أقل من نصف ساعة استغرق الاجتماع الخامس بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي من دون أن يؤدي إلى بتّ النقاط الخلافية بين الطرفين لا حول الحقائب المشمولة بالتعديل ولا حول أسماء الوزراء المقترحين.
لكن الحدث الفعلي تجلّى في الرسائل التي وجّهها رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر من خلال هجومه المباشر على الفريق السياسي للنائب جبران باسيل من دون أن يسمّيه وصولاً إلى الهجوم على رئيس الجمهورية عبر إعلان رفضه لاقتراح توسيع الحكومة قائلاً: “شو هيّي هيدي ستة وزراء دولة وقد شاهدنا حكومة تمام سلام وفيها كل وزير صار رئيس جمهورية”.
حدّد بري، في الخطاب، للمرة الأولى مواصفاته للرئيس المقبل: “فنحن كسياديين سنقترع للشخصية التي تجمع وتوحّد ولا تفرّق” غامزاً من قناة الرئيس عون الذي كان يصفه، بين سطور “خطاب صور”، باعتباره عامل تفرقة بين اللبنانيين لا توحيد.
تشير المعلومات إلى أنّ اللقاء الأخير بين ميقاتي وبرّي كان ايجابياً بعكس التسريبات التي تحدّثت عن توتر بين الرجلين
وكردّ مباشر على اقتراحات باسيل الأخيرة في شأن سحب التكليف أو تشكيل حكومة من جانب رئيس الجمهورية ذكّر “من يحاول أن يعيد لينان إلى ما قبل الطائف أنّ المجلس النيابي هو الوحيد المناط به تفسير الدستور والعمل على هذا الاستحقاق”، معتبراً أنّ “لبنان يمرّ بأسوأ وأخطر مرحلة عرفها في تاريخه والبعض يقاربها بأسوأ عقلية كيداً ونكداً”.
وقال برّي: “العبث بالدستور والتمرّد عليه تلبيةً لمطامح مرشحين هو أمر غير مسموح، والاستسلام للإرادات الخبيثة التي تسعى لإسقاط البلد بالفراغ ليس مشروعاً”. وقرأ كثر في هذا الكلام رسالة إلى حزب الله، الداعم شبه الوحيد، الذي لا يزال يؤمّن الغطاء لباسيل في مقاربته الحكومية والرئاسية.
كما هاجم باسيل في ملف الكهرباء متسائلاً: “هل يوجد في العالم بلد بتغذية صفر كهرباء وتكون الحجّة: ما خلونا”؟ وهل هناك أحد من السلطة المختبئة خلف شعار “ما خلّونا” يمكن أن يجيب على سؤال: لماذا لم يتّمّ تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء”؟!
هكذا تبدأ اليوم المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية وسط مشهد كارثي لا يزيده تعقيداً سوى تطورات الساحة العراقية الساخنة:
الجديد تأكّد وجود تعثّر مريب على خط ملف ترسيم الحدود البحرية بعد موجة منظّمة من التفاؤل بقرب توقيع الاتفاق أوائل ايلول، يضاف إلى التعثّر على خط تأليف الحكومة من دون أن ينفض أولياء الحسم يدهم تماماً من طبخة التعديل، وهناك أيضاً ترشيحات لرئاسة الجمهورية علنية وأخرى كاتمة للصوت لا أساس متيناً لها، إلى جانب تهديد جدّي بصعوبة تنفيذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مع ما يعنيه ذلك من تدهور أكبر في مسار الأزمة وقد ثبّتت وكالة الصنيف الدولية “فيتش” هذا الواقع من خلال الإشارة أمس إلى أنّ “وقت البدء بتنفيذ البرنامج غير أكيد بسبب المشهد السياسي في لبنان والذي من شأنه أن يعرقل تنفيذ الخطوات المطلوبة للحصول على موافقة مجلس إدارة الصندوق”…
تضارب جريصاتي – باسيل
الأمر اللافت للانتباه في الساعات الماضية كان التضارب في التوجهات “الرئاسية” بين النائب جبران باسيل والمستشار الأبرز لدى ميشال عون الوزير السابق سليم جريصاتي.
إذ فيما كان باسيل يلوّح باحتمال بقاء ميشال عون في القصر بعد انتهاء ولايته و”هذا ما لا نريده”، أو سحب التكليف من نجيب ميقاتي أو تشكيل حكومة أخرى في حوار عبر جريدة “الأخبار”، كان جريصاتي يفتي بالعكس، في حديث لموقع “أساس”، من خلال حسم أنّ عون لن يبقى دقيقة واحدة في القصر، بناء على رغبة الأخير، وأن لا إمكانية لأن يسحب رئيس الجمهورية التكليف من الرئيس ميقاتي “بقرار منفرد منه”، كما حسم عدم شرعية تشكيل حكومة انتقالية، باعتبارها مسائل لم تعد من صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الطائف.
وفق معلومات “أساس” فإنّ المحاولات الرئاسية لا تزال قائمة لتعويم الحكومة الحالية بتعديلات محدودة تمهيداً لنيلها الثقة في مجلس النواب
إصرار باسيل على خيارات غير دستورية تواكب لحظة خروج ميشال عون من قصر بعبدا زاد المشهد الرئاسي تعقيداً وأبقى احتمال بقاء الأخير في موقعه بعد انتهاء ولايته قائماً بعدما جاهر باسيل بأنّ الوصول إلى الشغور الرئاسي في ظل حكومة تصريف الأعمال وتسلّمها مهام الرئاسة الأولى “سيودي بالبلاد إلى فوضى دستورية وربما أكثر وهذا ما لن نسمح به”، وهدّد بافتعال “مشكل كبير باليلد”.
في هذا السياق يقول مصدر مطلع أنّ التداول بمسألة سحب التكليف ينتهي ليل 31 تشرين الأول “سواء جرى انتخاب رئيس للجمهورية أو لم يتمّ ذلك. ففي حالة انتخاب رئيس، وهو أمر مستبعد حتى الآن، يسقط التكليف حكماً لأنّ الرئيس المقبل غير مُلزم بتكليفٍ أجرى رئيس سابق للجمهورية استشارات نيابية ملزمة في شأنه أفضت إلى إعلان مدير عام رئاسة الجمهورية عبر بيان رئاسي بأنّ “الرئيس عون، وبعد التشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وإطلاعه على نتائج الاستشارات النيابية الملزمة، استدعى ميقاتي ليكلّفه بتشكيل الحكومة الجديدة”.
وإذا لم ينتخب رئيس، وهو أقرب إلى الواقع، يسقط التكليف حكماً بسبب عدم وجود الشريك الدستوري الذي يتشاور معه الرئيس المكلّف في مسألة تأليف الحكومة ويوقع معه مراسيمها”.
التعويم يتقدّم مجدّداً
وفق معلومات “أساس” فإنّ المحاولات الرئاسية لا تزال قائمة لتعويم الحكومة الحالية بتعديلات محدودة تمهيداً لنيلها الثقة في مجلس النواب، رغم “خطاب صور” العالي السقف ورغم الخلاف الجذري بين ميقاتي وباسيل.
في هذا السياق، تشير المعلومات إلى أنّ اللقاء الأخير بين ميقاتي وبرّي كان ايجابياً بعكس التسريبات التي تحدّثت عن توتر بين الرجلين.
إقرأ أيضاً: “تعويم حكومة ميقاتي” يتقدّم…
ويقول مطلعون على اللقاء أنّ ميقاتي وبرّي تداولا بما هو أبعد من الملف الحكومي الذي ينسّقان حوله “في الشاردة والواردة”. إذ جرى التوافق على صيغة جرى النقاش بها لإنعاش مسألة الدولار الجمركي وإقراره فيما التوليفة لا تزال ضبابية حتى الآن وسط رأي قانوني يجزم بأن مجلس الوزراء هو صاحب الصلاحية فقط برفع قيمة الولار الجمركي وليس مصرف لبنان أو وزارة المال. خصوصاً بعدما شكّل رمي ميقاتي كرة الدولار الجمركي بين يديّ وزير المال يوسف خليل أخذاً وردّاً على خط السراي – عين التينة.