مهما كانت نتيجة المجلس الدستوري في الطعون المقدّمة من 15 مرشّحاً خاسراً في انتخابات 15 أيار لا يُتوقّع أن تؤثّر على الأكثرية النيابية المتحرّكة وخريطة التوازنات التي لا تزال أصلاً غامضة في مجلس نوّاب ما بعد الثورة.
نائب بالزائد أو بالناقص لن تكون له تداعيات دراماتيكية على “التوزيعة” الأوّليّة في البرلمان المنتخَب حديثاً بقدر ما سيشكّل “نصراً” شخصياً للطاعن وللحزب أو اللائحة الداعمة له.
عام 2018 بتّ المجلس الدستوري، للمرّة الأولى في تاريخه منذ إنشائه عام 1993، سبعة عشر طعناً على أساس القانون النسبي للانتخابات، وقَبِل فقط الطعن المقدّم من مرشّح “الأحباش” في طرابلس طه ناجي ضدّ ديما جمالي.
مهما كانت نتيجة المجلس الدستوري في الطعون المقدّمة من 15 مرشّحاً خاسراً في انتخابات 15 أيار لا يُتوقّع أن تؤثّر على الأكثرية النيابية المتحرّكة وخريطة التوازنات
أبطل المجلس الدستوري نيابة جمالي في 21 شباط 2019، ودعا إلى انتخابات فرعية في الدائرة على أساس النظام الأكثريّ أسفرت عن استعادة جمالي لمقعدها النيابي الذي فرّطت به بعد “اختفائها” الكامل عن الساحة السياسية بعد أحداث 17 تشرين والتحاقها بمركز عملها الجامعي الجديد في الخليج.
يومذاك أدّت أيضاً دراسة الطعون المُقدّمة إلى تعديل في بعض نتائج الانتخابات بأكثر من دائرة، لكن من دون أن يؤدّي ذلك إلى إبطال النيابات.
غبر أنّ المجلس الدستوري اليوم أمام استحقاق أكثر سخونةً، إذ توجد “شبهات” وتشكيك في الفوز في أكثر من دائرة، إمّا بسبب الفارق البسيط جدّاً بعدد الأصوات التفضيلية بين الخاسر والفائز (حالة فيصل كرامي ورامي فنج مثلاً في طرابلس من خلال تقارب الأصوات بين اللائحتين وبين الأصوات التفضيلية لكلّ منهما)، أو بسبب العدد الكبير من الأصوات التفضيلية الذي ناله المرشّح الخاسر مقارنة بالفائز (حالة المرشّح عن المقعد العلويّ في عكّار حيدر زهر الدين عيسى ضدّ النائب أحمد رستم أو إبراهيم عازار ضدّ شربل مسعد عن المقعد الماروني في جزّين).
18 نائباً مشكوكٌ في نيابتهم
قليلةٌ هي الطعون “السياسية” “المحرزة” ضمن الـ15 طعناً، وتنحصر بالطعون المقدّمة من النواب السابقين الخاسرين فيصل كرامي في طرابلس، وأمل أبو زيد وإبراهيم عازار في جزّين، والوزير السابق مروان خير الدين في مرجعيون-حاصبيا، والمرشّح إيلي شربشي على لائحة القوات في بيروت الأولى، والمرشّح جاد غصن في المتن.
بلغ عدد النواب المطعون بنيابتهم 18 نائباً، وهناك عدد من النواب الذين طعنوا بنيابة نواب من غير طائفتهم أيضاً لتأثير ذلك على نتيجتهم. واقعٌ إذا قاد إلى إعلان فوز مرشّح خاسر فسيؤدّي إلى “وجعة رأس” في هذه الدوائر بسبب تأثيره على ترتيب الناجحين طوائفياً.
يقول مطّلعون في هذا الإطار إنّ نقاشات تحصل في شأن التأسيس لاجتهاد يرتبط بعمل المجلس الدستوري لبتّ الطعون على أساس النظام النسبي بعدما بتّ المجلس من عام 1996 حتى عام 2009 الطعون على أساس القانون الأكثري، مع العلم أنّ المشترع حَصَرَ حقّ الطعن بالمرشّح الخاسر شرط أن يكون من الدائرة الانتخابية عينها ومرشّحاً عن المقعد النيابي نفسه (أي عن مقعد الطائفة نفسها في حال وجود أكثر من مقعد واحد لطائفة ما في الدائرة).
يُذكر أنّ المجلس الدستوري سيعيّن مقرّراً لكلّ طعن. وهناك مهلة ثلاثة أشهر للمقرّر لإعداد تقريره وتسليمه إلى المجلس الذي عليه بتّه في مهلة شهر واحد حدّاً أقصى
4 في طرابلس
وفق “الدوليّة للمعلومات” رُصِد عدم تقديم طعون في الدوائر الآتية: الشوف-عاليه، صور- الزهراني، البقاع الغربي- راشيا، وبعلبك الهرمل.
في طرابلس-المنية-الضنّية سُجِّل العدد الأكبر من الطعون وبلغ أربعة:
– أهمّها الطعن المقدّم من فيصل كرامي الذي نال 6,494 صوتاً تفضيلياً ضدّ المرشّحين على لوائح قوى التغيير إيهاب مطر (سنّيّ-6,518 صوتاً)، ورامي فنج (سنّيّ- 5009 أصوات)، وفراس السلوم (علويّ-370 صوتاً).
– “أهضم” طعن في طرابلس سجّله المرشّح بول الحامض (قوى التغيير-ماروني) الذي نال 18 صوتاً في مقابل الياس الخوري (لائحة القوات) الذي نال 3,426.
– وتقدّم المرشّح حيدر ناصر (علوي-313 صوتاً) بطعن ضدّ إيهاب مطر وفراس السلوم ورامي فنج.
– ومطانيوس محفوض (أرثوذكسي-250 صوتاً) ضدّ النائب جميل عبود الذي فاز بـ79 صوتاً.
في عكّار تقدّم المرشّح عن المقعد العلوي حيدر زهر الدين عيسى الذي نال 3,948 صوتاً تفضيلياً ضدّ النائب أحمد رستم (324 صوتاً تفضيلياً).
في جزّين-صيدا طعنان:
– عن المقعد الماروني من أمل أبو زيد على لائحة التيار الوطني الحر (5,184) ضدّ المرشّح على لائحة القوات سعيد الأسمر (1,102).
– وإبراهيم عازار على اللائحة المدعومة من الثنائي الشيعي (7,894) ضدّ الأسمر وشربل مسعد (984) على لائحة أسامة سعد وعبد الرحمن البزري.
في مرجعيون-حاصبيا تقدّم المرشّح الخاسر مروان خير الدين (2,634 صوتاً تفضيلياً) بطعن ضدّ فراس حمدان على لائحة قوى التغيير (4,859) التي فازت بحاصل وكسر. اللافت سياسياً اشتراك كتلة حركة أمل في تقديم الطعن إلى جانب خير الدين. ويكتسب قبول الطعن في هذه الدائرة، كما في طرابلس، أهميّة سياسية ترفع من رصيد نواب قوى 8 آذار بوجه بلوك “التغييريّين”.
في بيروت الأولى تقدّم المرشّح عن مقعد الأقلّيّات على لائحة القوات إيلي شربشي (727 صوتاً) ضدّ المرشّحة على اللائحة المدعومة من النائبة بولا يعقوبيان سينتيا زرازير التي فازت بـ486 صوتاً.
أمّا في بيروت الثانية فسُجّل طعن واحد غير جدّيّ من زينة كمال منذر عن المقعد الدرزي (308 أصوات) ضدّ النائب فيصل الصايغ (درزي-2,565) ووضاح الصادق (سنّيّ- 3,760).
لا تقتصر مهمّة المجلس فقط على التأكّد من وجود عيوب ومخالفات أو حتى دفع رشى، بل رصد تأثير هذه المخالفات على النتائج، وهو الحدّ الفاصل بين قبول الطعن أو رفضه
“رشى كسروان”؟!
نافس المرشّح بول حامض (طرابلس) في الهضامة، وربّما “الجلاقة”، المرشّح سيمون صفير في دائرة كسروان-جبيل عن المقعد الماروني. فهو نال 142 صوتاً تفضيلياً على لائحة “نحنا التغيير”، لكنّه تقدّم بطعن ضدّ النائبين فريد هيكل الخازن (9,056) ونعمة إفرام (10,743). والسبب الأساس لتقديم الطعن “الرشوة الانتخابية”.
في المقابل اكتفت المرشّحة جوزفين زغيب (1,303 أصوات تفضيليّة) بتقديم طعن ضدّ الخازن، فيما لوحق رئيس لائحتها نعمة إفرام أمام النيابة العامّة، واستدعى جهاز أمن الدولة وأوقف عدّة مسؤولين في ماكينة إفرام الانتخابية بجرم الرشوة!
يُذكر أنّ المرشّح الخاسر على لائحة القوات شادي فياض تخطّى زغيب بالأصوات التفضيلية (نال 2,211 صوتاً تفضيلياً) وفي ترتيب المرشّحين الخاسرين، لكنه، بحسب ماكينة القوات، لم يقدّم طعناً لعدم توفّر أسباب جدّيّة. مع العلم أنّ عدد الأصوات الذي نالته لائحة “نحنا التغيير” هو 1,681، بينما نالت لائحة إفرام 25,713 صوتاً، ولائحة الخازن 14,979 صوتاً.
“جاد ما سقط”!
في المتن لم تنتهِ “قصّة جاد” بعد. فالمرشّح عن المقعد الماروني جاد غصن الذي كسب تعاطف الرأي العام والمتنيّين معه، ونال 8,526 صوتاً تفضيلياً (لائحة “نحو الدولة”)، وأُعلِن فوزه مباشرة على الهواء، تقدّم بطعن ضدّ النائب الفائز على لائحة القوات رازي الحاج (3,459) والنائب آغوب بقرادونيان (أرمن أرثوذكس-4,973). وفي بعبدا تقدّم المرشّح عن المقعد الشيعي واصف الحركة (4,092) بطعن ضدّ النائب فادي علامة (4,862) على لائحة الثنائي الشيعي.
مال “على عينك يا هيئة”
يُذكر أنّ المجلس الدستوري سيعيّن مقرّراً لكلّ طعن. وهناك مهلة ثلاثة أشهر للمقرّر لإعداد تقريره وتسليمه إلى المجلس الذي عليه بتّه في مهلة شهر واحد حدّاً أقصى.
لا تقتصر مهمّة المجلس فقط على التأكّد من وجود عيوب ومخالفات أو حتى دفع رشى، بل رصد تأثير هذه المخالفات على النتائج، وهو الحدّ الفاصل بين قبول الطعن أو رفضه.
إقرأ أيضاً: حكاية “التكليف” في عهد عون: بازار “شخصيّ”
الفضيحة الكبرى أن تُبطَل نيابات نوّاب بسبب دفع رشى مثلاً، فيما شكّل المال الانتخابي في هذه الانتخابات كبرى فضائح الاستحقاق و”على عينك يا هيئة إشراف ويا دولة”!
أمّا الأهمّ فهو إثبات المجلس الدستوري أنّه متحرّر من تنفيذ “أوامر” المرجعيّات السياسية التي زكّت أسماء أعضائه، والتجربة الأخيرة المتعلّقة بالطعن المقدّم من التيار الوطني الحر بتعديلات قانون الانتخاب كانت مُحبِطة بعد تعذّر توفير الأكثريّة المتمثّلة بسبعة من أعضائه لإصدار قراره، فانتهى… بلا قرار!