سمعتُ في إحدى القنوات التلفزيونية أنّ مفاوضات الاتحاد الوطني للشغل في تونس مع الحكومة على زيادة المرتّبات قد فشلت واعتذرت الحكومة أنّها لا تملك من الموارد ما يسمح بزيادة المرتّبات، على الرغم من زيادة التضخّم، وتضاؤل القوّة الشرائية للعملة التونسية.
فقلت: على الأقلّ ما تزال عند التونسيّين نقابة أو نقابات، ويبلغ من هيبتها أنّ الحكومة تضطرّ إلى التفاوض معها. أمّا في بلاد الأرز فإنّ الحكومة، على الرغم من إفلاسها، مرتاحة لأنّه ما عاد عندنا نقابات. وقد هدّدت نقاباتنا الاسميّة من قبل بالإضراب فلم تستجب الحكومة ولا أضرَب العمال!
وسمعتُ على فضائيّةٍ أُخرى أنّ حكومة سريلانكا الجديدة تفاوضت مع صندوق النقد الدولي على قرض بسبب الأزمة الاقتصادية الساحقة، وحقّقت الإصلاحات التي طلبها الصندوق، فوافق على إعطائها 3 مليارات دولار.
عرض رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مبادرةً ثانيةً للحوار اشترط لإحقاقها أن تحضرها سائر الأحزاب السياسية، وهو يقصد بذلك تيار مقتدى الصدر الذي رفض حضور المبادرة الأولى
فقلت: لكنّ حكومتنا أو حكوماتنا تتفاوض من سنتين أو أكثر. والإصلاحات المطلوبة معروفة، لكنّ الحكومات من أيّام حسّان دياب وإلى أيّام نجيب ميقاتي ما استطاعت تلبية المطالب. فمن أين يُطلُّ الجديد إذا كانت الحكومة ما تزال غارقةً في الفشل القديم؟
وقرأت تقريراً في الصحف عن جدالٍ هائلٍ بمصر سببه أنّ فقيهاً مستنيراً جدّاً أفتى أنّ المرأة المتزوّجة ليست ملزمة بالطبخ لزوجها إلّا بأجر. وكذلك الأمر في إرضاع طفلها!
فقلت: في القرآن: }وجعل بينكم مودّةً ورحمةً{ ]سورة الروم، الآية 21[. وفي القرآن: }ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف{ ]سورة البقرة، الآية 228[. وإذا لم نطبّق القرآن، فلا أقلّ من السير في عاداتنا وأعرافنا الإنسانية التي انقضت عليها دهورٌ ودهور. وإذا كانت الاستنارة على هذه الشاكلة، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله. هل هذا وقت الجدال في هذه المسائل يا ناس؟!
ورأيتُ على إحدى الفضائيّات رجلاً سودانيّاً طردته السيول من منزله وهو يحمل أطفاله الثلاثة ويصرخ وسط الماء الغامر: يا ناس، أريد أن أشرب!
فخطر لي قول الشاعر:
وأشدُّ ما لاقيتُ من ألم الهوى قُربُ الحبيب وما إليه وصولُ
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماءُ فوق ظهورها محمولُ
في العراق عرض رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مبادرةً ثانيةً للحوار اشترط لإحقاقها أن تحضرها سائر الأحزاب السياسية، وهو يقصد بذلك تيار مقتدى الصدر الذي رفض حضور المبادرة الأولى.
وفي الوقت نفسه تقدّم محامون وناشطون إلى المحكمة الاتحادية بمطلب قبلت المحكمة النظر فيه وهو عدم قبول استقالة نوّاب الصدر الثلاثة والسبعين لخللٍ في الإجراءات.
أمّا الصدر فرفض حضور حوار المبادرة الثانية، كما رفض إعادة نوابه إلى البرلمان ولو حكمت بذلك المحكمة.
أيّها الرجل الجليل كلّنا معك فأنت وطنيّ كبير. لكنّ الأفق مسدود والحرب الأهليّة على الأبواب، فما هو المخرج؟
قلت هذا الكلام لأستاذ عراقيّ معنا في الجامعة بأبوظبي ظننته من أنصار الصدر، فأجابني ضاحكاً: أنتم بعد احتلال بيروت عام 2008 قبلتم المبادرة للحوار في قطر وذهبتم إلى الدوحة، فماذا حصل؟ صحيح أنّ إيران وميليشياتها داءٌ مستعصٍ، إنّما هل نخضع لهم كما خضعتم؟ الخيار هو بين الخضوع والإصرار على الإضراب، والصدر يفضّل هذه المرّة الإضراب وليكن ما يكون، ليست هذه أوّل حربٍ أهليّةٍ بالعراق، والمفزع أنّ الأرض عطشى لانقطاع الماء من تركيا وإيران، وقد لا يرويها غير الدم، ويا للهول!
– منذ خمسة أعوام تُصدر مفوضيّة الحريّات الدينية بوزارة الخارجية الأميركية تقريراً عن سوء أوضاع المسلمين في مقاطعة سينكيانغ الصينية. فيقول الصينيون: كلّ هذا هُراء، والأقليّة المسلمة “بكاشغر” في أحسن حالاتها.
أمّا هذا العام فإنّ الأمم المتحدة هي التي أدانت الإجراءات الصينية ضدّ المسلمين الأويغور في الصين، الذين وضعت السلطات مئات الألوف منهم في معسكرات لإعادة التربية! لكنّ المنطق الصيني لم يتغيّر: كلّه كذب. وقال المندوب الأُممي: طيّب، دعونا نرسل بعثةً للاطّلاع على الوضع بسينكيانغ. وأجاب الصينيون: استقبلنا بعثتكم قبل سنة، وكانت النتيجة هذا التقرير الكاذب، ولن نسمح لكم بالمساس بسيادة الصين على أرضها ومواطنيها مرّةً أُخرى.
– اختلف رئيس الوزراء الباكستاني السابق مع قيادة الجيش وقضاة المحكمة العليا فأزالوه من السلطة عن طريق البرلمان. فقاد تظاهرات صاخبة وهاجم الجيش والمحكمة العليا. أمّا قائد الجيش فسكت، وأمّا القضاة فحوّلوه للتحقيق والمحاكمة وأوقفوه ثمّ أطلقوه بكفالة. فلمّا حدثت كوارث السيول وغمرت ثلث البلاد وشرّدت الملايين وقتلت الألوف، قال رئيس الوزراء المعزول: هذا عقابٌ إلهي للّذين أسقطوا حكومتي. فنبّهه رئيس الوزراء الحالي إلى أنّ الذين عزلوه من العسكر والنواب والقضاة ما تضرّر منهم أحد. فقال: أمّا الكبار منهم فقد مضوا إلى أصدقائهم في أميركا، وأمّا الصغار والأوساط فتحاصرهم المياه لتعذيبهم قبل موتهم.
– من سنوات يشكو أردوغان من القسمة الظالمة للجزر في بحر إيجه بينه وبين اليونان. وزاد الطين بلّة أنّ البترول والغاز ظهرا على شواطئ الجزر وفي مناطقها الاقتصادية. وحاولت السفن التركية مراراً التعرّض لثلاث جزر في البحر والبرّ، فثار الأوروبيون والأطلسيّون وكادوا يفرضون عقوبات على تركيا. أردوغان اليوم، وقد صار وسيطاً عالمياً وصاحب كلمة في نزاعات العالم، تذكّر اليونان وهاجم ساستها فردّوا عليه كما كانوا يفعلون سابقاً. أمّا هو فقد اتّخذ هذه المرّة لغةً سلطانيّة: إن لم تكفّوا عن الاعتداء على حقوق تركيا فستجدوننا فجأةً عندكم! وظننت أنّه سيذكر احتلال العثمانيّين لليونان لأكثر من مئتَيْ عام، لكنّه وللمفاجأة قال: ألا تذكرون كيف أخرجناكم من إزمير مدحورين؟
إقرأ أيضاً: ثلاث استحالات لا تبني استراتيجية دفاعيّة
أعرف الأستاذ الألمانيّ فولكر برتس منذ مطلع التسعينيّات من القرن الماضي، عندما كان يعدّ أطروحته للدكتوراه عن سورية في عهد الرئيس حافظ الأسد. وقد عُيِّن قبل عامٍ ونصف مندوباً دوليّاً في السودان. فتشجّع هو وآخرون بمجيء سفير أميركي إلى السودان بعد غياب خمسةٍ وعشرين عاماً. ولذلك فقد اتّفق مع السفير الجديد على جمع قوى المعارضة، وفي طليعتهم قوى الحرّية والتغيير. لكنّ تلك القوى رفضت الاجتماع لأنّ بين الحضور ممثّلاً لفريقٍ انشقّ عنها، فإمّا أن تكون وحدها أو لا اجتماع! فاغتمّ برتس وقال: السودانيون يعدُّون عشرات الملايين، فلا يمكن أن تمثّلوهم كلّهم وحدكم وإن كان دوركم في الثورة كبيراً. وعلى أيّ حال، الاجتماع لم يحصل، وبقيت قوى الحرّية والتغيير على موقفها. فقال فولكر برتس شاكياً: من أين يأتي الجديد إذا كنتم تريدون البقاء وحدكم ورأسكم في رأس الجيش؟!