خرج رئيس الجمهورية ميشال عون بعد مغادرة الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي قصر بعبدا صبيحة الأربعاء بانطباع أنّ “ميقاتي مصرّ على عدم تشكيل حكومة”.
فاتح عون قريبين منه بأنّ “نَفَس الزيارة ميّت وهامش التعديلات على تشكيلة 29 حزيران ضيّق ومُستفزّ لا يشي بنيّة إيجابية في التقدّم خطوة إلى الأمام”. مع ذلك وَعَد عون ميقاتي بالردّ عليه من دون تحديد موعد للزيارة المقبلة، لكن فوجئت رئاسة الجمهورية لاحقاً بخبر مسرَّب في الإعلام يتحدّث عن “أجوبة يفترض أن يسمعها ميقاتي من رئيس الجمهورية في اليوم التالي للزيارة أي الخميس”.
قريبون من ميقاتي: على الرغم من تأكيدات حزب الله المتكرّرة عن ضرورة تأليف حكومة فإنّ الحزب يلعب الدور الأكبر في تسهيل تشكيل الحكومة أو عرقلتها
لكن في واقع الأمر لم يتمّ الاتفاق بين الرجلين على موعد آخر. وقد تردّدت أمس معلومات عن احتمال لقاء رئيسَيْ الجمهورية والحكومة مجدّداً قبل أو بعد مشاركة ميقاتي في مراسم دفن نائب رئيس مجلس النواب السابق فريد مكاري في البلمند، لكن هذا الأمر لم يحصل.
في جلسة نصف الساعة بين الرئيسين طرح ميقاتي على عون تعديلين يتيمَيْن لم تكن حقيبة الطاقة واسم الوزير وليد فياض من ضمنهما، قائلاً لرئيس الجمهورية “إذا بدكم ياه يبقى أنا موافق كي لا يقال هناك نية باستهدافكم بحقيبة الطاقة”.
اقترح الرئيس المكلّف تبديل وزيرين فقط يؤثّران بنظره على الثقة التي ستنالها الحكومة في مجلس النواب، مؤكّداً لعون ضرورة تمثيل نواب عكار الجدد بوزير سنّيّ، قاصداً تعيين وزير آخر مكان أمين سلام لحقيبة الاقتصاد. وقال له حرفيّاً: “هناك نائب سنّيّ هو محمد يحيى ضمن تكتّل لبنان القوي الذي ترشّح على لائحة جبران باسيل وقريب منه، فليقترح ثلاثة أسماء ونختار، أنا وأنت، أحد هذه الأسماء”.
واقترح ميقاتي تعيين درزي آخر مكان الوزير عصام شرف الدين بعدما فقد طلال إرسلان صفته النيابية، وطرح على عون فكرة أن يسمّي وليد جنبلاط ثلاثة أسماء لحقيبة المهجّرين والنازحين ونختار واحداً منهم “بهدف إرضاء جنبلاط لرفع عدّاد أصوات الثقة للحكومة”، على حدّ تعبير ميقاتي.
لم يناقش عون الرئيس المكلّف مباشرة في اقتراحاته وبادره بالقول: “بردّ عليك خبر”، ووصل الخبر في اليوم التالي للرئيس المكلّف من خلال “وسيط” بأنّ “الرئيس ما بيمشي بالتعديلات”، وذلك إثر لقاء جَمَعَ عون وباسيل في القصر الجمهوري.
الحقيقة أنّ سبب الرفض الرئاسي هو رفض عون تغيير وزيرين هما حصراً من حصّة رئيس الجمهورية وباسيل فقط، وتوسيع هامش المشاركة لجنبلاط وميقاتي بتسميتهما، إضافة إلى رفض ميقاتي السير بحكومة تتضمّن ستّة وزراء دولة من العيار السياسي الصافي.
مصدر مطّلع لـ “أساس”: أيّ تقدّم على مستوى الحكومة لا يجوز تجاهله، لأنّ في اللحظة التي سيتمّ فيها حسم عدم انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية قد تولد حكومة في ربع الساعة الأخير من نهاية ولاية عون
هكذا ناقش ميقاتي رئيس الجمهورية في مسوّدته الحكومية “المرفوضة” من بعبدا بعد نحو شهر و20 يوماً من تقديمها له في 29 حزيران الماضي، على الرغم من تأكيده بُعَيد تكليفه أنّ “الخيارات ضيّقة والوقت مهمّ جداً”.
ما بين المحطّتين لقاءٌ يتيم في بعبدا ضمّ أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري خُصِّص فقط لتداول الموقف اللبناني الرسمي الموحّد الذي سمعه لاحقاً الوسيط الأميركي آموس هوكستين من ملفّ ترسيم الحدود البحرية.
بدلاً من تعبئة “فراغ الوقت” بأسماء الوزراء والحقائب وتحديد وجهة الإدارة الحكومية على مسافة أسابيع من نهاية الولاية الرئاسية استعرَت حرب البيانات بين بعبدا والسراي، و”شنّع” الفريقان بعضهما بالبعض الآخر إلى حدّ اتّهام التيار الوطني الحر رئيس الحكومة المكلّف بانغماسه في الفساد والصفقات والعمولات والسمسرات ووجود شبهات مالية عليه هي محطّ ملاحقة قضائية وفقدانه التمثيل الشعبي.
في تشكيلة ميقاتي الأولى التي رُفضت من رئيس الجمهورية وباسيل تبدّلت خمسة حقائب مع أسماء وزرائها وشملت وزارة المال (ياسين جابر بدلاً من يوسف خليل)، الطاقة ( وليد سنّو – سنّيّ بدلاً من وليد فياض – أرثوذكسي)، الاقتصاد (جورج بوشكيان – أرمني بدلاً من أمين سلام – سنّيّ)، الصناعة (وليد عساف – درزي بدلاً من بوشكيان)، والمهجّرين (سجيع عطية – أرثوذكسي بدلاً من عصام شرف الدين -درزي).
جنّ جنون باسيل من التركيبة الميقاتية التي “شالت وحطّت” في حصّة رئيس الجمهورية في الحقائب والطوائف والمذاهب من دون مناقشته مسبقاً فيها.
بدا تصريح ميقاتي يوم الأربعاء بعد لقائه عون وكأنّ شهراً ونصفاً على التأليف لم تمرّ حين قال “كان النقاش مع الرئيس حول التشكيلة التي قدّمتها في 29 حزيران. للحديث تتمّة، ووجهات النظر كانت متقاربة”.
بالتأكيد وجهات النظر لم تكن متقاربة والثقة مفقودة تماماً بين الرجلين. ثمّة شدّ حبال رئاسي عنوانه الأهمّ رئاسة الجمهورية قبل الحكومة، واللاعب الأكبر فيه داخليّاً حزب الله، وخارجيّاً تفاهمات اللاعبين الكبار. وآخر المحطّات إرسال طهران ردّها على مسوّدة نصّ الاتحاد الأوروبي النهائية لـ “إنقاذ الاتفاق النووي”، إلى مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد جوزيب بوريل، ورصد الردّ الأميركي عليها.
في هذا السياق قال وزيرالخارجية الإيراني: “إذا ردّت أميركا بواقعية ومرونة فسيحدث الاتفاق، وإذا لم تبدِ المرونة فسيحتاج الأمر إلى المزيد من الحوار”. لبنان لن يكون بالتأكيد بمنأى عن تجاذبات اللحظات الأخيرة الحاسمة في مسار الاتفاق النووي، وكثر يراهنون على تأثّر الاستحقاق الرئاسي برياح “النووي”.
يقول قريبون من ميقاتي: “على الرغم من تأكيدات حزب الله المتكرّرة عن ضرورة تأليف حكومة فإنّ الحزب يلعب الدور الأكبر في تسهيل تشكيل الحكومة أو عرقلتها حسب ما يعطي باسيل من هامش للمناورة أو استناداً إلى ما يريده الحزب من الحكومة المقبلة”.
لكن ما بات شبه محسوم أنّ “أسهم” رئاسة الجمهورية مرتبطة مباشرة بأسهم الحكومة. ترتفع أسهم الأولى فتنخفض الثانية، والعكس صحيح. هكذا بعدما غرقت المرجعيّات السياسية أخيراً في تحديد مواصفات رئيس الجمهورية، وعلى وقع اشتداد العِقَد المتحكّمة بآليّة اختيار ساكن بعبدا الجديد و”سيرته الذاتية” وتجدّد “حرب الإلغاء” بين جعجع وباسيل، لاحت ملامح “نشاط ملحوظ” على خطّ تشكيل الحكومة.
إقرأ أيضاً: بعبدا تؤكد: عون يخرج “في اللحظة المناسبة”؟
يؤكّد مصدر مطّلع لـ “أساس” أنّ “أيّ تقدّم على مستوى الحكومة لا يجوز تجاهله، لأنّ في اللحظة التي سيتمّ فيها حسم عدم انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية قد تولد حكومة في ربع الساعة الأخير من نهاية ولاية ميشال عون الرئاسية، وهذا احتمال سيبقى قائماً حتى اللحظة الأخيرة، بما في ذلك خيار تعويمها كما هي من دون أيّ تعديل على أن تنال مجدّداً ثقة مجلس النواب. والسبب محاولة لجم تداعيات حصول فراغ رئاسي في ظلّ حكومة “ناقصة” تصرِّف الأعمال”.
يضيف المصدر: “ما في ترسيم (ترسيم الحدود البحرية الجنوبية) ما في رئيس”. هي المعادلة التي باتت تتحكّم بانتخاب رئيس الجمهورية المقبل، فيما يتلهّى الداخل بمواصفات للرئيس أقرب إلى مواصفات انتخاب ملكة جمال.