تتوسّع رقعة الاعتراض، من أكثر من جهة، على قرار تعيين محقّق عدلي ثانٍ في قضيّة انفجار المرفأ. وبلغ “الاستنفار” حدّ محاولة أهالي الضحايا اقتحام مكتب وزير العدل هنري خوري في العدليّة بعد محاولتهم السابقة دخول منزله.
أمّا نادي القضاة فوجّه أمس رسالة بالغة السلبيّة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود والأعضاء مفادها: “ليس هكذا يتصرّف مَن يفاوض ويناقش للاستحصال على قانون يكرّس استقلالية السلطة القضائية”، معتبراً أنّه “كان من الأجدى تعيين بديل عن وزير المال ليُفرج عن التشكيلات القضائية (تعيين رؤساء محاكم التمييز) فيعاود التحقيق مساره بدل اللجوء إلى حلّ أجمع أهل القانون والقضاء على عدم قانونيّته، فلا رديف عند وجود الأصيل”.
الضغوط على عبود منذ أشهر
في المقابل، تقول مصادر مجلس القضاء الأعلى لـ”أساس”: “هناك معيار واحد أملى موافقة المجلس على الاقتراح، هو الضغط الذي تعرّض له الرئيس عبود في ما يتعلّق بالظرف الإنساني للموقوفين. هذا الواقع القائم يضغط على أيّ شخص في موقع المسؤولية، خاصة أنّه ليس وليد البارحة، بل هو واقع قائم منذ أشهر طويلة وقد يطول أكثر بفعل تعطيل التحقيق”، مؤكّدة أنّ “ضمير وإنسانية الريّس عبّود لا تسمح له بالتغاضي عن هذا الأمر، وبالتالي ليس هناك أيّ صفقة أو خضوع لإملاءات سياسية. مع العلم أنّ مجلس القضاء الأعلى قام بدوره حيال مرسوم التشكيلات والكرة لم تكن في ملعبه، بل في ملعب الآخرين الذين لم يقوموا بالمتوجّب عليهم”. و تضيف المصادر: “القاضي عبود لم يجد أفضل من هذا الحلّ. ومَن يملك حلّاً آخر ضمن الظروف القائمة فليقدّمه”.
تقول مصادر مجلس القضاء الأعلى لـ”أساس”: هناك معيار واحد أملى موافقة المجلس على الاقتراح، هو الضغط الذي تعرّض له الرئيس عبود في ما يتعلّق بالظرف الإنساني للموقوفين
هنا يقول متابعون إنّ “عبود وجد نفسه أمام خيارين: القبول بتعديل مرسوم التشكيلات في شأن رؤساء محاكم التمييز، وهو الأمر الذي يضرب، برأيه، ملاك العدلية ويُعدّ تدخّلاً سافراً في عمل القضاء، أو القبول بخيار تعيين قاضٍ رديف يبتّ حصراً إخلاءات السبيل العالقة، والخيار الأخير كان الأقلّ كلفة”.
فرملة التعيين
وفق معلومات “أساس” فرمَلت موجة الاعتراض على قرار وزير العدل المسار المتوقّع للقضيّة لناحية رفع الوزير هنري خوري الاسم المقترح (أو أكثر) إلى مجلس القضاء الأعلى لإعطاء الأخير موافقته تمهيداً لصدور مرسوم التعيين.
وكما نشر موقع “أساس” أوّل من أمس، هناك أكثر من اسم يتمّ التداول بها. فالقاضيان نقولا منصور وسمرندا نصار يحظيان بموافقة فريق سياسي يمثّله باسيل والثنائي الشيعي، فيما يفضّل “الريّس” سهيل عبود القاضي سامر ليشع (تأكّدت معلومات رفضه التعيين كقاضٍ رديف) أو القاضي فادي عنيسي المرفوض من الثنائي الشيعي وباسيل.
يرجِّح مطّلعون، في حال سلكت تسوية القاضي الرديف طريقها، تعيين إمّا نصار أو منصور. وهو باب، برأي كثيرين، يُفترض أن يرفع الغبن عن بعض الموقوفين وعن مدّعى عليهم في القضية وُضعوا في قفص الإدانة إمّا لأسباب سياسية أو تأثّراً بمناخات الشعبوية وكسباً لتعاطف الرأي العامّ. وفي الحالتين ثمّة أبرياء في الزنزانات وخارجها.
أمّا القاضي طارق البيطار فلم يقصّر بالتعبير بصوتٍ عالٍ عن رأيه “في التسوية المهينة”، على حدّ قوله. لكنّه صارح زوّاره بأنّه لن يتنحّى ولن يستقيل وسيواصل عمله حتى تقديم قراره الظنّيّ مع رهان على إزالة العقبات التي تحول دون استكماله التحقيقات وإعداد قراره الاتّهامي في القضيّة.
بو صعب يعلِّم على باسيل
من جهة أخرى، لم يحظَ قرار انتداب أو تعيين قاضٍ رديف للمحقّق العدلي “الأصلي” طارق البيطار بالإجماع داخل الفريق العوني الواحد.
فبعدما أصبح معلوماً أنّ اقتراح وزير العدل المقرّب من العهد حظي بتغطية مباشرة من رئيس التيار الوطني الحر الذي يخوض علناً معركة “تحرير” المدير العامّ للجمارك بدري ضاهر، قوبلت خطوة وزير العدل باستنكار علنيّ من نائب تكتّل لبنان القوي الياس بو صعب الذي أعلن سابقاً دخوله على خطّ إيجاد تسوية تسمح للقاضي البيطار باستكمال التحقيقات. فقد اعتبر بو صعب أنّ “مجلس القضاء الأعلى المسيّس ضرب عرض الحائط بالقوانين والمراسيم، وبدل تطبيق المرسوم 13434 الصادر عام 2004 الذي من شأنه فتح باب الحلّ لإعادة العمل بالتحقيقات القضائية، أصرّ على مخالفته”.
وفق معلومات “أساس” فرمَلت موجة الاعتراض على قرار وزير العدل المسار المتوقّع للقضيّة لناحية رفع الوزير هنري خوري الاسم المقترح (أو أكثر) إلى مجلس القضاء الأعلى لإعطاء الأخير موافقته تمهيداً لصدور مرسوم التعيين
ثمّة من يؤكّد أنّ بو صعب انزعج من حصول التسوية من وراء ظهره فيما كان يتصرّف على أساس أنّ مفتاح الحلّ في جيبه من خلال محاولة تعديل مرسوم تعيين رؤساء محاكم التمييز الذي لم يوقّعه وزير المال.
في السياق نفسه تساءلت قناة “أو تي في” الموالية للعهد: “إلى متى يستمرّ منطق الصفقات في التعاطي مع الملفّ، وكأنّ هناك من يسعى إلى حلّ مؤقّت قابليّته للحياة غير مؤكّدة؟”.
يُذكر أنّ المرسوم الذي رفض وزير المال توقيعه يشمل 10 رؤساء لغرف التمييز (5 مسيحيين و5 مسلمين)، إضافة إلى الرئيس الأوّل (القاضي عبود الذي لا يرأس غرفة)، وهو ما اعتبره الثنائي الشيعي مسّاً بالتوازن الطائفي.
لكنّ مصادر قضائية تجزم أنّ “التوازن الطائفي محترم منذ سنوات، وليس لأحد أن يتدخّل في هذا الأمر سوى مجلس القضاء الأعلى الذي يتضمّن كلّ الطوائف. وهذا التوزيع المتوازن موجود في كلّ ملاكات العدلية. مثلاً في النيابة العامّة التمييزية هناك 10 محامين عامّين (5 مسلمين و5 مسيحيين يضاف إليهم المدّعي العامّ). وفي النيابة العامّة الماليّة هناك 8 قضاة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين يُضاف إليهم المدّعي العامّ المالي. كذلك الأمر في التفتيش القضائي حيث أربعة مفتّشين عامّين برئاسة رئيس التفتيش. وفي تاريخ العدلية لم يتمّ التداول بهذا الموضوع. وهذا تعاطٍ سياسيّ بالقضية ولا علاقة لمجلس القضاء الأعلى به”.
مصير الدفوع الشكليّة
في الواقع تضمّن الكتاب الذي وجّهه وزير العدل إلى مجلس القضاء الأعلى ما تسبّب بحصول موجة الاعتراض عليه. فالوزير خوري طلب من “المجلس البتّ بمبدأ تعيين محقّق عدليّ لمعالجة الأمور الضرورية والملحّة طوال فترة تعذّر قيام المحقّق العدلي الأصيل بمهامّه، كطلبات إخلاء السبيل والدفوع الشكلية على سبيل المثال، وذلك إلى حين زوال الدافع الذي يحول دون ممارسة الأخير مهامّه”. وهو الأمر الذي يعطي للقاضي الرديف صلاحيّات واسعة تمكّنه من العمل على بتّ طلبات إخلاء سبيل بعض الموقوفين الذين تحوّلوا، برأي مصادر متابعة، إلى رهائن لدى القضاء، غير مشتبه بهم، وأيضاً بتّ الدفوع الشكلية التي سبق أن قدّمها مدّعى عليهم في القضية.
لكنّ ردّ مجلس القضاء الأعلى، وفق المعلومات، انحصر بموافقة المجلس على بتّ القاضي الرديف إخلاءات السبيل فقط، من دون الدفوع الشكلية، وتضمّن تأكيده أنّ قرار الانتداب موقّت إلى حين بتّ طلبات الردّ المقدّمة بوجه القاضي البيطار.
إقرأ أيضاً: قضيّة المرفأ: من هو الانتحاريّ الثاني؟
وفي حال تجاوُز الاعتراضات وتعيين المحقّق العدلي الرديف، فإن مصادر مطّلعة تتوقع أن يعمد متضرّرون من هذه الخطوة إلى تقديم طلبات ردّ بحقّه، معرقلين بذلك مسار بتّ إخلاءات السبيل إلا إذا تقصّد القاضي المعنيّ عدم تبلّغ هذه الطلبات إلى حين إنهاء مهمّته. وتجدر الإشارة إلى أنّ بتّ طلبات إخلاء السبيل أو الدفوع الشكلية من قبل القاضي “الجديد” يتطلّب أسابيع وربّما شهوراً لأنّه يحتاج إلى قراءة آلاف الصفحات للاطّلاع على كلّ جوانب القضيّة.