“الذئاب المنفردة”… رواية رشدي الجديدة

مدة القراءة 4 د

يمكن للعالم انتظار عمل جديد لسلمان رشدي. رواية جديدة تغوص بعيداً في أعماق المهاجرين لتلخّص كوامن صراع الهويّات بين الشرق والغرب، وصراع الثقافات أو الديانات. وبالإمكان اقتراح عنوان للرواية هو “الذئاب المنفردة”، في محاكاة لتجربته مع الاغتيال الذي حاول تنفيذه شاب لبناني استناداً إلى فتوى تاريخية. هي رواية قابلة لأن تجمع خلاصات أعمال رشدي وتكون أكثرها شمولية وعمقاً، يشرّح فيها دواخل نفوس المهاجرين الذين تطبّعوا في جانب منهم بمرتكزات المجتمع الأميركي في شهر السلاح والهجوم. وقد تكون هذه الرواية عملاً منتظراً يكون عليه إقبال كثيف يوازي الإقبال المتجدّد على رواية “آيات شيطانية”.

لن يكون من السهل مقاربة كتابات رشدي ثقافياً وفكرياً، ولا حصرها. والأكثر صعوبة وضع محاولة الاغتيال في سياق تنفيذ فتوى في توقيت سياسي عصيب، تحاول فيه إيران الخروج من “نزعة داعشية” يحاول كثر طبعها بها. وهي فكرة قد يطرحها رشدي في روايته المقترحة بالتعريج على قلعة “آلموت” حيث مكث حسن الصباح في تخيّلاته الغرائزية وحفّز الناس على الموت في سبيل الجنّة، فيستكمل روايته عن الشياطين برواية عن الحشّاشين، لتكون الرحلة من سمرقند إلى واشنطن، بدلاً من أن تكون في الطائرة من مومباي إلى لندن. من هذه الرحلة بالطائرة يبدأ رشدي روايته “آيات شيطانية”، التي انتقد فيها خرافات إسلامية وهندوسية، وشمل فيها أزمنة وطبائع اجتماعية وثقافية متعدّدة.

يكون من السهل مقاربة كتابات رشدي ثقافياً وفكرياً، ولا حصرها. والأكثر صعوبة وضع محاولة الاغتيال في سياق تنفيذ فتوى في توقيت سياسي عصيب

في الرواية فصل موسّع عن ظاهرة الثورة الإسلامية في إيران، وعن مرشدها روح الله الخميني، الذي يهاجمه رشدي واصفاً إيّاه بالغول الذي يبتلع الجماهير. كما تتناول الرواية جانباً هازئاً من رواية النبي محمد، تتضمّن تشكيكاً في فكرة النبوّة والقرآن. تميّز رشدي بنمط من الكتابة في رواياته يتضمّن جانباً كبيراً من الفانتازيا. وهو ينطلق من قلق داخلي لديه من تجربة الإسلام الهندي وعلاقته مع الديانات الأخرى، وخصوصاً البوذية. هو من الذين ينتمون إلى كتّاب المستعمرات السابقة باللغة الإنكليزية، أي الذين رفدوا الأدب الإنكليزي بثقافات غير إنكليزية. وفي ظلّ هذا مجتمعاً اتّسم بنقد عقلاني لبعض الخرافات الإسلامية، وبالتالي هو ناقد من قلب الكتاب.

 

المبارزة السنية الشيعية

ارتكزت فتوى الخميني على جانبين شخصي وديني. إذ تناول الكاتب جوانب من شخصية الخميني، لكنّ أسباب الفتوى دينية محضة، أصدرها مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد خروج تظاهرات غاضبة كثيرة في بلدان إسلامية متعدّدة، فقرّر أن يتقدّم الصفوف بإصدار فتواه. وهي فتوى سعى الإيرانيون كثيراً إلى طيّ صفحتها، ولا سيّما بعد بروز عصر محاربة الإرهاب، والسعي الإيراني إلى التقارب مع المجتمع الغربي من خلال تقديم الحرس الثوري طرفاً محارباً للإرهاب، خاصة بعد بروز تنظيم داعش. إنّ عملية واحدة نفّذها شاب له 24 سنة بإمكانها أن تقضي على سنوات من “الجهاد الإيراني” في سبيل “التغرّب” والإعلان عن التقدّم والتفوّق على العرب، أو على الإسلام السنّيّ بوصفه إرهاباً، أو باعتباره يختزن الإرهاب بخلاف التطوير الشيعي القائم على الاجتهاد.

 في كتابات رشدي، ولا سيما “أطفال منتصف الليل” و”زمن العار”، يمكن استكمال الفهم الثقافي والاجتماعي لواقع الهند وباكستان، من خلال إضاءته على معاناة المرأة المتجسّدة بأمّهات ثلاث لعمر الخيّام. فهو ركّز على نقد الغرب وفكرة الاستشراق، كما ركّز على نقد التخريفات التي تطبع المجتمعات الشرقية. وهي تلك القراءة التي ركّز عليها إدوارد سعيد أيضاً، في كتابه “الاستشراق”. وكان سعيد قد عبّر قبل وفاته عن ندمه على سكوته في الثمانينيّات عن التحريض على رشدي، وعدم التضامن معه. فيما كان أبرز المتضامنين ومنتقدي نظرية التحريم صادق جلال العظم.

إقرأ أيضاً: مسألة سلمان رشدي لا يمكن فيها الإنصاف ولا الحياد!

عاش جوزيف أنطون متخفّياً بعد الفتوى بقتله إلى لحظة الحادي عشر من أيلول. آنذاك تخلّى عن اسمه المستعار المركّب، من جوزف كونراد وأنطوان تشيخوف، وعاد لممارسة حياته. ثمّ أتت لحظة محاولة اغتياله، على وقع حاجة إيرانية إلى التقرّب من الأميركيين، لإظهار محاسن الثورة، وإبعاد سمة الإرهاب. إنّها لحظة سياسية قد تكون قاتلة، وقد لا تكون، لكنّها لحظة معطوفة على تسريبات أميركية بتحضير إيراني لاغتيال جون بولتون. ثمّة أيادٍ خفيّة أو شيطانية بالنسبة إلى إيران قد فعلت الفعلة لمنع الاتفاق، ولمنع الظفر الإيراني بقطف ثمار الوقوف فوق جماجم أهل الشرق الأوسط.

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…