الفلسطينيون في “طنجرة الضغط” الإسرائيلية

مدة القراءة 5 د

تتكثف يوميات الصراع بين الفلسطينيّين والإسرائيليين في القدس عاصمة الأديان السماوية التي تغول فيها التاريخ على الجغرافيا، وراح الدم يسطر حكايتها، تحت سياسة بروتوكول “طنجرة الضغط” المُدرج في جدول العمليات الأمنية والعسكرية للإحتلال الإسرائيلي.

بروتوكول “طنجرة الضغط” سبق لقوات الإحتلال أن إستخدمته لإغتيال المقاوم إبراهيم النابلسي القائد العسكري في “كتائب الأقصى” في التاسع من الشهر الجاري. ويقوم على إغلاق المكان الذي يتواجد فيه المطلوب ثم محاصرة المنزل  المقيم فيه والبدء بتدميره تدريجياً لكي يخرج المُحاصر لإلقاء القبض عليه، يموت تحت الأنقاض.

تزعم تل أبيب أنّ مثل هذه الهجمات يمكن أن تُفرغ حائط البراق من عشرات آلاف اليهود الذين يتردّدون عليه لأداء الطقوس التلموديّة، وهو ما يجعل العملية تهديداً استراتيجيّاً

وإذا كان الفلسطيني ينتصر بالتاريخ وينهزم بالجغرافيا تحت أنياب الدبّابات فإنّ الإسرائيلي الذي ينتصر بالجغرافيا ينهزم بالتاريخ وحقائقه. وفي هذا التوازن العجيب تفتح القدس معاركها الدائمة، إذ يحاول الإسرائيلي بكلّ ما يملك من أسلحة ومكر أَسْرَلة المدينة المقدّسة وتهويدها، وفرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى، ويطلق المستوطنين من حين إلى آخر، فيما يحاول الفلسطيني أن يذود عن المدينة المقدّسة حتى ولو بمسدس مزوّد بعشر طلقات.

في هذا السياق جاءت عملية أمير صيداوي العسكرية في المدينة،إذ فتح النار مستوطنين إسرائيليّين كانوا مقربة من حائط البراق في البلدة القديمة المحتلّة، فأصاب ثمانية منهم وتمكّن من الفرار. وقد شكّلت هذه العمليّة إنذاراً لسلطات الاحتلال، لأنّها من العمليات المُعقدة بسبب الإجراءات الأمنيّة المكثّفة المتّخذة في المكان الذي يعج بعناصر الشرطة والدوريّات وكاميرات المراقبة.

العملية العسكرية هذه شكلت قناعة إسرائيلية مفادها أنّ هجوم القدس لن يكون آخر الهجمات، وهو إذ يهدد سلامة المستوطنين، فإنه أيضاً يستهدف جوهر الوجود اليهودي في البلدة القديمة، التي تشهد توافد اليهود في هذا الوقت من كلّ عام.

وتزعم تل أبيب أنّ مثل هذه الهجمات يمكن أن تُفرغ حائط البراق من عشرات آلاف اليهود الذين يتردّدون عليه لأداء الطقوس التلموديّة، وهو ما يجعل العملية تهديداً استراتيجيّاً.

في هذا الإطار، ذكر الكاتب في صحيفة “إسرائيل اليوم”، نداف شرغاي، أنّ “عملية القدس تُعتبر من وجهة نظر الفلسطينيين ناجحة تماماً، ولا سيّما عندما يتعلّق الأمر بالقدس ومقدّساتها. أمّا من وجهة نظر إسرائيل، فالعمليّة تُعتبر تهديداً حقيقيّاً لجوهر الوجود اليهودي في القدس القديمة وللأماكن المقدّسة فيها، لأنّنا قبل أسبوعين فقط من شهر أيلول الذي سيأتي فيه عشرات الآلاف من اليهود لزيارة حائط البراق من أجل طقوس الغفران، وهو ما يجعل من هذا الهجوم علامة تحذير لهم”.

إلى ذلك، يواصل الاحتلال الإسرائيلي فرض حالة تأهّب واستنفار في المدينة على رغم مرور ثلاثة أيام على قيام منفذ العملية أمير صيداوي بتسليم نفسه ومسدسه إلى شرطة الإحتلال، بعدما حاصرت قوات الاحتلال بلدته سلوان واحتجزت عدداً من أفراد أسرته وأخضعتهم للتحقيق الإستخباراتي. المخابراتي، فيما كان البحث جارياً عنه.

ما يقلق الأجهزة الإسرائيلية على نحو خاص هو احتمال أن يقوم أحدٌ ما بالتشبه عبمليّة صيداوي، خصوصاً أنّ الأخير لم يكن مدرجاً أو معروفاً في شبكات الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية

الناطق بإسم الشرطة الإسرائيلية في القدس المحتلّة العميد إيلي ليفي أعلن إنّ “الشرطة وجهاز الأمن العام الشاباك قاما بتفعيل بروتوكول “طنجرة الضغط”، وهو مصطلح يستخدمه الاحتلال لتنفيذ نوع معيّن من العمليّات ضدّ منفّذي الهجمات أو المطلوبين”.

وما يقلق الأجهزة الإسرائيلية على نحو خاص هو احتمال أن يقوم أحدٌ ما بالتشبه عبمليّة صيداوي، خصوصاً أنّ الأخير لم يكن مدرجاً أو معروفاً في شبكات الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية.

يذكّر وقوع مثل هذه الهجمات بالقرب من حائط البراق الأجهزة الإسرائيلية بالهجمات التي حدثت من قبل وخلقت تهديداً مماثلاً لليهود. صحيح أنّ أجهزة الأمن والجيش تمكّنت من منع تقليد منفّذي هذه الهجمات، وعدم تحويلها إلى موجة متلاحقة، لكنّ السياسة الإسرائيلية بهذا الخصوص لم تتّسم بالطابع الاستراتيجي، بل التكتيكي الآنيّ فقط، وهو ما جعل من عودة هذه العمليات أمراً متوقّعاً في أيّ لحظة.

واعتبر مراقبون أنّ العملية لها وقع خاصّ لأنّها تأتي بعد العملية الدامية في نابلس التي استشهد فيها إبراهيم النابلسي واثنان من رفاقه، وبعد العملية العسكرية على قطاع غزّة.

سياسة طنجرة الضغط الإسرائيلية هي نفسها التي تعمل بها إسرائيل في غزّة لكن بشكل وآليّة مختلفين، إذ يتمّ تحويل غزّة إلى سجن كبير، عبر التحكّم بالإحتياجات الإنسانية وبالمعابر وحركة المسافرين من وإلى غزّة، وذلك بهدف مقايضة الأمن برفع جزئي للحوار.

السياسة عينها تُمارَس في القدس وعليها منذ إحتلال المدينة في العام 1967، وذلك عبر منع إعطاء رخص بناء للمقدسيّين، وغيره من الإجراءات التعسّفيّة والقوانين الجائرة التي تجعل من المدينة أرضاً طاردة للمقدسيّين، بهدف الاستيلاء عليها، وتهويدها.

إقرأ أيضاً: اسرائيل أوقعت “الجهاد” في الفخ؟

هذا الأمر يسري أيضاً على الضفة من خلال تعزيز الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين ومصادرة المزيد من الأراضي وشلّ حركة الفلسطينيين.

باختصار، فإن سياسة “طنجرة الضغط” هي تلخيص لِما يعانيه الفلسطيني يوميّاً، وهي حلقة من مسلسل طويل.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…