بعد تداول الكثير من الشائعات عن الاشتباه في إصابة أفراد بـ”جدري القرود” في لبنان، وما خلّفته من حالات هلع لدى المواطنين، حسمت وزارة الصحّة العامّة الجدل في بيانٍ أكّد عدم وجود “أيّ حالة مؤكّدة أو مشتبه في إصابتها بهذا المرض في لبنان حتّى تاريخه، وسوف يتمّ الإعلان عن أيّ حالة رسمياً من قبل وزارة الصحّة العامة في حال ثبوتها”.
مصادر وزارة الصحة كشفت لـ”أساس” أنّه “لم تصدر أيّ توصية من منظمة الصحّة العالمية حتّى الساعة حول الإجراءات المتّخذة على المعابر، خصوصاً أنّ هذا المرض لا ينتقل في الهواء مثل فيروس كورونا، وفريق وزارة الصحة قادر على مواجهة “جدري القردة” في حال وصوله، وبعد أسبوعين يصل إلى لبنان جهاز خاصّ بإجراء فحص جدري القرود (PCR)”.
هل الحالات المصابة مرتبط بعضها بالبعض الآخر؟ وهل احتاجت الحالات إلى دخول المستشفى؟
رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية المعدية في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، والمستشار في لجنة “منظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط”، البروفيسور غسان دبيبو، نفى لـ”أساس” تسجيل إصابات بهذا الفيروس، لافتاً إلى أنّ “وزارة الصحة أثبتت في بيانها عدم صحّة كلام الطبيب الذي أعلن ذلك وسبّب هلعاً لدى المواطنين”.
حسمت وزارة الصحّة العامّة الجدل في بيانٍ أكّد عدم وجود “أيّ حالة مؤكّدة أو مشتبه في إصابتها بهذا المرض في لبنان
وتابع: “تُجرى حالياً دراسات معمّقة، لمعرفة ارتباط هذه الحالات بعضها بالبعض الآخر. لذلك نقوم برصد تسلسل هذه الحالات لمعرفة تفاصيل علمية أكثر، خصوصاً أنّ السفر والتنقّل يساهمان أكثر في نقل الفيروسات بشكل أكبر. ومع ذلك ما زالت هذه الحالات محدودة، وقد اتُّخذت الإجراءات اللازمة حول العالم (العزل والمتابعة الصحية للحالات) والتدابير للمخالطين الذين يقدّمون الرعاية الصحية للمصابين لتوفير الحماية لهم. لكن من المبكر الجزم أنّ هذه الحالات مرتبط بعضها ببعض أو مرتبطة بمنطقة واحدة كانت مصدراً للفيروس”.
أما عن مدى حاجة هذه الحالات إلى الاستشفاء، فشرح أنّ “هناك اختلافاً في هذه الفيروسات. فيروس الجدري الذي تمّ القضاء عليه هو فيروس قاتل، ونسبة الوفيات عند المصابين به تراوح بين 30% و40%، بينما يُعتبر “جدري القردة” خفيفاً وألطف، ونسبة الوفيات بسببه أقلّ من 1%، وتعود الوفيات إلى مشكلات صحية أو ضعف في المناعة يعاني منهما المصاب”.
ووضح أنّ فيروس “جدري القردة” هو عبارة “عن سلالتين جاءتا من إفريقيا الوسطى وإفريقيا الغربية، والحالات التي تُسجَّل حول العالم هي من سلالة إفريقيا الغربية. أمّا بالنسبة إلى لقاح الجدري فكان يستهدف نوع الجدري الذي كان يُشكّل جائحة ويتسبّب بوفاة الأطفال وكبار السنّ، لذلك تمّ إدراج اللقاح ضمن التلقيح الروتيني، وقد تمّ القضاء عليه عام 1980. يمكننا الجزم أنّ مواليد عام 1972 وما قبل تلقّوا لقاح الجدري، وهم محميّون بنسبة كبيرة، فيما مَن هم تحت سنّ الـ50 معرّضون أكثر بسبب عدم تلقّيهم اللقاح”.
هل هناك مبرّر للخوف؟
أخذت تتّسع دائرة القلق من تنامي عدد الإصابات بجدري القرود في أنحاء العالم، بعدما ظلّ هذا المرض مستوطناً في مناطق غرب إفريقيا زمناً طويلاً. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إنّ “الإصابات الأخيرة بجدري القرود في أوروبا والولايات المتحدة أمر يثير القلق”. وأوضح أنّ “ذلك القلق ناجم عن أنّه إذا ما كُتب لهذا المرض أن يتفشّى فستكون عواقبه وخيمة، لكنّه لا يمثّل نفس التهديد الذي مثّله كورونا. والعمل جارٍ لتحديد نوع اللقاح الذي قد يكون فعّالاً ضدّ جدري القرود”.
“بلومبيرغ” كشفت أنّه على الرغم من عظمة ذلك الإنجاز العلمي في استئصال الجدري قبل أكثر من 40 عاماً، إلا أنّ الجانب السلبي له هو وقف حملات التطعيم ضدّه: “لقاح الجدري كان يقوم بدور فعّال في كبح الفيروسات المسبّبة للأنواع الأخرى من الجدري، ومنها جدري القرود. وينبع الفزع الراهن من جدري القرود من خطورة قفز هذا الفيروس عابراً الحدود ليصبح أزمة صحية في جميع دول المعمورة”.
إقرأ أيضاً: جدري القرود: ينتشر بين المثليين.. ولبنان آمن
في بريطانيا، أعرب الخبراء الصحيون عن قلقهم من تبعات تفشّي جدري القرود على أداء الخدمة الصحّية، خصوصاً العيادات المخصّصة للأمراض الجلدية والتناسلية. وذكر تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أنّ بعض تلك العيادات قرّرت الكفّ عن استقبال مرضاها، وأنّ الإصابات التي تمّ تأكيد تشخيصها في بريطانيا دفعت الهيئات الصحية إلى إبلاغ الكوادر الطبية بأنّ كلّ ممرّض وطبيب قاما بالكشف على مصاب بجدري القرود يتعيّن إخضاعهما لعزل صحي، وهو ما سيؤدّي إلى تناقص عدد الكوادر الصحية في المشافي والعيادات التناسلية المتخصّصة.