تقول مصادر عليمة لموقع “أساس” إنّ “الثمن” الوحيد لتخلّي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس تكتّل لبنان القوي جبران باسيل عن ورقة رئاسة الجمهورية وإفساح المجال أمام انتخاب رئيس جمهورية آخر، غير نائب البترون، هي سلّة توافقات تجعل الإمرة بيد باسيل في تحديد اسم قائد الجيش الجديد وحاكم مصرف لبنان الجديد والتعيينات المسيحية لموظّفي الفئة الأولى في السلك الإداري والمؤسّسات الأمنيّة والعسكرية والقضائية، وإجراء مداورة شاملة أو جزئية في أولى حكومات العهد الجديد تنقل وزارة المال أو الداخلية إلى ملعب المسيحيين، وإنّ أيّ تسوية رئاسية لا بدّ أن تخرج من “خرم” هذه الشروط وإلّا فلا رئاسة.
هو “تقدير” سياسي ستتّضح صورته أكثر فأكثر مع تلاشي فرص وصول جبران إلى رئاسة الجمهورية. فحتّى الآن، وفي مقابل تعميم معطيات في الإعلام والكواليس السياسية عن انعدام فرص انتخاب باسيل لرئاسة الجمهورية، فإنّ هذا الاستنتاج لا مكان له في أجندة رئيس التكتّل الذي ينطلق في نظرته إلى الملفّ الرئاسي من ثلاث زوايا:
– لا كلام في الموضوع قبل ربع الساعة الأخير من مغادرة ميشال عون قصر بعبدا. وقد دأب باسيل طوال السنوات الماضية على تكرار لازمة “لا أسمح لنفسي بالكلام في الرئاسة بوجود ميشال عون في بعبدا”. لكنّ الاقتراب من المهلة الدستورية لاستحقاق 31 تشرين الأول يُسقِط هذا الاعتبار. بدا لافتاً في هذا السياق إعادة تفعيل باسيل لمنصّة “دقيقة مع جبران” التي أطلقها في مرحلة الانتخابات النيابية، وقريباً ستتحوّل، بتأكيد قريبين منه، إلى منصّة لإطلاق مواقف أكثر وضوحاً في استحقاق رئاسة الجمهورية.
تتحدّث معلومات عن مساعي وسطاء لكسر حالة الجفاء وتقريب وجهات النظر بين بكركي وحزب الله في أكثر من ملفّ
– وجود قناعة لدى باسيل بأنّه ما يزال الأقوى مسيحيّاً على الرغم من تراجع عدد أعضاء كتلته الحزبية والنيابية في الانتخابات الأخيرة في مقابل ارتفاع عدد أعضاء كتلة نواب القوات، لأنّه حافظ على “نواته” المسيحية الصلبة في مواجهة أشرس معركة خيضت ضدّه منذ دخوله غمار السياسة، وفق قوله. ويُفترض أن يكون ثمن أيّ تنازل على هذا المستوى عالياً جدّاً، ومن ضمنه “الفوز” بمعركة ترسيم الحدود البحرية بدعم ومؤازرة حزب الله. الأهمّ هي قناعة باسيل بأنّ “مواصفات” رئيس الجمهورية التي حدّدها البطريرك بشارة الراعي أخيراً تسقط حكماً حين لا يتوافر في المرشّح المقبل للرئاسة معيار التمثيل الشعبي. وفق هذا الشرط، حتى سليمان فرنجية نفسه “يَرسب” في الامتحان!
– ما دام دستور الطائف هو الحاكم بأمره فلا قدرة لأيّ رئيس جمهورية على فرض شراكة حقيقية في الحكم. في تجربة الستّ سنوات فرضت “شخصية” ميشال عون نفسها بفضل مواجهته قوى الأمر الواقع “بأسنانه وأظافره” مستخدماً صلاحيّات لم تخطر على بال أحد من رؤساء الجمهورية، ومنها إرسال رسائل إلى مجلس النواب أو إلزام أيّ رئيس حكومة مكلّف بـ “دفتر شروط” لتوفير الشراكة الدستورية في التأليف، وإيقاف تشكيلات قضائية، وصولاً في السياسة إلى حدّ استدعاء حاكم مصرف لبنان وتأنيبه. بتقدير باسيل، ميشال عون وحده يفعل ذلك، والرئاسة المقبلة تحت سقف الطائف تفرض الإمساك بمفاصل الحكم الأساسية في العسكر والأمن والقضاء والحاكمية في استكمال للتمدّد العونيّ والباسيليّ في إدارات ومؤسّسات الدولة. فرئاسة الجمهورية، وما دام النظام لم يخضع لتعديل، هي منصب فخري للمسيحيين لا أكثر. في العقل التكتيكي لدى جبران: الرئاسة ستكون عام 2028 إذا لم تكن عام 2022!
بين بكركي وحزب الله
يرى كثيرون اليوم أنّ خوض باسيل معركة ترسيم الحدود البحرية الكتف على الكتف مع حزب الله قد يكون له ثمنه في رئاسة الجمهورية وما بعد مرحلة ميشال عون.
لقد تقصَّد باسيل إطلاق سلّة مواقف حول ترسيم الحدود قبل كلام السيّد حسن نصرالله ليل الخميس لعدم الإيحاء بالتبعيّة، لكنّ ذلك لم يُلغِ التماهي الكامل بين الطرفين الذي عكسه نائب البترون من خلال رفعه “معادلة الأمن على البرّ يجب أن تكون مثلها واضحة بالغاز في البحر”، وبالتأكيد أنّ “ورقة المقاومة عنصر قوّة للبنان”.
لكن حتّى الآن لم يُرصَد موقف، ولو من باب التلميح، لحزب الله في الملفّ الرئاسي، بعكس خوضه علناً على مدى سنتين ونصف سنة معركة إيصال ميشال عون لرئاسة الجمهورية. صار ملف الرئاسة على طاولة الحزب، بتأكيد مطّلعين، لكن ليس من نائب أو وزير أو قيادي قادراً على إعطاء موقف أو معلومة لأنّ الصورة لم تتبلور بعد.
في هذا السياق تتحدّث معلومات عن مساعي وسطاء لكسر حالة الجفاء وتقريب وجهات النظر بين بكركي وحزب الله في أكثر من ملفّ، من ضمنها ملفّ رئاسة الجمهورية بعد انقطاع التواصل في الفترة الماضية.
يرى كثيرون اليوم أنّ خوض باسيل معركة ترسيم الحدود البحرية الكتف على الكتف مع حزب الله قد يكون له ثمنه في رئاسة الجمهورية وما بعد مرحلة ميشال عون
في صالونات القريبين من دائرة حزب الله لا تتخطّى الأحاديث عتبة ارتياح الحزب لوصول شخصيات مثل سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية أو مَن “يُمثّل الخط” من دون إعطاء رأي في دعم وصول فرنجية أو باسيل إلى قصر بعبدا مع التسليم بأنّ “انتخاب فرنجية يمرّ عبر جبران”، فيما الرأي معروف في شخصيات أمثال سمير جعجع وميشال معوّض.
لكنّ المؤكّد، وفق أوساط الحزب، أنّ في لحظة غياب الرئيس سعد الحريري عن الساحة الداخلية وقراره “الاعتزال المؤقّت” وضياع البوصلة سنّيّاً لن يكون من عروض قوّة لحزب الله في ملف رئاسة الجمهورية تماماً كما بقي الحزب خلف الكواليس في ما يتعلّق بتشكيل حكومة نجيب ميقاتي الأولى أو وقوفه على الحياد في مفاوضات التأليف بعد تكليف ميقاتي مجدّداً، وتماماً كما لم يتصرّف على أساس أنّه “أب” الأكثرية في مجلس النواب الحالي.
في هذه النقطة تحديداً تعبّر شخصيات من حزب الله صراحة عن امتعاضها من الرئيس ميقاتي الذي ساير السعوديين وسلّفهم ورقة عدم ترشّحه إلى الانتخابات النيابية فاسحاً في المجال أمام انكسار الميزان في الشمال وحصول خروقات من ضمنها وصول نائب قوّاتي إلى البرلمان في طرابلس وتقوية “عود” أشرف ريفي.
إقرأ أيضاً: فرنجيّة قريباً إلى الحلبة الرئاسيّة… رسميّاً
مع ذلك، يقول هؤلاء: لم تغيّر السعودية رأيها في ميقاتي وصولاً إلى عدم التجاوب مع طلب لقائه مسؤولين سعوديين خلال أدائه مناسك الحجّ، الأمر الذي دفعه إلى العدول عن قراره بالذهاب إلى المملكة والقيام برحلة استجمام خاصّة مع عائلته قضاها بين لندن وسردينيا.