ميقاتي يسعى لزعامة سُنية من الموقوفين الإسلاميين

مدة القراءة 7 د

قضية “الموقوفين الإسلاميين” ما تزال في مربع المراوحة. حيناً يُصار إلى إستخدامها كـ “إستثمار سياسي” لبناء زعامة. وأحياناً أخرى لتقديم “أوراق إعتماد” في الداخل عند حزب الله، أو عند الخارج بذريعة محاربة الإرهاب.

 هذا يفعله رئيس الحكومة المُكلف نجيب ميقاتي ومعه وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال بسام المولوي. في الحاصل فإن الضحية هو الموقوفون. ومتى وصلت القضية إلى باحة الحل يتكىء المستثمرون في هذا الملف على وثائق الإخضاع غير القانونية، او على “تدبيجات أمنية” أُعدت في أقبية.

أبعد من ذلك، فقد أُقصي هذا الملف عن قوس القضاء “العادل والمستقل والنزيه”. تم التحفظ عليه في ملعب السياسة وأسواقها. السيء في الأمر أنه تم تجاهل هذه القضية حتى بدت وكأنها من “شؤون طرابلسية”. ما كان هذا ليحصل لولا الإستسهال السياسي، والإستخفاف القضائي والعدلي للملف.

مشروع قانون خفض السنة السجنيّة الذي قدّمه مولوي إلى مجلس النوّاب، بموافقة ميقاتي ورعايته، هو مقتبس من مشروع قانون المحامي صبلوح، مع تعديلات بسيطة لكنّها “خطيرة” و”خبيثة”

عودٌ على بدء

عاد ملفّ السجون إلى الواجهة غداة وفاة 3 سجناء في سجن رومية خلال أيّام قليلة، وكثرة الشكاوى الآتية من داخل السجون والتمرّدات المتتالية. اكتظاظ هائل (323%)، لا غذاء، لا طبابة، مياه ملوّثة وناقلة للأمراض، الكهرباء تنازع، ولا أموال لدى الدولة. والأسوأ لا محاكمات ولا إخلاءات سبيل، فالقضاء في إجازة مفتوحة ضمن معركة ليّ الأذرع بينه وبين السلطة.

وبعدما وصلت الأمور إلى حافة الانفجار الكبير داخل السجون، ونتيجة تعثّر إقرار العفو العامّ لمرّات بسبب المتاجرة السياسية والطائفية، وتحت ضغط المنظّمات الإنسانية الدولية، تقدّم وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي إلى البرلمان بمشروع قانون يفتح كوّة في جدار أزمة السجون، وذلك باقتراحه خفض السنة السجنيّة من 9 إلى 6 أشهر لمرّة واحدة فقط، وهو الأمر الكفيل بإطلاق سراح حوالي 1,000 سجين. بيد أنّ مشروع القانون الذي أعدّه مولوي بدا كأنّه استثنى الموقوفين الإسلاميين، بل حتّى إنّه موجّه ضدّهم. كيف؟ ولماذا؟ لتبيان الأمر يجب العودة بالحكاية إلى الأساس.

مشروع مقتبَس

منذ مدّة قصيرة، أعدّ المحامي محمد صبلوح، رئيس مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في الشمال، مشروع قانون لتخفيف الاكتظاظ في السجون. يشتمل المشروع على عدّة نقاط، أبرزها خفض السنة السجنيّة من 9 إلى 6 أشهر، واستبدال عقوبة الإعدام بخمس وعشرين سنة سجنيّة، والمؤبّد بعشرين سنة سجنيّة.

صبلوح المتابع لملفّ السجون منذ سنين عرض مشروعه على النوّاب أشرف ريفي، رامي فنج، وعماد الحوت، والثلاثة أعلنوا موافقتهم عليه.

لكنّ ريفي كان أسرعهم، فهو متحرّر من أعباء الالتزامات التي تكبّل زميليه، ففنج مع التغييريّين، والحوت مع الجماعة الإسلامية. وسرعان ما قدّم مشروع صبلوح في اقتراح قانون معجّل مكرّر إلى مجلس النوّاب تحت خانة عفو عامّ استثنائي، مع أنّه ليس كذلك.

اللافت أنّ ريفي تقدّم باقتراحه بمفرده، بمعزل عن زملائه في كتلة “تجدّد” لمعرفته بموقفهم الرافض السير باقتراح كهذا. وسواء أُقرّ القانون أمْ أُدخل متاهة اللجان، فإنّه سيكسب ورقة للاستثمار الشعبي. وهذا بالضبط ما دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى التحرّك، ومعه أيضاً وزير الداخلية بسام مولوي، لانتزاع هذه الورقة من يد ريفي، وهذا ما يندرج ضمن خانة “طرابلسيّات”.

مشروع قانون خفض السنة السجنيّة الذي قدّمه مولوي إلى مجلس النوّاب، بموافقة ميقاتي ورعايته، هو مقتبس من مشروع قانون المحامي صبلوح، مع تعديلات بسيطة لكنّها “خطيرة” وملغّمة على حدّ وصف بعض المتابعين لملفّ السجون عن قرب. ومع أنّه نصّ على خفض عقوبة الإعدام إلى 25 سنة، والمؤبّد إلى 23 سنة، إلّا أنّ التعديل الأخطر هو أنّ سنوات السجن للإعدام والمؤبّد هي 12 شهراً وليست 6 أشهر كما ورد في نصّ المشروع الأصليّ الذي أعدّه المحامي صبلوح، وهنا مربط الفرس.

يعمل التيّار الوطني الحر على تجييش المسيحيين والإعلام لإطلاق سراح ضاهر بحجّة أنّه “مظلوم”، على الرغم من اتّهامه بالتسبّب في استشهاد 235 شخصاً

الأقلّيّة المظلومة

أثار هذا التعديل الذي ليس له أيّ مبرّر مقنع حفيظة الموقوفين الإسلاميّين وأهاليهم ولجنة الدفاع عنهم، ودفع قضيّتهم إلى الواجهة، حيث انصبّ الاهتمام الإعلامي على هذه النقطة بالتحديد. وحسب مصادر “أساس” فإنّ ذلك كان متعمَّداً من قِبل ميقاتي ومولوي لحرف الأنظار عن ريفي واقتراحه، وهو ما حصل. وقد زار وفد من “هيئة علماء المسلمين” و”لجنة الدفاع عن الموقوفين الإسلاميّين” الرئيس ميقاتي في السراي الحكومي، لمطالبته برفع الظلم الذي سيلحق بالموقوفين الإسلاميّين المحكومين بالإعدام أو المؤبّد.

يقول عضو هيئة علماء المسلمين الشيخ سالم الرافعي، الذي كان على رأس الوفد الذي التقى ميقاتي، في حديث لـ”أساس”، إنّ “مشروع القانون المقترح من قِبل مولوي لا يفيد السُنّة، وبالكاد تنحصر الاستفادة منه بـ5% من الموقوفين الإسلاميّين. في حين أنّ المستفيدين من هذا القانون هم تجّار المخدّرات وأغلبهم ينتمي إلى طائفة معيّنة، بحيث يبدو وكأنّ المشروع هدفه إخراجهم من السجون”.

وعن اللقاء مع ميقاتي يقول الرافعي إنّه كان إيجابيّاً بعكس ما تحدّثت عنه بعض التقارير الإعلامية، و”كان من المتّفق أنْ يكون وزير الداخلية حاضراً في الاجتماع، لكنّ ميقاتي قال لنا إنّه نسي إبلاغه (!). ذهبنا للقائه بعد اتّصال ميقاتي به، وكان الاجتماع معه سلبيّاً. فقد رفض أنْ يشمل مشروعه مَن وصفهم بالإرهابيّين الذين اعتدوا على الجيش والقوى الأمنيّة. شرحنا له أنّ هذه الملفّات أغلبها مفبرك والاتّهامات فيها كانت ظالمة ومجحفة، لكنّه لم يتزحزح عن موقفه، وطلب منّا تعديل المشروع في البرلمان عن طريق أحد النوّاب السُنّة”.

هذا ويبلغ عدد الموقوفين الإسلاميّين، حسبما أفادنا الشيخ سالم الرافعي، والشيخ نبيل رحيم المتابع للقضيّة منذ سنوات، والمحامي محمد صبلوح، حوالي 600 نصفُهم من غير اللبنانيّين، وبينهم منْ هم محكومون بالإعدام أو المؤبّد، ومن هم مسجونون من دون محاكمة منذ سنوات. وحسب وزير الداخلية فإنّ عدد المسجونين يقارب 8,000، أي أنّ نسبة الإسلاميّين أقلّ من 8% من إجمالي ممّن تنوء بهم السجون، فلماذا استبعادهم؟

ميقاتي يريد زعامة سُنية

يعتبرأحد المحامين المتابعين لقضايا الموقوفين الإسلاميّين أنّ ميقاتي يحاول من جهة أخرى “تعزيز أوراق زعامته السنّيّة عبر بوّابة الموقوفين الإسلاميّين. وهو لنْ يفعل شيئاً سوى العودة إلى الصيغة الأصليّة للمشروع التي تقدّم بها ريفي والتي يشمل فيها خفض السنة السجنيّة جميع الموقوفين. وبذلك يكون قد تكرّم على السُنّة من كيسهم، وقدّم نفسه بصورة الزعيم الذي نجح في ما فشل فيه أسلافه ومنافسوه، وبالتالي يستدرج دعم دار الفتوى والجوّ الإسلامي الذي يعمل على خطب ودّه منذ زمن بعيد من خلال إنشائه دائرة دينية في جمعية “العزم والسعادة”، ودفعه رواتب شهرية لبعض كبار المشايخ”.

إقرأ أيضاً: “الحرس الثوري” يقبض على “الجماعة الإسلامية”

في المقابل، يقول الشيخ سالم الرافعي إنّهم يطالبون بـ”تسريع محاكمات الموقوفين أسوة بقضيّة تفجير مرفأ بيروت، وسعي البعض إلى تعيين محقّق عدلي رديف مهمّته الأولى إخلاء سبيل الموقوفين من دون محاكمة، وأنْ يشمل قانون خفض السنة السجنيّة الجميع من دون استثناء”. يضع الرافعي إصبعه على الجرح، فهناك استياء كبير في الشارع السنّيّ ممّا يرونه اتّفاقاً مارونيّاً – شيعيّاً في قضيّة مرفأ بيروت منْ أجل تسوية وضع النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، مقابل إخراج مدير الجمارك السابق بدري ضاهر من سجنه.

ويعمل التيّار الوطني الحر على تجييش المسيحيين والإعلام لإطلاق سراح ضاهر بحجّة أنّه “مظلوم”، على الرغم من اتّهامه بالتسبّب في استشهاد 235 شخصاً. أمّا السُنّة فبعضهم يقبع في السجون منذ سنوات منْ دون محاكمة، وبعضهم الآخر توزِّع عليه المحكمة العسكرية المؤبّدات والإعدامات بناءً على وثائق اتّصال غير قانونية وفبركات أمنيّة. وهي المحكمة نفسها التي كانت تريد سجن المطران موسى الحاج وقبله سمير جعجع. لكنّها ما نجحت في ليّ ذراع المسيحيّين لأنّهم أقوياء، في حين أنّ السُنّة لا ظهير لهم. وهذا ما يزيد من حدّة الألم ويفاقم المعاناة.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…