كُلّ شيء في المنطقة يشير إلى أنّها ماضية نحو حرب كبيرة، وباتجاه تصعيد عسكريّ قد يكون غير مسبوق بين الأطراف كافّة.
ليسَ تفصيلاً ما جرى في إيران من اغتيالٍ العقيد في فيلق القدس صيّاد خدائي، وصولاً إلى تفجير واحدة من أهمّ منشآت تطوير الأسلحة والطّائرات المُسيّرة في بارشين، ومقتل أحد الخبراء الإيرانيين بالهجوم.
وفقَ ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز، فإنّ الهجوم على منشأة “بارشين” تمّ عبر طائرة من دون طيّار انطلقت من مكانٍ قريبٍ من الهدف داخل الأراضي الإيرانيّة. ونقلت الصّحيفة معلومات أنّ تل أبيب أبلغت واشنطن عن وقوفها خلف عمليّة اغتيال خدائي.
هكذا باتت إيران في غاية الإحراج. إذ ضُربَت هيبة “قبضتها الأمنيّة” في عقر دارها. قبلها كانت “هيبتها” العسكريّة تُضرَب من قبل الطائرات الإسرائيليّة في سوريا.
كشفَت مصادر مقرّبة من الحزب أنّ مبعوثاً أوروبيّاً زارَ لبنان وعرضَ على رئيس الجمهوريّة ميشال عون أن يُطبّع لبنان مع إسرائيل ويُرسّم الحدود معها في مُقابل مُساعدات اقتصاديّة ومكاسب كبيرة لحزب الله
توازياً مع الأحداث الإيرانيّة، لم يكُن تفصيلاً عابراً أن يُحذّر الأمين العام لحزب الله السّيد حسن نصرالله في خطابه الأخير مساء 25 أيّار من أنّ المنطقة قد تشهد مواجهة شاملة.
القدس نقطة البداية؟
كُلّ الأنظار تتجه إلى القدس. هُناك يُصرّ اليمينيّون الإسرائيليّون بتأييد غير مسبوقٍ يتنافس عليه رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير دفاعه بيني غانتس على أن تخترق “مسيرة الأعلام” الاستفزازية البلدة القديمة في القدس المحتلة اليوم، أي أنّها ستمرّ في باب العامود والحي الإسلامي. ما يعني استمرار اقتحامات المستوطنين وقوات شرطة الاحتلال. وتستعد أجهزة الأمن الإسرائيلية لاحتمال تنفيذ عمليات مسلحة وإطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزّة، ومواجهات في المدن التاريخية في أراضي الـ48.
قبل سنة من اليوم فجّرت مسيرة كهذه مواجهة شاملة لـ11 يوماً بين حركتيْ حماس والجهاد الإسلامي من جهة، والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى، قُصِفَت فيها تل أبيب والقدس ووصلت صواريخ الفصائل الفلسطينيّة إلى مدينة حيفا شمال الأراضي المُحتلّة.
في هذه المرّة قد لا تكون حماس والجهاد وحدهما في هكذا مواجهة. لقد كان نصرالله واضحاً وصريحاً في خطابه الأخير بهدوءٍ: “أيّ مسّ بالمسجد الأقصى وبقبّة الصّخرة سيُفجّر المنطقة، وعليهم أن يعرفوا (أي الإسرائيليين) أنّ التمادي في العدوان على المُقدّسات في مدينة القدس سيؤدّي إلى انفجار كبير في المنطقة وإلى ما لا تُحمد عقباه”.
من يعرف نصرالله، يعرف أنّ تهديداته الأكثر جديّة هي تلكَ التي يُطلقها بهدوء بعيداً عن النّبرة العالية. وبعد كلامه الأربعاء الفائت، أكّد بينيت أنّ مسيرة الأعلام قائمة وُفقَ ما خطّط لها اليمينيّون.
7 مؤشرات على “الحرب”
هكذا يمكن رصد مؤشّرات مُهمّة ينبغي التّوقّف عندها، تدلّ على ارتفاع أسهم المُنازلة العسكريّة في الشّرق الأوسط:
أوّلا: تُصرّ إسرائيل التي تشهد المناورة الأكبر في تاريخها، وبالتّالي هي على أعلى جهوزيّة على المستويات العسكريّة والأمنيّة والدّفاعيّة وجبهتها الدّاخليّة، على إجراء مسيرة الأعلام على الرّغم من تهديدات الفصائل الفلسطينيّة في غزّة والضّفة الغربيّة بتصعيد عسكريّ، وكذلك تهديدات حزب الله وأمينه العام.
ثانياً: للمرة الأولى، كشف القيادي في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، محمد السنوار، عبر شاشة “الجزيرة”، عن “غرفة عمليات مشتركة ضمّت ضباط استخبارات من القسّام وحزب الله والحرس الثوري الإيراني أثناء عملية “سيف القدس” في أيّار الماضي”. وتشير معلومات “أساس” إلى أنّ محمد السنوار هو قيادي رفيع المستوى في جهاز الاستخبارات التابع لكتائب القسّام ويعتبر الذراع الأمنية اليمنى للقائد العام للكتائب محمد الضّيف. وهذا الإعلان هو الأوّل من نوعه عن “تنفيذ” نظرية “ترابط الساحات”، التي جعلت نصر الله يحذّر من تدخّله في حال الاعتداء الإسرائيلي على القدس.
ثالثاً: بشكل غير رسمي أعلن حزب الله استنفاراً عسكريّاً غير مسبوق في لبنان وسوريا. ومثله فعلت حماس والجهاد في غزّة، منذ الإعلان عن المناورة الإسرائيليّة. ما يدلّ على أنّ محور إيران يتعاطى مع المناورة على أنّها حربٌ حقيقيّة تنتظر فيها تل أبيب اللحظة المناسبة للانقضاض على هدفها أو أهدافها.
رابعاً: كثّفت تل أبيب مُؤخّراً من عمليّاتها الأمنية داخل إيران لتستهدف كلّ ما يتعلّق بما تعتبره مصادر الخطر عليها: “البرنامج النّوويّ وبرنامجيْ الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة”.
خامساً: تشيرُ معلومات “أساس” إلى انتشار قوّاتٍ إيرانيّة وأخرى لبنانية تابعة لحزب الله في جنوب سوريا المُتاخم للحدود مع فلسطين المُحتلّة، وذلك تحت غطاء ثياب القوات السورية، وبآلياتها. إن لم يكن هذا الأمر جديداً، إلا أنّ من يُتابع الأحداث السّوريّة يعلم أنّ القوّات الإيرانيّة ووكلاءها كانت قد ابتعدت “دون ضجيج” لحدود معيّنة عن الجنوب السّوريّ بعد ضمانات أعطتها روسيا لإسرائيل في وقت سابق على الحرب في أوكرانيا وتبدّل بعض التحالفات.
سادساً: كشفَت مصادر مقرّبة من الحزب أنّ مبعوثاً أوروبيّاً زارَ لبنان وعرضَ على رئيس الجمهوريّة ميشال عون أن يُطبّع لبنان مع إسرائيل ويُرسّم الحدود معها في مُقابل مُساعدات اقتصاديّة ومكاسب كبيرة لحزب الله في النّظام السّياسيّ الجديد.
كما تتحدّث أوساط البيت الأبيض عن نيّة الرّئيس الأميركي جو بايدن زيارة المنطقة أواخر شهر حزيران المُقبل، وعلى رأس أجندته دفع عمليّة التطبيع العربيّ – الإسرائيلي قُدماً.
سابعاً: قد تجد تل أبيب فرصةً في تردّي الوضع الاقتصاديّ والمالي والاجتماعي وحتّى الصّحيّ في لبنان، خصوصاً بعد نتائج الانتخابات النّيابيّة التي أظهرت تراجع حزب الله وحلفائه في الدّاخل. وقد تكون إسرائيل أمام لحظة قد لا تتكرّر في لبنان، لإنجاز ضربة كبيرة لحزب الله.
السّؤال هنُا: هل تكون المواجهة العسكريّة هي “المخرج” نحو إتمام “التطبيع العربيّ” وإتمام عمليّة ترسيم الحدود؟ خصوصاً أنّ إدارة جو بايدن مُهتمّة لأقصى الحدود بملف التطبيع أكثر من إدارة دونالد ترامب، وإن كانَ الأخير أكثر صخباً.
إقرأ أيضاً: اغتيال “سليماني الثاني” في طهران: هذا دوره في لبنان وسوريا
كلّ هذه الأدلّة تؤشّر إلى أنّ المنطقة تسير على فوهة بركان. قد تكون الحرب آتية لا محالة. لكن في الوقت عينه قد تكون إحدى فصول مسلسل اللعب على حافة الهاوية التي تُتقنها إيران في محاولةٍ لإنقاذ اتفاقها النّوويّ ومعه اقتصادها المُتهالك.
لكنّها مؤشّرات جديّة على أنّ المواجهة تقترب أكثر من أيّ وقتٍ مضى.