لعلّ الجملة التي لن ننساها للكوميديان اللبناني حسين قاووق، هي: “شِلّي السيّد عَ جنب يا بو حميد”، وهو يتحدّث إلى صديقه المخرج والكاتب محمد الدايخ.
اشتهر قاووق في “ستاند آب كوميدي”، وفي مسرحيات كتب وأخرج بعضها الشاعر يحيى جابر، وكتب وأخرج بعضها الدايخ. لكنّ شخصية “علي العلي العلويّة” أخذته إلى شهرة كبيرة عبر مواقع التواصل، بسبب وضعه البيئة الشيعية، التي يأتي منها ومن ضاحيتها الجنوبية، تحت النقد الكوميدي، الذي جمع القسوة العميقة، مع جرعات غير محدودة من “الهضامة” الكوميدية.
علي العلي العلويّة شخصية فقيرة، تريد الخلاص من الجحيم اللبناني، وترغب في الثورة على “كلّن يعني كلّن”، وشاركت في التظاهرات، وتعاني من كلّ ما يعانيه اللبنانيون. لكن حين يسأل “أبو حميد”، من خلف الكاميرا، علي العلويّة، عن حزب الله أو سلاحه أو أمينه العامّ السيّد حسن نصر الله، يجيبه فوراً: “شلّي السيّد ع جنب يا بو حميد”. ويكمل حديثه.
هذه الجملة هي التي ستبقى في رؤوسنا بعد عشرات السنين. وهذه الجملة تكمن عبقريّتها ليس في الجرعة الكوميدية المهولة التي تحملها، بل أوّلاً وأساساً في أنّ هناك دائماً “خطّاً أحمر” تسعى الديكتاتوريات الحاكمة إلى رسمه في رؤوس المحكومين والجماهير.
فعلي العلويّة يرى المشكلة في كلّ مكان، ولدى “كلّن يعني كلّن”، لكن ليس في السلطة السياسية المباشرة حيث يعيش، في الضاحية والجنوب وبيروت، ولبنان.
الحرّيّات في الديكتاتوريّات
دائماً تترك الديكتاتوريات للناس الذين تحكمهم، ما يمكن أن “يتنفّسوا” فيه بعض الحرّية. وإلا ستقوم الثورات وينهار المُلك. في سوريا الأسد، حافظ ومن بعده ولو لفترة محدّدة بشّار، ازدهرت المسرحيات والمسلسلات، من مسرحية “كاسك يا وطن” وصولاً إلى مسلسل “يوميّات مدير عامّ” و”مرايا” ياسر العظمة. وفي مصر حسني مبارك، كان المسرح “يلعلع” بمسرحيّات ليس أكثرها “معارضةً” لعادل إمام: “الزعيم”. حتى في لبنان، كان الاعتراض مسموحاً، ولا يزال. لكنّ الدستور يحمل مادّة اسمها “384”، شهيرة، تقول إنّ “من حقّر رئيس الدولة عوقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين”. التحقير فقط يرميك في الزنزانة عامين.
دائماً تترك الديكتاتوريات للناس الذين تحكمهم، ما يمكن أن “يتنفّسوا” فيه بعض الحرّية. وإلا ستقوم الثورات وينهار المُلك. في سوريا الأسد، حافظ ومن بعده ولو لفترة محدّدة بشّار
حتّى في الجنّة، كان هناك “شجرة التفّاح”. ولا نعرف لماذا التفاح الذي تدمن عليه البشرية كلّها اليوم. هناك ضرورة لـ”ممنوع” و”خطّ أحمر”. وغالباً يكون هذا الخطّ الأحمر هو “مصدر السلطات”.
نوّاب “الثورة”
في لبنان ندخل في سنوات عجاف من الحرّيّة. انتخاب عشرات آلاف اللبنانيين نوّاب “الثورة”، باعتبارهم ضدّ الطبقة السياسية، و”كلّن يعني كلّن”.
لكن استفقنا على خطاب بعض نواب الثورة، يتحدّثون مثل علي العلويّة.
النائب عن مرجعيون-حاصبيا فراس أبو حمدان قال في حوار على قناة “الجديد” أمس، ردّاً على سؤال حول سلاح حزب الله، ما اختصاره أنّ “المقاومة ضرورية لحماية لبنان حين تعجز الدولة”، وأنّ “الأولويّة الآن للوضع الاقتصادي وليس لشدّ العصب مع أو ضدّ السلاح”. وراح يتهرّب من قول كلمة حاسمة عن مواجهة وجود سلاحين في لبنان.
النائبة عن الشوف، حليمة قعقور أجابت بالطريقة نفسها في حوار على شاشة mtv في 31 أيّار الفائت، إذ قالت بالحرف: “السيادة التي طرحتها 14 آذار ناقصة، والمقاومة التي طرحتها 8 آذار ناقصة، السيادة تكون ضدّ أيّ تدخّل خارجي، إيراني أو سعودي، وضدّ اعتداء إسرائيل وخرقها لسيادتنا”، ودعت إلى التركيز “على قضية المودعين… بدنا نبني اقتصاد”. وكانت الذروة في حديثها عن “المادّة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي الحقّ للناس بالدفاع عن سيادة لبنان في حال الاعتداء الخارجي”.
أمّا النائب عن بيروت، إبراهيم منيمنة، فقال في 6 حزيران الجاري على قناة “الجديد” أيضاً، إنّه مع “حصر السلاح بالشرعية من زاوية وطنية عكس ما تقاربه اليوم القوى التقليدية من منطلق فئوي، أو من منطلق محاور إقليمية واستجلاب صراعات إقليمية على الداخل اللبناني”. واضح أنّ منيمنة يقصد “الموازنة” بين اتباع “محاور إقليمية” مختلفة. فهل يمكن أن يضع منيمنة في الكفّة الأولى سلاح حزب الله ومشاركته من اليمن في الاعتداء على المملكة العربية السعودية، وهو ما جعلنا نخسر ودائع العرب وسيّاحهم ومساعداتهم واحترامهم… ويضع في الكفّة الأخرى مَن يريدون علاقة سليمة مع العرب؟
منيمنة والقعقور وحمدان كان لسان حالهم: “شلّي السيّد ع جنب يا بو حميد”. يريدون الهجوم على كلّ القوى والأحزاب. كلّ الأحزاب سرقت وأفسدت، إلا حزب الله
“شِلّي السيّد ع جنب”
منيمنة والقعقور وحمدان كان لسان حالهم: “شلّي السيّد ع جنب يا بو حميد”. يريدون الهجوم على كلّ القوى والأحزاب. كلّ الأحزاب سرقت وأفسدت، إلا حزب الله، فالوقت ليس مناسباً للحديث عن سلاحه وبحث كيفية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
يُغفل هؤلاء أنّ عنوان مشكلتنا مع العرب ومع المجتمع الدولي هو السلاح، الذي يعتدي على العرب. يُغفلون أنّ لبنان معزولٌ، بالمعنى “النفطيّ” والماليّ والسياحيّ والتجاريّ، بسبب هذا السلاح. وبالتالي فإنّ هذا السلاح يُحاصر لبنان أوّلاً ومصالح لبنان العربية والإقليمية والدولية، قبل أن يحاصر أعداءه العسكريين.
وحده النائب عن زغرتا، ميشال الدويهي، ذو الخلفيّة اليساريّة، والآتي من تجربة 14 آذار و”الخروج عليها”، قال على قناة mtv أمس كلاماً معقولاً: “نحن مع الحياد وضدّ زجّ لبنان في صراعات لا علاقة له فيها”، و”لبنان معزول عربياً ومعزول دولياً، وهذا أمر يجب ألّا يستمرّ، خصوصاً أنّ لبنان عضو مؤسّس في جامعة الدول العربية وفي الأمم المتّحدة”، و”نحن مع حصريّة السلاح بيد الجيش اللبناني”. لكنّه أكمل: “هناك مسؤولية مشتركة من الفريقين عن الانهيار، موضوع السلاح أساسي، لكن تحت هذا العنوان، بلديّة زغرتا وإهدن وبيروت ما علاقتها بالسلاح؟ لا يمكن أن نختبىء وراء السلاح لئلّا نفعل شيئاً”. وتابع: “نحنا ما جايين نلعب بالنظام السياسي في لبنان، ما جايين نلعب بإشيا مش وقتها هلّق، لأنّو منكون بشي ومنصير بشي. نعرف حساسيّات البلد. تحت هذا السقف الكبير، طبعاً موضوع السلاح أمّ المشاكل، لكنّ أمّ المشاكل أيضاً الوضع الاجتماعي والاقتصادي والماليّ والانهيار”.
كان الدويهي الأكثر نضجاً في تقديم الفكرة. لكنّه مرّة جديدة أغفل حقيقة لا يمكن التغاضي عنها، وهي أنّ “السلاح” هو المسؤول عن الانهيار، لأنّه حمى النظام الفاسد أوّلاً، ولأنّه متّهم باغتيالات تخنق الديمقراطية، ولأنّه يهدّد في هذه اللحظة بـ7 أيّار ليشارك في الحكومة. ولأنّه لا قيامة للبنان قبل أن يخرج هذا السلاح من الساحات العربية.
إقرأ أيضاً: خدعة الـ65: “أكثريّة” برّي… لا الحزب
“مش جايين نلعب بإشيا مش وقتها”، قال الدويهي، في ما يبدو أنّه “اتّفاق” كامل بين نواب الثورة على أنّ الوقت ليس مناسباً لمناقشة السلاح.
“شِلّي السيّد ع جنب يا أبو حميد”، “كلّن فاسدين”، بس “شِلّي السيّد ع جنب يا أبو حميد”.