أقرّت الهيئة العامّة للكنيست، في قراءة تمهيدية، مشروع قانون يمنع رفع العلم الفلسطيني في الجامعات الإسرائيلية، ومؤسّسات تموّلها الحكومة، وذلك بدعم وتأييد 63 عضو كنيست ومعارضة 16.
صوّت رئيس الحكومة نفتالي بينيت ونواب اليمين في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي للقانون الذي طرحه حزب الليكود، برئاسة بنيامين نتانياهو. فرفع أعلام فلسطين في جامعتَيْ تل أبيب وبن غوريون في بئر السبع في خلال تظاهرتين، نظّمهما الطلاب العرب لمناسبة ذكرى النكبة، قد أثار حفيظة اليمين داخل الحكومة وفي المعارضة. وقال وزير المال الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إنّه يدرس سحب ميزانيات من جامعة بن غوريون بسبب تصريحها للطلاب العرب بالتظاهر إحياءً لذكرى النكبة.
من جهته، اعتبر رئيس جامعة بن غوريون البروفيسور دانيال حايموفيتش، خلال اجتماع لجنة التربية والتعليم التابعة للكنيست، أنّ “الجامعات ليست معزولة عن المجتمع الإسرائيلي، وهي تعكس ما يحدث داخله، ونحن نعيش في وضع معقّد ديموغرافيّاً وجغرافيّاً”.
يأتي ذلك في ظلّ النزعة الإسرائيلية العدوانية المتصاعدة ضدّ العلم الفلسطيني، إذ تقمع أجهزة الأمن الإسرائيلية جميع الفعّاليات التي تشهد رفع العلم الفلسطيني في مناطق الـ48 ومدينة القدس والضفة الغربية المحتلّتين. فيما يشنّ مستوطنون، منذ أيام، هجمات على قرى وبلدات فلسطينية تمرّ فيها مركباتهم، ويعملون على إزالة الأعلام الفلسطينية من شوارعها.
أقرّت الهيئة العامّة للكنيست، في قراءة تمهيدية، مشروع قانون يمنع رفع العلم الفلسطيني في الجامعات الإسرائيلية
في الوقت نفسه، أصرّ بينيت على تنفيذ المستوطنين مسيرة الأعلام الإسرائيلية في القدس وباحات الأقصى، وعدم إلغائها أو تعديل مسارها في يوم ما تسمّيه إسرائيل “توحيد القدس”، على الرغم من كلّ المحاذير الأمنيّة. وكان بينيت واكب المسيرة بنفسه، وتعهّد بأن لا تُقسّم القدس أبداً، معتبراً أنّ التلويح بالعلم الإسرائيلي في مدينة القدس هو أمر طبيعي.
معركة “العلَمَيْن”
بدا واضحاً أنّ إسرائيل لم تقدّم هذه المرّة لحركة حماس ذلك الربط الذي تريده لنفسها، وكيف تصوّر نفسها “”درع للقدس”، بما يكرِّس معادلة غزّة – القدس. وتمكّن بينيت من تغيير قواعد الاشتباك التي فرضتها المقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس، بعدما مرّت مسيرة الأعلام بدون ردّ صاروخي من قبل حماس.
لقد أصرّ بينيت ومعه القيادة الأمنيّة والعسكرية لإسرائيل على عدم إلغاء أو تعديل مسيرة الأعلام، حتى لا تظهر إسرائيل وكأنّها خائفة من حركة حماس وضعيفة، واعتبر وزير الأمن الداخلي عومر بارليف أنّ تنظيم “مسيرة الأعلام” في مسارها المحدّد سلفاً كان قراراً صحيحاً، لافتاً إلى أنّ الاستسلام لِما سمّاه “التهديدات الإرهابية” من شأنه أن يُلحق الضرر بالردع الإسرائيلي.
أمّا بالنسبة إلى بينيت فمسيرة الأعلام كانت امتحاناً كبيراً له بسبب الأخطار السياسية المرتبطة بهذه المسيرة، وظروف حكومته شبه المنتهية، فكان لا بدّ له أن يظهر كأحد صقور اليمين، وخصوصاً أنّ حكومته أصبحت قائمة على صوت واحد، وتلقّت ضربات في الأيام التي سبقت المسيرة، ومنها استقالة أمين أسراره، طل غان تسفي، واستقالة مستشارته السياسية شمريت مئير.
هذه المرّة كان تقدير جهاز الأمن أنّ حماس ما زالت مردوعة من عملية سيف القدس، وهي منشغلة بترميم الأضرار التي لحقت ببنيتها العسكرية، وليست جاهزة لجولة تصعيد جديدة مع إسرائيل، والأهمّ أنّ إسرائيل سيطرت على سماء غزة بالطائرات الحربية الموضوعة على أقصى جهوزية قبل بدء المسيرة، وكان الجيش الإسرائيلي على مشارف قطاع غزة في إطار مناورات عربات النار، ولذلك رأت حركة حماس أنّ أيّ ردّ صاروخي على المدن الإسرائيلية سيكون انتحاراً عسكرياً لها، إذ باتت تدرك أنّ أكلاف إعادة الإعمار أصبحت أعلى من أكلاف الحرب نفسها.
في نهاية المطاف، ثبت أنّه عندما تريد حماس فإنّها قادرة على فرض الانضباط على فصائل غزّة. وثمّة مسألة أخرى ترتبط بالطبع بأثمان الخسارة والكسب الاقتصادي لحركة حماس. فقبل “يوم القدس” ذكّر منسّق أعمال الحكومة في “المناطق” اللواء غسان عليان سكّان غزّة بأنّ التسهيلات الاقتصادية للقطاع غير مسبوقة، وخصوصاً في ما يتعلّق بإدخال آلاف العمال من غزّة للعمل في إسرائيل.
أسباب “ارتداع” حماس
نتيجة كلّ ذلك، أحجمت حركة حماس عن الردّ الصاروخي، ووقعت في حرج شديد أمام جمهورها والفلسطينيين، وتسلّل نوعٌ من الإحساس بالانكسار والقهر إلى نفوس الفلسطينيين بسبب رفع حماس سقف التهديدات عالياً، من مثل أنّ السماء ستنطبق على الأرض في حال حدوث مسيرة الأعلام في القدس كما قال خالد مشعل، وسيل التصريحات المزلزلة التي توعّدت إسرائيل بمئات الرشقات الصاروخية. لقد كان على قيادة حماس في غزّة التي غشيها الصمت، وأقفل قادتها هواتفهم، أن تقدّم في هذه المرّة لجمهورها تفسيراً لعقلانيّتها المفاجئة.
إقرأ أيضاً: هل أصبحت “حماس” حاجة اسرائيلية؟
هذا وتحذّر النخبة الفلسطينية من سقف التصريحات المبالَغ فيه للفصائل الفلسطينية، والعنتريّات التي تضع الفصائل والفلسطينيين في ورطة وتُسقطهم في الفخّ الإسرائيلي، بدلاً من الوحدة الوطنية ورسم استراتيجية متّفق عليها وصياغة تكتيكات مستدامة للمقاومة، فالسياسة تحتاج إلى عقل بارد وقلب حارّ، وليس العكس.