روح شيرين أبو عاقلة… في زيارة بايدن للمنطقة

مدة القراءة 5 د

يُظهر بكلّ وضوح تقرير وزارة الخارجية الأميركية، الذي أُصدر بعد إجراء فحص أميركي للرصاصة التي قُتلت بها الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، أنّ الإدارة الأميركية سعت إلى تمييع قضية شيرين في ما يتعلّق بالسلاح الذي استُخدم في قتلها. فقد أراد رجال جو بايدن إنهاء القضية كي لا تشوّش على زيارته لإسرائيل والمنطقة في الأسبوع المقبل. ولا تريد إدارة بايدن أن يبقى هذا الموضوع الحسّاس مثاراً في الفضاء السياسي خلال الزيارة، وأن يُلقي بظلاله على الأجواء التي تحاول الإدارة خلقها والنتائج المتوقّعة، خاصة في ما يتّصل بإنشاء تحالفات جديدة في المنطقة وموضوع الطاقة.

لكنّ البيان الأميركي حقّق نتيجة معاكسة: روح شيرين أبو عاقلة ستكون حاضرة في الزيارة أكثر من أيّ صحافي آخر.

وفق قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية، فحص خبيرٌ أميركي في معمل الشرطة الإسرائيلية بالقدس الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة لمطابقتها مع قطعة السلاح التي أُطلقت منها

لقد أشار بيان وزارة الخارجية الأميركية إلى أنّ الفحص المخبريّ للرصاصة لا يتيح التوصّل إلى “استنتاج نهائي” بشأن مصدر السلاح الناري الذي أُطلقت منه، بحجّة أنّها متضرّرة بشكل كبير. لكنّ وزارة الخارجية قالت إنّ مجلس الأمن الأميركي خلص إلى نتيجة مفادها أنّ الجيش الإسرائيلي “كان مسؤولاً على الأرجح عن مقتل أبو عاقلة”، من دون أن يحمّله المسؤولية بشكل قاطع عن الواقعة. إلا أنّ وزارة الخارجية الأميركية أضافت ملاحظة في تقريرها يمكن أن ينسفه: “لا يوجد سبب للافتراض أنّ إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي كان متعمَّداً، وإنّ الأمر كان نتيجة ظروف مأساوية خلال عملية عسكرية للجيش الإسرائيلي ضدّ مجموعات من الجهاد الإسلامي”.

شيرين الأميركية

وفق قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية، فحص خبيرٌ أميركي في معمل الشرطة الإسرائيلية بالقدس الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة لمطابقتها مع قطعة السلاح التي أُطلقت منها، وذلك بالطبع بعد تسليم السلطة الفلسطينية الجانب الأميركي الرصاصة التي قُتلت بها شيرين، بعد ضغوط هائلة تعرّضت لها السلطة الفلسطينية من واشنطن.

 يبدو أنّ الإدارة الأميركية لا يهمّها نداءات النواب الأميركيين، الذين يطالبون بتحقيق محايد ونزيه في مقتل أبو عاقلة، التي تحمل الجنسية الأميركية، فعندما يتعلّق الأمر بإسرائيل تختفي كلّ الخطوط الفاصلة في السياسة الأميركية، ولا يهمّ إذا كان الضحية الفلسطيني يحمل الجنسية الأميركية أو لا.

لا تُعنى هذه الإدارة بالتحقيقات المرتبطة بهذا الموضوع، خاصة تحقيق محطة “سي إن إن” الأميركية الذي قال بوضوح إنّ شيرين قُتلت برصاص قنّاص إسرائيلي، وإنّ جنود جيش الاحتلال “كانوا يطلقون النار مباشرة على الصحافيين”.

وفقاً لصحيفة “هآرتس” العبرية، فقد عزّز البيان الأميركي من الشعور الثابت في وعي الفلسطينيين من الأزل: في كلّ مرّة يكون فيها على الولايات المتحدة الحسم بين مصالح الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنّها تختار المصالح الإسرائيلية، وستبقى القضية من دون حلّ، وستُضاف أبو عاقلة، التي تحمل الجنسية الأميركية أيضاً، إلى اللائحة الطويلة من الضحايا المدنيّين الفلسطينيين الذين سيُعتبرون رمزاً للنضال.

ساد تل أبيب شعورٌ بالارتياح، بعد نشر نتائج التحقيق الأميركي الذي لم يحمّل تل أبيب بشكل قاطع المسؤولية عن اغتيال الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة

لا تحقيق في إسرائيل

أصبح واضحاً أنّ الجانب الإسرائيلي لن يقدم على فتح تحقيق جنائي لدى الشرطة العسكرية. وهذا كان موقف النيابة العامّة العسكرية منذ بداية التحقيق بحجّة عدم وجود شبهة جنائية. بالإضافة إلى أنّ آخر ما يحتاج إليه الآن رئيس الحكومة الجديد، يائير لابيد، ورئيس الأركان، هو تحقيق جنائي ضدّ جنود وحدة الدوفدفان بشبهة قتل صحافية.

بطبيعة الحال ساد تل أبيب شعورٌ بالارتياح، بعد نشر نتائج التحقيق الأميركي الذي لم يحمّل تل أبيب بشكل قاطع المسؤولية عن اغتيال الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة.

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد إنّ “نتائج التحقيق توضح أنّه لا يمكن تحديد المسؤول عن وفاة الصحافية شيرين أبو عاقلة”. وتعهّد لابيد بأن يواصل الجيش الإسرائيلي نشاطاته العملياتيّة ضدّ ناشطين فلسطينيين “حيثما كان ذلك ضرورياً”، حتى في الضفة الغربية.

من جهته، حمّل وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس “مسلّحين فلسطينيين يعملون بين السكان المدنيين”، قال إنّهم تبادلوا إطلاق النار مع الجنود الإسرائيليين خلال الحادثة، المسؤولية عن مقتل أبو عاقلة. وقال غانتس في مقطع متلفز بثّه على حسابه على تويتر: “على الرغم من الفحص المخبري، لم يكن من الممكن الوصول إلى نتيجة نهائية”.

غير أنّ النيابة العامّة الفلسطينية، التي رفضت ادّعاء الخارجية الأميركية، أبدت استغرابها لمضمون البيان الأميركيّ، وقالت إنّ التقارير الفنية الموجودة لديها “تؤكّد أنّ الحالة التي كان عليها المقذوف الناري قابلة للمطابقة مع السلاح المستخدَم”.

إقرأ أيضاً: هل أصبحت “حماس” حاجة اسرائيلية؟

بعد البيان الأميركي، ملأ الغضب والإحباط شبكات التواصل الاجتماعي الفلسطينية. وانتشر هاشتاغ “قتلوك مرّتين”. فبالنسبة إلى الفلسطينيين دفن البيان الأميركي حقوق أبو عاقلة في يوم استقلال الولايات المتحدة التي تقدّس المساواة في الحقوق.

من ناحيتها، عارضت عائلة الصحافية شيرين أبو عاقلة خطوة إعطاء السلطة الفلسطينية الرصاصة، التي أدّت إلى قتل شيرين، للجانب الأميركي. وبحسب مصادر إعلامية، كانت الأسرة ترى أنّه لا بدّ من اعتماد خطة عمل يمكن بموجبها فقط التوجّه إلى محكمة العدل الدولية للتحقيق في الحادث وليس أيّ إدارة أميركية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، إذ ترى العائلة أنّه عندما يتعلّق الأمر بالفلسطينيين فإنّ البيت الأبيض يبقى هو نفسه بغضّ النظر عن الشخص الذي يعيش فيه.

*كاتبة فلسطينية مقيمة في غزّة

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…