يخوض التيار الوطني الحرّ ورئيسه النائب جبران باسيل معركة رئاسة الجمهورية بسلاح “التمثيل الشعبي” هذه المرّة كـ “ميزة أولى” لمن سيتولّى موقع رئاسة الجمهورية، وفق ما جاء في بيان المجلس السياسي للتيّار أمس. وكان سبق للنائب باسيل أن لوّح بهذا المعطى كـ”شرط إلزامي” يشترط أن يتوافر في خليفة ميشال عون.
في المقابل، دشّن سمير جعجع أمس من معراب المواجهة الكبرى مع مرشّح “محور الممانعة”، أيّاً كان اسمه، ذاهباً إلى حدّ التلويح بتعطيل نصاب انتخاب رئيس الجمهورية “منعاً لوصول رئيس للممانعة، الذي يختلف عن أنواع التعطيل الأخرى”، وذلك خلافاً لأدبيّات القوات التي سبق أن رفضت مبدأ مقاطعة المؤسّسات الدستورية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. من بين السطور كان جعجع يقطع الطريق أمام أيّ احتمال لسير القوات بترشيح سليمان فرنجية على الرغم من كسر الجليد السياسي بين الطرفين، فيما القبول بجبران باسيل غير وارد أصلاً. وذلك بأن حذّر من أنّ انتخاب رئيس ممانع سيأخذ البلاد إلى مزيد من العزلة العربية والدولية إلى مزيد من الفقر. وغمز جعجع من قناة بعض الدول المعنية، بالسخرية من أنّها “تدعونا إلى أن نتفق… والله ما كنّا منتبهين إنو لازم نتفق”.
وفق معلومات “أساس” دشّن نواب قوى التغيير سلسلة اجتماعات للبحث في مسألة الاستحقاق الرئاسي في محاولة للتوافق على اسم لدعمه في يوم الانتخاب من دون أن تتوسّع هذه الاجتماعات
هكذا تقدّم فجأة إلى الواجهة طرحان رئاسيّان متضادّان وسط صمت دولي في ما يتعلّق برئاسة الجمهورية يقابله صمت أكبر من حزب الله:
– طرح باسيليّ يتحدّث عن رئيس ذي “تمثيل شعبي” لا مجال لتجاوزه.
– طرح قوّاتي تجاهل تماماً هذا المعطى متحدّثاً عن “رئيس يتمّ التوافق عليه بين قوى المعارضة ولديه حدّ مقبول من البعد السياديّ وحدّ أقصى من الوضعية الإصلاحية”، مؤكّداً “أنّنا نعمل على هذا الاحتمال الآن”.
نهاية “المسيحي القوي”
يمكن الجزم أنّ “العقل العميق” للعونيّين انتقل، على مشارف نهاية ولاية “الجنرال”، من ضفّة فرض شرط “التمثيل المسيحي أوّلاً” إلى “التمثيل الشعبي أوّلاً”، وطيّ صفحة “الرئيس المسيحي القويّ”.
هي تكويعة فرضتها، كما تقول أوساط قريبة من التيار، خلاصات تجربة “الرئيس القوي” (مسيحياً) و”خوض تيّار باسيل بدءاً من مرحلة ما بعد 31 تشرين الأوّل معركة الدولة المدنية وتغيير النظام والذهاب أكثر فأكثر صوب الخطاب المَدنيّ الخارج من عباءة الاصطفافات الطائفية”.
يتّكئ باسيل، وفق المعطيات، على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي أظهرت أنّ التيار الوطني الحرّ هو الحزب الوحيد الذي نال مرشّحوه عدداً كبيراً من الأصوات من باقي الطوائف بنسبة تناهز الـ15%. وهو الأمر الذي لم يتوافر للقوات اللبنانية والكتائب وتيار المردة ولا حتى لحزب الله وحركة أمل. يتّكئ أيضاً على حجم كتلته النيابية الأكبر (مع الحلفاء) وعلى عدد المحازبين ضمن كتلته الذي يفوق النواب المحازبين في الأحزاب المسيحية الأخرى، مسخّفاً نظرية الأصوات التفضيلية الأعلى التي نالها نوّاب القوات.
لائحة “فيتوات” باسيل
يترافق هذا الموقف مع فيتو يضعه باسيل على لائحة من المرشّحين لا يتمتّعون بهذه “الميزة”:
– رفض انتخاب سمير جعجع الذي لا امتداد شعبيّاً لحزبه بشهادة الأرقام حتّى لو تقدّم مسيحياً.
– رفض ترشيح سليمان فرنجية الذي يمون على كتلة حجمها نائب واحد و”منفوخة” بثلاثة نوّاب، ولم يتجاوز “وهجه” السياسي بعد عتبة الشمال، إذا احتسبنا وليم طوق في بشرّي.
– رفض تبنّي ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون انطلاقاً من مبدأ رفض استمرار “عادة” تسهّل “وصول العسكر إلى رئاسة الجمهورية” وبسبب الخلاف المستحكم بين الطرفين.
– رفض ترشيح رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود للعديد من الاعتبارات، وآخرها اتّهام التيار الوطني الحرّ عبر مكتبه السياسي لعبّود بتعطيل سير العدالة في التحقيق بجريمة المرفأ “بفعل قرارات اتّخذها عمداً مَن يتحمّلون المسؤولية عن تكبيل المحقّق العدلي من سياسيّين وقضاة، ومن بينهم القضاء الأعلى ورئيسه الذين يتوجب أن يكونوا مصدراً للحلّ وليس جزءاً من المشكلة.”
– في ما يخصّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فالرجل خرج منذ زمن من دائرة المرشّحين للرئاسة، بفعل الأزمة المالية التي يتحمّل جزءاً من مسؤوليتها.
يمكن الجزم أنّ “العقل العميق” للعونيّين انتقل، على مشارف نهاية ولاية “الجنرال”، من ضفّة فرض شرط “التمثيل المسيحي أوّلاً” إلى “التمثيل الشعبي أوّلاً”، وطيّ صفحة “الرئيس المسيحي القويّ”
أمّا باقي المرشّحين الذين يتمّ التداول بأسمائهم في بورصة الترشيحات، منهم مَن هو مدعوم من بكركي أو الفرنسيين أو الأميركيين، فيتعاطى باسيل مع ترشيحاتهم من زاوية واحدة لا غير بعد استبعاد التمثيل المباشر الذي يسلّم، من دون أن يقول، بأنّه بات صعباً عليه وعلى منافسيه من نادي المرشّحين التقليديين.
شروط جعجع
الممرّ الإلزامي بالنسبة إلى باسيل هو “أن نتّفق مع فرنجية والقريبين منه بالسياسة على شخص، وممكن أن نتّفق مع القوات على شخص. همّي الأوّل هو التمثيل. إذا مش حدن منّا لازم ننقل تمثيلنا لشخص آخر. بس ما بيقدر يجي حدن مقطوش أو معزول من هذا التمثيل على الرئاسة. هذا مرفوض بالمطلق”.
هذا الاقتراح الباسيلي تجاهله جعجع بالكامل حاصراً خيار التوافق فقط بين أحزاب المعارضة في وجه مرشّح الممانعة، متحدّثاً عن أربعة احتمالات في الانتخابات الرئاسية:
– أن تتّفق المعارضة بكلّ أطيافها على مرشّح واحد لديه حدّ مقبول من البعد السيادي وحدّ أقصى من الوضعية الإصلاحية، “ونحن نعمل على هذا الاحتمال الآن”.
– وصول رئيس من فريق 8 آذار، وهنا يقول “على الدنيا السلام”، مؤكّداً معارضة القوات “لوصول أيّ رئيس من فريق “محور الممانعة” بكلّ ما أوتينا من قوّة”.
– وصول رئيس توافقي على طريقة “أبو ملحم” لـ”فكّ المشكلة”، ولكن نحن اليوم لا نبحث عن فريق “يفكّ مشكل” بل رئيس يعالج المشكلة، كما يقول، مستبعداً هذا الخيار، “فهل يستطيع مثلاً الرئيس التوافقي وقف التهريب ولـ”حزب الله” أكثر من نصف التهريب”؟!
– وصول رئيس بالحدّ الأدنى سيادي وبالحدّ الأدنى إصلاحي، والمجموعات المعارضة هي الوحيدة القادرة على إيصال رئيس كهذا.
وتوجّه جعجع إلى جميع أحزاب المعارضة، بما في ذلك الحزب التقدّمي الاشتراكي: “للجلوس على طاولة البحث للتفاهم والخروج بلجنة تنسيق مطلوبة للتوصّل الى اسم واحد لرئاسة الجمهورية”، مؤكّداً أنّه “مرشّح طبيعي لرئاسة الجمهورية، لكنّ هذا الأمر يتوقّف على وحدة المعارضة، والمطلوب اليوم إيصال شخصية واحدة نتوافق عليها للوصول إلى رئاسة الجمهورية”.
إقرأ أيضاً: لا دعوة في أيلول لانتخاب رئيس للجمهوريّة
وفق معلومات “أساس” دشّن نواب قوى التغيير سلسلة اجتماعات للبحث في مسألة الاستحقاق الرئاسي في محاولة للتوافق على اسم لدعمه في يوم الانتخاب من دون أن تتوسّع هذه الاجتماعات لتشمل حتى الآن أحزاب المعارضة الأخرى كالقوات والكتائب والاشتراكي. وعلى ما يبدو تنقسم الآراء داخل قوى التغيير بين مرحّب باستقطاب أحزاب المعارضة لخوض معركة رئاسة الجمهورية وبين رافض لهذا التوجّه مذكّراً بأنّ “جعجع نفسه هو من خاض معركة إيصال ميشال عون إلى الرئاسة قبل ستّ سنوات”.