إيران تطلق النار على هوكستين: مهمّته مشبوهة!

مدة القراءة 5 د

قبل أن يغادر الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكستين لبنان، كانت افتتاحية صحيفة “كيهان” الناطقة باسم المحافظين في إيران تطلّ تحت عنوان: “هوكستين ومهمّته المشبوهة في بيروت”. فهل هذا الهجوم الإيراني على الوساطة الأميركية لحلّ النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، هو إشعار مبكر بأنّ هذا هو الموقف الذي سيتّخذه “حزب الله” من هذه الوساطة؟

قبل عرض فحوى افتتاحية الصحيفة الإيرانية الرسمية، لا بدّ من ملاحظة أنّ قبول الحزب بمعاودة هذه الوساطة بدا وكأنّه جاء على مضض، وقد عبّر عن ذلك الأمين العامّ لحزب الله حسن نصرالله يوم وصول المسؤول الأميركي إلى بيروت في زيارة جديدة انتهت إلى تغليب منطق التفاؤل على منطق التشاؤم بشأن مسار قضية الترسيم. فهو قال في كلمة له في أولى ليالي عاشوراء إنّه “في ضوء نتائج المفاوضات (غير المباشرة مع كيان العدو حول ترسيم الحدود البحرية) نحدّد كيف سنتصرّف في الآونة المقبلة”. لكنّه جدّد التأكيد “أنّنا لسنا طرفاً في التفاوض، ولم نكلّف أحداً للتفاوض عنّا كحزب، والمفاوضات مسؤوليّة الدولة، وفي مقدَّمها رئيس الجمهورية”.

ربّما يجد البعض أنّ هناك مبالغة في تكبير حجم الحملة الإيرانية على وساطة هوكستين، الذي غادر بيروت على أن يعود مجدّداً إلى لبنان كي يشهد على انطلاق قطار المفاوضات مجدّداً

في موازاة ذلك، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري، حليف الحزب، يستبق وصول هوكستين إلى بيروت، فأبلغ الصحافيين أنّه يأمل الذهاب إلى الناقورة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل برعاية الأمم المتحدة، وتحت علمها، وبوساطة أميركية، مؤكّداً أنّ “العودة إلى الناقورة أفضل من الذهاب إلى مكان آخر”. وأشار إلى أنّ الكلام الذي سمعه اللبنانيون “يشير إلى أنّ الأمور غير بعيدة” عن التوصّل إلى حلّ يعيد استئناف المفاوضات.

في انتظار جلاء غموض هذا التناقض بين موقفَيْ برّي ونصرالله ، قالت “كيهان” في افتتاحيّتها: “تزامن عرض حزب الله لفيديو يُظهر فيه مشاهد منصّة كاريش بكاميرا حرارية متقدّمة تخصّ سلاحاً صاروخياً من النوع المتخصّص بالألغام مع أهداف بحريّة، مع وصول ما يسمّى بالمبعوث الأميركي هوكستين إلى لبنان لبحث مسألة المنطقة المتنازع عليها، وهي رسالة بليغة وموجزة تحمل من المعاني الكثيرة التي يجب على العدوّ وحماته أن يتفهّموها”. أضافت: “لا بدّ للرأي العام العالمي واللبناني، وخاصة وكلاء أميركا في لبنان، أن يدركوا حقيقة أنّ هوكستين ليس موفداً عادياً من الخارجية الأميركية أو غيرها، إنّه في الحقيقة موفد للبيت الأبيض من أجل استثمار الطاقة في لبنان”. وخلصت إلى القول: “رسالة حزب الله البليغة والموجزة: اللعب بالنار غير مفيد. إنّ تهديد حزب الله هو تهديد جدّي يستطيع من خلاله وقف العدوّ الصهيوني من المضيّ في نشاطاته في هذا الحقل”.

كان رئيس مجلس النواب نبيه بري، حليف الحزب، يستبق وصول هوكستين إلى بيروت، فأبلغ الصحافيين أنّه يأمل الذهاب إلى الناقورة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل برعاية الأمم المتحدة

فيول إيران أيضاً

على طريقة “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”، أوردت وكالة “إسنا” الإيرانية شبه الرسمية ما صرّح به المدير العام في قسم غرب آسيا وشمال الشرق الأوسط بوزارة الخارجية من أنّ طهران علي استعداد لاستضافة اللبنانيّين من أجل الحوار بشأن تزويدهم بالوقود المطلوب. وقد کتب محمد صادق فضلي عبر تغريدة علي تويتر أنّ “الجمهورية الإسلامية الإيرانية کأحد أکبر المنتجين والمصدّرين للطاقة في المنطقة قد وقفت إلي جانب الشعب اللبناني لمساعدته، وهي مستعدّة لاستضافة اللبنانيين من أجل الحوار بشأن تزويدهم بالوقود المطلوب”. وأضاف قائلاً: “نحن لن نترك أصدقاءنا في الأيام الصعبة” .

تماهياً مع الحملة الإيرانية على الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل نقلت وسائل الإعلام الإيرانية تصريحاً لوزير النفط في النظام السوري بسام الطعمة جاء فيه أنّ “دمشق تؤيّد خط نقل الغاز من مصر عبر أراضيها وصولاً إلى لبنان، إلا أنّ الأميركيين يعرقلون الأمر”. وقال إنّ “واشنطن تمارس الضغوط بشكل مباشر على البنك الدولي بقصد حجب التمويل عن لبنان، وتحول دون تحقيق هذه الخطوة التي منّت بها على اللبنانيين منذ ما يقارب العام فيما بقيت مجرّد أوهام”.

يرسم المعلِّق المقرَّب من “حزب الله” العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني شارل أبي نادر الصورة الشاملة لهذا الاستنفار الإيراني ضدّ وساطة هوكستين، إذ يبلغ وكالة “مهر” الإيرانية شبه الرسمية أنّه “يجب أن يستفيد لبنان من هذه المعادلات العسكرية التي فرضتها المقاومة اللبنانية، لناحية حماية وتحصين سيادته، ولناحية حقوقه في المياه والغاز”. ويقول: “اليوم، بعد معادلة ما بعد بعد كاريش، لا مفرّ للعدو من الموافقة على العرض اللبناني أو تسوية الأمر الواقع: حقل قانا مقابل حقل كاريش على أن تُرفع عن لبنان قيود الاستخراج في الحقول والبلوكات الأخرى”.

إقرأ أيضاً: سرّيّة وإيجابيّة مُفرطة: الترسيم البحريّ “يَغزُل بأرضه”!

ربّما يجد البعض أنّ هناك مبالغة في تكبير حجم الحملة الإيرانية على وساطة هوكستين، الذي غادر بيروت بعد زيارة استمرّت يومين على أن يعود مجدّداً إلى لبنان كي يشهد على انطلاق قطار المفاوضات مجدّداً في الناقورة. لكن وسط هذه الموجة الكبيرة من التفاؤل لا بدّ من إبقاء العين مفتوحة على موقف من قال يوماً خلال حرب عام 2006: “لو كنت أعلم”، ثمّ أعلن بعد الحرب عن “النصر الإلهي”. إنّه نصرالله، الذي لخّص موقفه في المقابلة المطوّلة التي أجراها معه غسان بن جدّو على شاشة قناة “الميادين”، حين قال: “بالنسبة لي المشهد عندي، مشهد إسرائيل، هو مشهد ناس ضبّت شنطها وذاهبة إلى المطارات والموانئ والمعابر الحدودية مع مصر ومع الأردن، هذا المنظر الذي في بالي، هذا كيان ليس له مستقبل”.

هكذا يفكّر نصرالله ومن ورائه إيران. وفي ضوء ذلك، فلننتظر كيف ستكون خاتمة مهمّة هوكستين؟

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…