وزير المال مجدّداً: لن أوقّع مرسوم قضاة التمييز

مدة القراءة 7 د

تستمرّ لعبة الـ”بينغ بونغ” بين مجلس القضاء الأعلى ووزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل. يرفض الأخير، وفق معلومات “أساس”، للمرّة الثانية توقيع مرسوم تعيين رؤساء محاكم تمييز أصيلين.

لا يحدث ذلك في ظلّ حكومة تصرِّف الأعمال ومسار مجمّد لناحية التشكيلات الإدارية والقضائية والدبلوماسية فحسب، بل وسط انهيار شبه كامل لكلّ مقوّمات الدولة.

في 21 آذار الماضي حُلّ جانب من تعقيدات ملف انفجار مرفأ بيروت بأن عيّن مجلس القضاء الأعلى، بعد أخذ وردّ دام لأسابيع بين أعضائه، رؤساء محاكم تمييز أصيلين. وهو ما كان يُفترض أن يؤدّي إلى استكمال العضوية في الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي تضمّ بين أعضائها رؤساء محاكم تمييز كانوا أحيلوا إلى التقاعد.

وفق المعطيات، يستند الفريق السياسي لوزير المال إلى سلسلة مغالطات في المرسوم تقوّي حجّة الوزير خليل لعدم توقيعه

بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى عُيّن وثُبّت في مواقعهم كلّ من القاضي ناجي عيد رئيساً للغرفة الأولى، هيئتين في الغرفة الثانية، الأولى برئاسة رولا المصري (على أن تشغلها إلى حين تقاعدها) والثانية برئاسة أيمن عويدات، الغرفة الثالثة برئاسة سهير الحركة، الغرفة الرابعة برئاسة عفيف الحكيم، الغرفة الخامسة برئاسة سانيا نصر، الغرفة السادسة برئاسة منيف بركات، الغرفة السابعة برئاسة جمال الحجّار، الغرفة الثامنة برئاسة ماجد مزيحم، الغرفة التاسعة برئاسة جمال خوري، والغرفة العاشرة برئاسة حبيب رزق الله.

 

جمود كامل

بموجب هذه التعيينات كان يُفترض أن تعاود الهيئة العامّة جلساتها وعلى جدول أعمالها دعوى مخاصمة الدولة المقدّمة من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر ضدّ القاضي ناجي عيد المكلّف من الهيئة العامّة النظر بطلبات ردّ المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار في ملف المرفأ. وكان النائبان خليل وزعيتر قدّما طلب الردّ أمام الهيئة العامّة بعدما ردّ القاضي عيد طلبهما سابقاً لردّ القاضي البيطار.

لكن من آذار حتى مشارف نهاية شهر أيار لم يطرأ أيّ تطوّر أدّى إلى حلحلة عقدة مرسوم تعيين رؤساء محاكم التمييز، وهو ما أبقى تحقيقات المرفأ في الثلّاجة لأنّ القاضي البيطار لا يستطيع استئناف عمله ما لم يوقّع المرسوم وتستأنف الهيئة العامّة جلساتها وتبتّ الدعاوى أمامها.

وَصَل المرسوم في المرّة الأولى نهاية آذار موقّعاً من وزير العدل هنري خوري إلى وزير المال الذي أصرّ على عدم توقيعه. فأعاده إلى وزير العدل الذي أعاده بدوره إلى مجلس القضاء الأعلى في 13 أيار الجاري.

عَمَد بعدها “مجلس القضاء” إلى إجراء تعديل بسيط فيه شاطباً اسم القاضية رولا المصري بسبب إحالتها إلى التقاعد في 24 نيسان، وأبقى على تعيين القاضي أيمن عويدات في مركزه الأصلي رئيساً للغرفة الثانية. (المجلس كان تنبّه لهذه الثغرة ولذلك قام بتعيين هيئتين حتى يتسلّم عويدات مهامّ رئاسة الغرفة الثانية بعد إحالة المصري إلى التقاعد). ثمّ أحال وزير العدل المرسوم إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء التي أحالته بدورها، في أقلّ من 24 ساعة، إلى وزير المال وأصبح على مكتبه.

الأرجح أنّ يوسف خليل سيضعه في الجارور ولن يوقّع عليه.

يُرجّح مطّلعون أن يكون الخطأ الأساس في المرسوم، برأي رافضيه، تعيين قاضيين مارونيّين ضمن الحصّة المسيحية، إضافة إلى الرئيس الأول لمحاكم التمييز الماروني

“طحشة” على مكتب خليل

قبل أيّام، وبعد زيارتهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، “طَحَش” بعض أهالي ضحايا انفجار المرفأ على مكتب وزير المال طالبين منه التوقيع فوراً على المرسوم. تسلّح هؤلاء بكلام نقلوه حرفيّاً عن ميقاتي بأنّ “الرئيس نبيه برّي طلب من الوزير خليل عدم توقيع المرسوم”.

يتوعّد أهالي الضحايا بالقيام بتحرّكات غير اعتيادية إذا استمرّت المماطلة بتوقيع المرسوم، الذي يفترض أن يُعيد تحريك ملفّ التحقيقات المجمّد منذ أشهر طويلة.

 

ثغرات فاضحة في التحقيق

عمليّاً ثمّة مقاربة يعكسها فريق سياسي-قضائي تبرّر عدم التوقيع وتتحدّث “عن فجوات فاضحة في مسار التحقيق قادت إلى التشكيك في مسار قضائي من أوّله إلى آخره. وذلك بسبب تسييس الملف وتطييفه وانحياز القاضي البيطار ووقوعه في مغالطات قانونية وارتسام علامات استفهام حول أداء القاضي سهيل عبود نفسه لناحية اختيار رؤساء غرف التمييز الذين “يمون عليهم” لبتّ الدعاوى ضدّ البيطار والقضاة. كما تحوّل بعض المتّهمين ممّن أبقى البيطار على توقيفهم لنحو سنتين إلى “أسرى”، وبقاء وبقي آخرون من أصحاب الوزن الأمني والسياسي الثقيل بعيدين حتى عن الاستجواب والاستماع إلى أقوالهم”.

يرى مناصرو هذا الفريق أنّ “الخطأ القاتل الذي ارتكز عليه المحقّق العدلي هو الادّعاء على كلّ مَنْ “عَلِم” أو تسلّم ورقة تفيد بوجود نيترات الأمونيوم على الباخرة “روسوس” أو داخل العنبر رقم 12″، متسائلين: “هل هي استراتيجية كافية للادّعاء أو الشبهة؟ وهل طُبّقت على الجميع؟ وكيف أمكن تفسير الادّعاء على مَن تعامل مع المراسلات في شأنها بموجب القوانين ولم يتجاوز صلاحيّاته؟!! وكيف يمكن حصر المسؤولية بالشقّ الإداري فيما المسؤولية في هذا الملفّ هي أمنيّة وقضائية أوّلاً؟”.

أبعد من ذلك، يجدر التوقّف عند تصريح السيناتور الأميركي ريتشارد بلاك أخيراً حين أعرب عن اعتقاده أنّ “وكالة الاستخبارات المركزية CIA كانت على علم بمن نفّذ انفجار مرفأ بيروت”، مؤكّداً أنّ “الانفجار لم يكن عرضياً بل مُدبّراً”.

 

مغالطات المرسوم

وفق المعطيات، يستند الفريق السياسي لوزير المال إلى سلسلة مغالطات في المرسوم تقوّي حجّة الوزير خليل لعدم توقيعه. ومنها تضمّنه بدايةً اسم قاضية كانت ستُحال في وقت قريب إلى التقاعد، وإخلال المرسوم بالميثاقية لأنّ هيئة محكمة التمييز مع رئيسها باتت تضمّ 6 أعضاء مسيحيين وخمسة مسلمين.

مع العلم أنّ هذا الواقع قائم منذ أكثر من 15 عاماً، من أيام القاضي غالب غانم وفي المرحلة التي كان فيها علي حسن خليل وزيراً للمال. فبعدما كان الرئيس الأول لمحاكم التمييز (رئيس مجلس القضاء الأعلى) يرأس الغرفة الأولى، جرى تعيين قاض مسيحي آخر ليرأس هذه الغرفة بدلاً من رئيس مجلس القضاء الأعلى. وبالتالي صرنا أمام معادلة 6-5 كانت سارية التنفيذ من دون أيّ اعتراضات لسنوات طويلة إلى أن جرى الاعتراض عليها في ملف تحقيقات انفجار المرفأ.

 

عون: هناك عرقلة

الإخلال بالتوازن الميثاقي يراه البعض “حجّة” لدى وزير المال كي لا يوقّع المرسوم بهدف تعطيل التحقيقات، خصوصاً أنّ الجهة السياسية التي يمثّلها وزير المال تخوض معركة ردّ الاتّهام الموجّه إلى وزير المال الأسبق علي حسن خليل ووزير الأشغال الأسبق غازي زعيتر بتحمّلهما مسؤولية إدارية في انفجار 4 آب.

وصل الأمر إلى حدّ توجيه رئيس الجمهورية ميشال عون اتّهامات صريحة للثنائي الشيعي ووزير المال بالكذب والعرقلة قائلاً: “ليس هناك من أخطاء أساسية في المرسوم، هناك عرقلة، ويجب أن تعلموا من يعرقل، فليتوقّفوا عن الكذب عليكم”، وذلك قبيل الانتخابات النيابية، حين كان هناك شدّ حبال حول التحالفات بين باسيل وبرّي.

 

3 قضاة موارنة في الهيئة

تصدّى علي حسن خليل لكلام عون معتبراً أنّ “رئيس الجمهورية لا يستطيع الضغط في اتجاه توقيع مرسوم مخالف للتوازنات عندما أُضيفت غرفة إلى غرف محكمة التمييز، حتى حصل خلل كبير، وصرنا بهيئة عامّة لمحكمة التمييز غير متوازنة”.

يُرجّح مطّلعون أن يكون الخطأ الأساس في المرسوم، برأي رافضيه، تعيين قاضيين مارونيّين ضمن الحصّة المسيحية، إضافة إلى الرئيس الأول لمحاكم التمييز الماروني، وهو ما يرفع عدد القضاة الموارنة في هيئة رؤساء غرف التمييز إلى ثلاثة.

إقرأ أيضاً: التغييريّون: “لا” مقاطعة.. و”لا” لبرّي و”لا” لميقاتي

يعترض الثنائي الشيعي على ثغرة في المرسوم ترتبط بوجود قضاة في الهيئة العامة لمحكمة التمييز منتدبين في الوقت نفسه في مراكز قضائية أقلّ، كما هي الحال مع القاضي أيمن عويدات المنتدب رئيس استئناف، والقاضي منيف بركات المنتدب نائباً عامّاً في البقاع.

في الخلاصة، المرسوم لن يمرّ، لأسباب إدارية وتقنية وطائفية، لكنّ السبب الأساسي هو ذلك السياسي، الذي عنوانه “القاضي بيطار”.

مواضيع ذات صلة

استهداف محمد عفيف: رسالة متعدّدة الأبعاد

توجّه مسؤول وحدة الإعلام في الحزب الحاج محمد عفيف ظهر يوم الأحد الماضي برفقة عدد من مساعديه إلى مقرّ حزب البعث في منطقة رأس النبع…

ساعات حاسمة… ومصير السّلاح مجهول

في الأيام الماضية ضغط جيش العدوّ الإسرائيلي بجولات من قصف صاروخي عنيف ومكثّف لا مثيل له منذ بدء العدوان الجوّي في 23 أيلول الماضي، وتوّج…

كيف يستعدّ الحزب لليوم التّالي؟

بدأ الحزب إعادة ترتيب أولويّاته تحضيراً لليوم التالي في الحرب بعيداً عن التفاصيل الميدانية الحربية والمفاوضات السياسية الحاصلة لإصدار قرار وقف إطلاق النار.   أشارت…

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…