ستشهد الساحة السياسية خلال الشهرين المقبلين حركة حكومية بلا بركة وسط قناعة ترسّخت لدى الجميع بأن لا حكومة ستتشكّل لأنّ الاستحقاق الرئاسي مقبل وسيطيح بأيّ حكومة، ولذلك تتركّز الجهود على المعركة الكبرى في رئاسة الجمهورية لأنّها الباب إلى تشكيل حكومة بموازين مختلفة عن تلك التي تصرِّف الأعمال حاليّاً.
بينما يتّهم التيار الوطني الحر رئيس الحكومة المكلّف بتمرير الوقت عبر طرح صيغ غير قابلة للحياة، تُجاهر القوات اللبنانية بموقفها الرافض لبذل جهد لا طائل منه على تشكيل حكومة ستعمّر في الحدّ الأقصى شهراً واحداً فقط قبل انتهاء العهد.
تبدو المعارضة، التي أدارت محرّكات العمل لديها للبحث عن سيناريو المواجهة والاتفاق على اسم بديل، أمام امتحان آخر سيكون أصعب من الامتحانات التي فشلت فيها في الأيام الماضية
بدأت القوّات تُعدّ العُدّة لمعركة الرئاسة، بعدما أشاد رئيسها سمير جعجع علناً بقائد الجيش جوزيف عون. غير أنّ السؤال الأساسي الذي يؤرّق القوى هذه الأيام: هل يتمّ التوافق على رئيس أم يشهد البرلمان معركة أشدّ شراسة من تلك التي شهدها في أثناء انتخاب رئيس المجلس ونائبه؟
لحزب الله وفريقه مرشّح واضح للرئاسة هو سليمان فرنجية. فباسيل الذي طالما عاند فرنجية في هذا الاستحقاق يبدو اليوم جاهزاً للمساومة مع اقتناعه بأنّ حظوظه في هذا الاستحقاق معدومة، فقرّر عدم المعاندة تمهيداً لإسقاط أيّ معاندة بوجهه يوم تكون حظوظه متوافرة في الدورات المقبلة.
في المقابل، يبدو وليد جنبلاط متريّثاً تجاه فرنجية. فهو سبق أن أعلن، منذ أيام، أنّه لا يوافق على انتخاب رئيس من فريق الثامن من آذار، لكنّه لن يعطِّل المؤسسات الدستورية. بعبارة أخرى، يقول جنبلاط إنّه لن ينتخب فرنجية، لكنّه لن يعطِّل النصاب الضروري لإجراء الانتخابات الرئاسية.
من جهته، يبدو الفريق المعارِض حتى الساعة مشتّتاً، كحاله في الاستحقاقات القليلة الماضية، ولا سيّما في تسمية رئيس حكومة. فالقوات اللبنانية لم تشارك “القوى المعارِضة” في تسمية نوّاف سلام كي لا تسلّم “رأس ميقاتي إلى باسيل”، وامتنعت عن التسمية كي لا تعطي باسيل ورقة قوّة يفاوض عليها ميقاتي ويحقّق من خلالها مكتسبات يحملها معه إلى فترة ما بعد بعد العهد. لكنّ القوات تدرك أنّ هذا الأمر لا يمكن أن يحصل في الاستحقاق الرئاسي. وعليه، بدأ النقاش الجدّيّ من أجل “رصّ الصفوف” وجمع عدد من الأصوات إذا ما انقلب المشهد الرئاسي إلى معركة أصوات.
الـ65 مجدّداً؟
كما نجح “الثنائي الشيعي” في جمع 65 صوتاً لانتخاب نبيه برّي رئيساً لمجلس النواب، يمكن أن ينجح في إيصال فرنجية إلى الرئاسة بالنصف زائداً واحداً في الدورة الثانية. يدرك الثنائي أنّ لعبة التعطيل لا يمكن أن يلعبها خصمهما في السياسة، ولذا سيكون خصومه ملزمين بالحضور وإكمال النصاب في ساحة النجمة.
عليه، تعمل القوى المعارضة على الاتفاق على أن تخوض المعركة الرئاسية يداً واحدةً لمنع حصول فرنجية على النصف زائداً واحداً.
لحزب الله وفريقه مرشّح واضح للرئاسة هو سليمان فرنجية. فباسيل الذي طالما عاند فرنجية في هذا الاستحقاق يبدو اليوم جاهزاً للمساومة مع اقتناعه بأنّ حظوظه في هذا الاستحقاق معدومة
من المعلوم أنّ رئيس الجمهورية اللبنانية غالباً ما يُنتخَب بناءً على توافق داخلي وخارجي معاً. لهذا يسهل الوصول إلى رئيس توافقي وليس إلى رئيس محسوب على قوى الثامن من آذار كما هي حال الرئيس ميشال عون. غير أنّ هذا الأمر ينتظر تفاهمات إقليمية ودولية لم تحصل بعد. من بين الحسابات أن تنسحب المظلّة السياسية، التي منحها الفرنسيون لتكليف ميقاتي بالاشتراك مع حزب الله، على الرئاسة الأولى. وليس فرنجية بعيداً عن الفرنسيين، وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى حزب الله الذي تتعامل معه الإدارة الفرنسية بواقعية شديدة. لهذه الأسباب قد يقفز سيناريو انتخاب رئيس الأمر الواقع إلى الواجهة في حال عدم إنضاج أيّ تسوية. وتحت عنوان عدم تعطيل المؤسّسات الدستورية وعدم إحداث فراغ في الرئاسة وحماية المواقع المسيحية سيخوض فريق حزب الله الاستحقاق.
لذلك تبدو المعارضة، التي أدارت محرّكات العمل لديها للبحث عن سيناريو المواجهة والاتفاق على اسم بديل، أمام امتحان آخر سيكون أصعب من الامتحانات التي فشلت فيها في الأيام الماضية.
جعجع… وقائد الجيش
قال جعجع في حديث إلى تلفزيون لبنان منذ أيام إنّ “أداء قائد الجيش جيّد، وهو يحمل المفاهيم المطلوبة التي طرحناها. أنا لا أعرفه شخصيّاً، لكنّني أرى ماذا يفعل، وأؤيّده في قيادة الجيش، وهو من أحد الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية، ويقوم بمهمّاته، وثبّت الأمن الداخلي، وقام بمعارك مع مهرّبي المخدّرات، ولا مانع لدينا لوصوله”.
المفارقة في هذا الموقف أنّ جعجع يكرّر دعمه لقائد الجيش لتولّي الرئاسة. وهو الذي سبق أن دعم ميشال عون قبل أن يعترف أنّ دعمه خطأ له سياقه المعروف، في محاولة منه لتبريره. وها هو يدعم اليوم قائد الجيش جوزيف عون للرئاسة.
إقرأ أيضاً: قوى الأمن من دون مجلس قيادة!
ليس هذا الكلام نهائيّاً. إذ ما يزال النقاش على أشدّه بين مجموعات المعارضة التي ترفض وصول “العسكر” إلى الرئاسة. البديل عن عون ليس واضحاً بعد. كُثُر هم المطروحة أسماؤهم، من نعمة إفرام وزياد بارود إلى ناصيف حتّي وغيرهم، فهل يحصل أحدهم على إجماع المعارضين حتى لو لم ينجح؟
لا شكّ أنّ الأمر صعب، لكنّه ليس مستحيلاً.