باسيل توعّد بـ”مشكل كبير بالبلد”.. كيف يردّ السُنّة؟

مدة القراءة 5 د

كشف جبران باسيل عن ورقتين زعم أنّه قادر على استخدام إحداهما إذا لم تتشكّل حكومة بشروطه: سحب تكليف رئيس الحكومة، أو بقاء الرئيس في منصبه بعد انتهاء ولايته. يعرف باسيل أنّ كلتا الورقتين وصفة للتفجير الطائفي، وهو توعّد صراحة بـ”مشكل كبير بالبلد” إذا لم تُلبَّ شروطه. لكن هل هو قادر بنفسه على افتعال مشكل كهذا؟

ليس في الدستور باب موارب يسمح بالنفاذ إلى أيّ من الهرطقتين أعلاه، والتخريج الوحيد الذي يُحكى عنه هو إصدار مرسوم قبول استقالة حكومة تصريف الأعمال لجعلها والعدم سواء، ليبرّر استمرار السلطة الإجرائية بشخص الرئيس. هل يفكّر حقّاً في أن يجمع الرئيس المشرف على التسعين في شخصه صلاحيّات رئيس مجلس الوزراء و24 وزيراً؟!

يردّد باسيل أنّ تكليف ميقاتي كان من صنيعة الثنائي الشيعي، ويرى أنّ السبيل لسحبه لا يحتاج إلى الوقوف على خاطر أحد من النواب السُنّة أو أحزابهم أو فاعليّاتهم أو مرجعيّتهم الدينية، بل فقط إلى قرار من “حزب الله”

ليس في هذا التخريج ما هو جدّي من المنظور الدستوري، وليس أدلّ على ذلك من عدم إفتاء مستشار رئيس الجمهورية سليم جريصاتي به، بغضّ النظر عن دوافعه. لكنّ باسيل لا يلتفت إلى الدستور أصلاً ولا يقف عند حدوده، بل يلتفت إلى موقف “حزب الله”، فذاك هو دستور الأمر الواقع ولا شيء سواه. وبقوّته فُرِض اتفاق الدوحة، وفُرِض الفراغ الرئاسي مرّتين، وفُرِضت رئاسة ميشال “ببندقية المقاومة”، كما قال نوّاف الموسوي في اجتماع للهيئة العامّة لمجلس النواب.

أولويّة إسقاط ميقاتي

ليس في مقابلات باسيل الأخيرة من فكرة سياسية سوى الإلحاح على “حزب الله” لإسقاط نجيب ميقاتي أو إخضاعه لشروطه. هو يدرك تماماً أنّه في المعادلة اللبنانية أصغر من أن يفتعل “مشكلاً كبيراً”، كما يتوعّد، ما لم يُرِد الحزب ذلك. ومشكلة العونيّين أنّ الحزب يريد هدوءاً داخلياً في الفترة الراهنة، وليس معنيّاً بتوتير الأجواء السنّية- الشيعية، خصوصاً في ظلّ التقدّم في المفاوضات النووية وانشغال إيران بالساحة العراقية، والقنوات المفتوحة للحوار على المستوى الإقليمي.

النظرية السياسية التي تقوم عليها العونيّة السياسية منذ تفاهم مار مخايل في 2006 ثابتة لم تتغيّر، ومؤدّاها المبسّط أن تتحوّل الحالة العونية إلى استثمار مسيحي لـ”حزب الله”، ليكون وجوده وتوسّعه ودوره مشروعاً دائماً للحزب. إنّها أشبه بامتياز (فرانشايز) محلّي يبيع نفسه ليتحوّل إلى استثمار محلّي لشركة متعدّدة الجنسيّات، مع الحفاظ على اسمه وهويّته التسويقية وإدارته:

1- في الانتخابات النيابية الأخيرة ظهر عمق هذا الاستثمار في استراتيجية الحزب السياسية، إلى درجة التضحية بحلفاء تاريخيين من أمثال الحزب القوميّ وحزب البعث وطلال أرسلان ووئام وهاب، في سبيل إبقاء جبران باسيل رئيساً لأكبر تكتّل نيابي مسيحي.

2- في الاستحقاق الرئاسي، يراهن باسيل على نفسه مجدّداً كاستثمار استراتيجي لـ”حزب الله” يستحقّ التضحية بآخرين سواه. يستحقّ التضحية بخاطر رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وبخاطر أهل السُنّة ومرجعيّتهم الدينية.

3- في المستوى المسيحي، أدرك باسيل أنّ الطريق أمامه موصدة فلجأ إلى حبكة “تجيير التمثيل” إلى رئيس يرضى به. ومؤدّى ذلك أن يصبح رئيس الجمهورية العتيد رهناً بمن جيّر له التمثيل، فيكون جبران الرئيس الفعليّ بحكم كونه رئيس التيار الذي صنع الرئيس، ويستولي على الحصّة المسيحية في الحكومات والإدارة العامّة والمؤسّسات العسكرية والأمنيّة.

4- أمّا في المستوى السنّي، فالرهان على اختطاف التمثيل أكبر. يقول باسيل إنّ نجيب ميقاتي ليس الأقوى في طائفته، لأنّه ليس صاحب كتلة، وإنّ دار الفتوى ليست ذات صفة لتحديد من يمثّل السُنّة.

كيف يتمثّل السُنّة في الحكم إذاً؟

يجيب بأنّ هناك 27 نائباً، لتستوي عنده بذلك الصفة التمثيلية لحلفائه وحلفاء الحزب من السُنّة بالصفة التمثيلية لسواهم من المكوّنات السياسية للطائفة. وفي ظلّ هذا التشتّت يعطي لنفسه حقّ اجتياح التمثيل السنّيّ في السلطة التنفيذية، كما فعل حين أتى بحكومة حسان دياب، باعتبار أنّ رئيس الوزراء لا يمسك بالتمثيل السنّيّ.

من هنا تقع على النواب السُنّة مسؤوليّة إعادة رسم المشهد السياسي ليكون للطائفة صوت ناخب أو ناقض في الاستحقاق الرئاسي. فلا يجوز أن يكون الرئيس العتيد مديناً بانتخابه لـ “حزب الله”، ومكبّلاً بشروط باسيل للموافقة عليه.

إقرأ أيضاً: الحيويّة السنّيّة و”الحقوق” العونيّة!

يردّد باسيل أنّ تكليف ميقاتي كان من صنيعة الثنائي الشيعي، ويرى أنّ السبيل لسحبه لا يحتاج إلى الوقوف على خاطر أحد من النواب السُنّة أو أحزابهم أو فاعليّاتهم أو مرجعيّتهم الدينية، بل فقط إلى قرار من “حزب الله”. وما يسري على تكليف ميقاتي يسري على الاستحقاق الرئاسي وعلى تشكيل حكومة إدارة الفراغ، وعلى اختيار رئيس الوزراء في العهد المقبل.

يحتاج النواب السُنّة إلى فعل شيء لإثبات العكس.

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…