بكثير من الهدوء تُدار تحضيرات عملية انتخاب الرئيس نبيه برّي رئيساً لمجلس النواب للمرّة السابعة على التوالي. وقد سارع فريقان مسيحيّان أساسيّان، هما “القوات” و”التيار الوطني الحر”، إلى قطع الطريق أمام احتمال أن يكون نوابهما من بين الذين سيسقطون اسم بري في الصندوقة، فيما نواب “17 تشرين” أو نواب “التغيير” تتقاذفهم التباينات حيال هذا الاستحقاق وسط انقسام في الرأي بين مَن يفضّل المزايدة الشعبوية التي تضعه على أقسى يسار القوى التقليدية، ويفضّل عدم الانخراط في أيّ من مشاريعها واستحقاقاتها، وبين مَن يعتقد أنّ الواقعية تقتضي التعامل مع أهل المنظومة على “القطعة” تحت عنوان احترام الميثاقية الطائفية التي جعلت من بري مرشّحاً وحيداً للطائفة الشيعية.
وفق بعض المطّلعين، ثمّة قنوات مفتوحة على نحو غير مباشر، بين الرئيس بري وباسيل، لاستعراض أطر التعاون المرتبطة باستحقاق رئاسة مجلس النواب
عليه، يكون موقف الثنائي الشيعي الذي حرص على إقفال النوّاب الشيعة الـ27 خلال الانتخابات، هو العمود الفقري لإعادة انتخاب برّي، فيما يُرجّح أن يكون وليد جنبلاط ثالث هذه السيبة، نظراً لعلاقته الاستراتيجية مع رئيس حركة “أمل” من جهة، ولحرصه على عدم خوض اشتباك مجّاني مع أبناء الطائفة الشيعية الذين صوّتوا بسوادهم الأعظم للثنائي، حتى لو أنّ بعض الشباب الجنبلاطي والتقدّمي يفضّل عدم التماهي مع الثنائي، والذهاب نحو التصويت بورقة بيضاء. لكنّ وليد جنبلاط يعرف متى يترك الدفّة لأهواء واعتراضات بعض المتحمّسين من مؤيّديه ومحازبيه، ومتى تغلب الاعتبارات الاستراتيجية على غيرها.
في الواقع، ليس جلوس برّي من جديد على كرسي الرئاسة الثانية موضع جدل. المسألة محسومة، لكن بأيّ عدد من الأصوات سيتمّ انتخابه؟
مع أنّ التصويت سرّيّ، إلّا أنّ تركيبة المجلس كفيلة بكشف أيّ خرق قد يحصل في الجبهات السياسية، وهو أمر متوقّع. ولهذا ستشمل مشاورات ما قبل الجلسة، إلى الرئاسة، نيابة الرئاسة وعضوية هيئة مكتب المجلس وأمانة السرّ واللجان النيابية، وهي طبخة شاملة يُفترض أن تكون كلّ الكتل النيابية معنيّة بها حتى لو سارع بعضها إلى النأي بنفسه عن الرئاسة.
لا يبدي الحركيّون أيّ خشية من أرقام جلسة الانتخاب، لا بل يُنقل عن بعضهم أنّ ثمّة 67 صوتاً موضوعة في الجيبة، والعين على رفع السكور أكثر في ضوء المشاورات الحاصلة على أكثر من محور:
– المحور الأوّل يضمّ نواباً من “الحراك” يبدون استعداداً لمنح برّي أصواتهم.
– المحور الثاني يضمّ النواب العونيين على الرغم من خطاب رفع السقف الذي اعتمده رئيس التيار جبران باسيل.
– المحور الثالث يضمّ نواباً مقرّبين من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
لا يبدي الحركيّون أيّ خشية من أرقام جلسة الانتخاب، لا بل يُنقل عن بعضهم أنّ ثمّة 67 صوتاً موضوعة في الجيبة، والعين على رفع السكور أكثر
قنوات مفتوحة مع باسيل
وفق بعض المطّلعين، ثمّة قنوات مفتوحة على نحو غير مباشر، بين الرئيس بري وباسيل، لاستعراض أطر التعاون المرتبطة باستحقاق رئاسة مجلس النواب، خصوصاً أنّ بعض “الحركيّين” لا يتردّدون في القول إنّ رئيس “التيار الوطني الحر” هو الذي يحتاج إلى الرئيس برّي لا العكس. بمعنى أنّ لديه سلّة مطالب لا تنتهي بنيابة الرئاسة. ولهذا ليست مستبعدةً إمكانية تكرار سيناريو الدورة الفائتة، بترك الحرّية لأعضاء كتلته، خصوصاً النواب الذين شكّلوا تقاطعاً انتخابياً بين “التيار” والثنائي الشيعي، أو بالأحرى تمّ انتخابهم بدفع من أصوات الثنائي. فضلاً عن أنّ التكتّل يضمّ مرشّحين محتملين لنيابة الرئاسة، هما الياس أبو صعب وجورج عطالله، الأمر الذي يساهم في دفع عملية التفاوض.
في المقابل، يؤكّد نائب عوني أنّ هذه الدورة مختلفة عن تلك التي سبقتها، مشيراً إلى أنّ هناك تشدّداً من رئيس “التكتّل” في حسم خيارات النواب العونيين، حيث الاتجاه هو لعدم تجديد الرئاسة لبرّي، بدليل وجود مقرّبين من الأخير يتواصلون بشكل منفرد مع النواب العونيين لحثّهم على منح أصواتهم لبرّي، في محاولة لاصطياد أصوات برتقالية “بالمفرّق”، على اعتبار أنّ “الديل” مع باسيل متعثّر.
إقرأ أيضاً: التغييريّون: “لا” مقاطعة.. و”لا” لبرّي و”لا” لميقاتي
مع ذلك، فضّل برّي عدم الغرق في مستنقع الوقت، ودعا إلى الجلسة يوم الثلاثاء المقبل، ضمن مهلة الحثّ غير الإلزامية، خلال 15 يوماً من بدء ولاية المجلس الجديد. ويحرص، وفق مواكبين، على إنجاز العملية الانتخابية في الجلسة الأولى، بعد أن يكون الاتفاق منجزاً مع الكتل والنواب الذين سيمنحونه صوتهم.
من جانب آخر، يُتوقّع أن يقوم وفد من كتلة التحرير والتنمية بجولة على الكتل النيابية خلال الأيام القليلة المقبلة، من باب ترطيب الأجواء وكسر الجليد وتخفيف الشحن الذي سبّبته الانتخابات النيابية، والتشاور مع كلّ الكتل النيابية والمستقلّين.