والتآمر عليها. لم يجد ما يرفعه في قاعة الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة سوى صورة قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الذي لعب دوراً محوريّاً في تدمير العراق وسوريا ولبنان واليمن على رؤوس العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين. لم يحقّق سليماني خطوة واحدة في اتّجاه أيّ انتصار من أيّ نوع في القدس. على العكس من ذلك، وضعت إسرائيل يدها على القدس وحوّلتها إلى عاصمتها، فيما اهتمام قاسم سليماني منصبّ على جعل الميليشيات التابعة له تفكّك ما بقي من مؤسّسات في هذه الدولة العربيّة أو تلك، بما في ذلك لبنان الذي أصبح مصيره مطروحاً كبلد قابل للحياة.

اغتالت إدارة دونالد ترامب قاسم سليماني مطلع العام 2020 في أثناء مغادرته مطار بغداد الذي وصل إليه من دمشق بعد زيارة لبيروت. ليس لدى الرئيس الإيراني ما يدافع به عن سياسة بلده سوى قاسم سليماني الذي يرمز، قبل أيّ شيء آخر، إلى المشروع التوسّعي الإيراني القائم على نشر ميليشيات مذهبيّة في دول المنطقة ووضعها في خدمة الأجندة الإيرانيّة.

استعاد الرئيس الإيراني الحرب العراقيّة – الإيرانيّة بين 1980 و1988. تجاهل تسبّب إيران بنشوب تلك الحرب بعد استفزاز متواصل لرئيس عراقيّ اسمه صدّام حسين كان يعرف في كلّ شيء باستثناء السياسة وكيفيّة التعاطي مع الموازين الإقليميّة والدوليّة. لم يجرؤ رئيسي على الاعتراف بأنّ الحرب العراقيّة – الإيرانيّة خدمت النظام الإيراني إلى أبعد حدود بعدما سمحت للخميني بإرسال الجيش النظامي إلى جبهات القتال في وقت كان هذا الجيش وضبّاطه ألدّ خصومه وخصوم نظامه والأفكار التي كان يروّج لها.

أهمل النظام الإيراني الداخل الإيرانيّ. اعتقد في كلّ وقت أنّ الهرب إلى خارج الحدود، كما حصل في موضوع الحرب الطويلة مع العراق، يُعفيه من الاهتمام بأوضاع المواطن الإيراني، بما في ذلك وضع المرأة وحقوقها. غاب عن باله أنّ الإيرانيّات نصف المجتمع، وأنّه لا يجوز التعامل معهنّ كما لو أنّهنّ يمتلكن نصف عقل في زمن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي تسمح بمعرفة ما يدور في هذا العالم.

جاءت الثورة الجديدة للشعب الإيراني، وهي ثورة شملت ثلاثين محافظة من أصل 31، لتؤكّد أنّ نظام “الحرس الثوري”، الذي أتى برئيسي رئيساً، سيلجأ إلى الدم في حال كان يريد البقاء. إنّه دم الإيرانيّين والإيرانيّات الذي يُهدر بسهولة ليس بعدها سهولة.

سيطرح ذلك سؤالاً في غاية البساطة: ما الذي سيكون عليه موقف الإدارة الأميركيّة التي تجد نفسها في وضع العاجز عن التوصّل إلى صفقة مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” في الوقت الحاضر.

ثمّة إشارات إلى أنّ إدارة جو بايدن ستتّخذ موقفاً أفضل من ذلك الذي اتّخذته إدارة باراك أوباما في العام 2009 لدى اندلاع “الثورة الخضراء” في إيران التي شهدت مواجهات اتّسمت بالعنف بين المواطنين من جهة و”الحرس الثوري” و”الباسيج” من جهة أخرى. تخلّت إدارة أوباما عن الإيرانيين إرضاء للنظام الذي كانت باشرت مفاوضات سرّيّة معه. كان الملفّ النووي الإيراني محور تلك المفاوضات.

تستطيع أميركا عمل الكثير من أجل الإيرانيّين بعدما تواطأت الإدارات المتلاحقة في واشنطن مع نظام “الجمهوريّة الإسلاميّة” منذ احتجازه دبلوماسيّي السفارة الأميركيّة في طهران 444 يوماً ابتداء من تشرين الثاني 1979. نعم، تستطيع إدارة بايدن عمل الكثير دعماً للشعب الإيراني المظلوم، لكنّ الكلمة في نهاية المطاف ستكون لهذا الشعب نفسه. ليس طبيعياً أن تنتصر ثقافة الموت على ثقافة الحياة في بلد مثل إيران كان بين أوائل دول المنطقة التي انفتحت على العالم وكان فيه دستور عصريّ منذ بدايات القرن العشرين.

إقرأ أيضاً: ثورة الحجاب وربيع طهران

ستكون المرأة الإيرانيّة، التي تقدّمت صفوف الثوّار في كلّ أنحاء البلد، مفتاح التغيير في “الجمهوريّة الإسلاميّة”. متى يحدث ذلك؟ سيحدث التغيير، لكنّ السؤال متى؟ ليس منطقياً انتصار ثقافة الموت في بلد ذي مجتمع حيّ مثل إيران.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…