سنّة البرلمان بلا زعيم: من أين نأتي برئيس الحكومة؟

مدة القراءة 6 د

عاجلاً أم آجلاً سيمرّ استحقاق رئاسة مجلس النواب بتجديد الولاية السابعة لرئيس حركة أمل نبيه بري، حتى لو تدلّل “التيار الوطني الحرّ” وترك الباب مقفلاً، أو تشاطرت “القوات” وأدارت ظهرها للرئاسة الثانية، أو تكبّرت “قوى التغيير” وترفّعت عن هذه “المعموديّة” معتبرةً أنّ التجديد لبرّي هو محرقة قد تنسف كلّ منظومتها الاعتراضية.

لكنّ السؤال التالي والأبرز: مَن سيكون رئيس الحكومة؟

ليست العقدة في البحث عن شخصية تخلف رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي. وإنّما كيف سيتمّ إقناع النواب السُنّة بأيّ مرشّح قد ينجح في تحقيق توافق سياسي على اسمه؟

يولد السؤال من رحم المشهد السوريالي الذي يحيط بتركيبة المجلس النيابي الجديد لناحية اتّجاهات النواب السُنّة الذين دخلوا برلمان 2022 من كلّ حدب وصوب. يكاد يكون مشهد تلاقيهم في قالب واحد مستحيلاً وواحداً من أكثر الصور البرلمانية غرابة. يقود هذا الأمر إلى سؤال بديهيّ: هل يتمكّن أيّ مرشّح لرئاسة الحكومة من الحصول على ميثاقية سنّيّة؟

الخلاصة لا يوجد “كتلة وازنة” سنيّاً يمكنها أن تفرض رئيساً للحكومة أو أن تدّعي “أبوّة” السنّة أو “زعامتهم

في جردة سريعة للنوّاب السُنّة المنتخبين، يتبيّن أنّ الكثير منهم هم من الوجوه الجديدة في السياسة، باستثناء قلّة قليلة، مثل وليد البعريني، جهاد الصمد، فؤاد مخزومي، عدنان طرابلسي، أسامة سعد، حسن مراد، وأشرف ريفي الذي كان وزيراً للعدل. أمّا البقيّة فهي تدخل النادي البرلماني للمرّة الأولى.

ليست “المصيبة” في كونهم نوّاباً للمرّة الأولى، وإنّما في صعوبة جلوسهم إلى طاولة واحدة أو تفاهمهم، حتى لو أنّ بعضهم يلتقي تحت مظلّة قوى التغيير. والأرجح أنّ لدى هؤلاء الفرصة للملمة صفوفهم ضمن كتلة واحدة أكثر من غيرهم، أسوة بنواب قوى الثامن من آذار.

بالتفصيل، يتبيّن مثلاً:

في عكّار حيث اقترع أكثر من 153 ألفاً من أصل 309 آلاف ناخب، ليست العلاقة بين النوّاب السُنّة مثاليّةً، والتحالف الذي حصل بين وليد البعريني (11 ألف صوت تفضيلي) ومحمد سليمان (11,300 صوت تفضيلي)، فرضته المصلحة لا أكثر، خصوصاً أنّ الأوّل راح يتصرّف تصرُّف زعيم لا نائب، وما العراضة التي نظّمها مؤيّدوه يوم 15 أيار أمام أحد مراكز الاقتراع حين وصل إليه البعريني، إلا دليل ملموس على طموحات النائب العكّاري التي تسبّبت بالكثير من الإشكالات مع شركائه عشيّة تأليف اللوائح. أمّا محمد يحيه الذي سينضمّ إلى تكتّل مع العونيّين فقد حصد أكثر من 15 ألف صوت تفضيلي.

في طرابلس-المنية-الضنّيّة حيث اقترع 151 ألفاً من أصل 377 ألف ناخب، خرج ميقاتي من الحلبة بقرار ذاتيّ. ولو أنّ عارفيه يردّون ذلك إلى رفضه التعرّض للابتزاز وخشيته من موجة اضطرابات اجتماعية واقتصادية قد تكون على “المفترق”. قلّة من الوجوه يمكن التكهّن بخياراتها السياسية: أشرف ريفي (11,500 صوت تفضيلي)، جهاد الصمد (7,800 صوت تفضيلي)، وطه ناجي ممثّل جمعية “المشاريع” (7,400 صوت تفضيلي). فيما يُفترض أن يكون عبد الكريم كبّارة على خطى والده (5,000 صوت تفضيلي). أمّا أحمد الخير (6,100 صوت تفضيلي) وعبد العزيز الصمد (9,100 صوت تفضيل) فخرجا من رحم لائحة الـ”EX مستقبل”. وحده رامي فنج (5,000 صوت تفضيلي) أقرب إلى قوى التغيير. أمّا إيهاب مطر (6,500 صوت تفضيلي) فلا يزال في “الغربال”.

في بيروت حيث اقترع 154 ألفاً من أصل 370 ألف ناخب، صوَّت السُنّة بشكل “عقابيّ”. لكنّهم لم يطوّبوا أيّاً من مرشّحي العاصمة زعيماً بديلاً لسعد الحريري فوزّعوا الحواصل بين اللوائح المتنافسة. رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الأكثر خسارة، إذ لم ينَل خالد قباني أكثر من 3,400 صوت تفضيلي ولو أنّ لائحته تجاوزت الحاصل وجيّرته لفيصل الصايغ. الحريري لم يكن أفضل حالاً ولو حجز نبيل بدر (5,600 صوت تفضيلي) مقعداً نيابياً. كان لـ”قوى التغيير” حصّتها من السُنّة، إذ نالت لائحة بيروت التغيير حوالي 32 ألف صوت، فيما وضع إبراهيم منيمنة 13 ألف صوت تفضيلي في “جيبه” مع “السكور” الأعلى في المدينة سنيّاً. ونال وضّاح الصادق 3,700 صوت تفضيلي. أمّا فؤاد مخرومي (10 آلاف صوت تفضيلي) فله مساره الخاص، وهو الذي يعتقد أنّ طريق السراي صارت مسهّلة. فيما خيارات عدنان طرابلسي (8,400 صوت تفضيلي) وعماد الحوت (7,300 صوت تفضيلي) واضحة.

بات واضحاً هو أنّ رئاسة الحكومة خرجت من “البرلمان”، ويجب البحث عنها في أروقة أخرى، دولية ربما، أو إقليمية

– في صيدا-جزّين اقترع 63 ألفاً من أصل 129 ألف ناخب، وسقطت “الحريريّة” بالضربة القاضية، إذ قطف أسامة سعد (7,300 صوت تفضيلي) وعبد الرحمن البزري (8,500 صوت تفضيلي) المقعدين. الاسمان من قماشة المعارضة، لكنّ لهما بطبيعة الحال هامشهما في الأداء السياسي المتمايز بعض الشيء عن بقيّة المعارضات.

في البقاع تقاسم حسن مراد (9,100 صوت تفضيلي)، وياسين ياسين (6,000 صوت تفضيلي) المقعدين، وكذلك الولاء السياسي. فالأوّل من صلب قوى الثامن من آذار والثاني من قوى التغيير.

في زحلة كان الفوز من نصيب بلال حشيمي بحوالي 3,800 صوت تفضيلي (المقعد السنّي الوحيد الذي فاز به فؤاد السنيورة داعماً. ولو أنّ المعنيّين ينفون وجود ارتباط عضويّ بينهما).

في بعلبك، كان لـ”حزب الله” مقعدان، الأوّل لينال الصلح (8,700 صوت تفضيلي) والثاني لملحم الحجيري (7,100 صوت تفضيلي).

في الشوف جدّد “اللقاء الديمقراطي” نيابة بلال عبد الله (8,100 صوت تفضيلي)، فيما خطفت قوى التغيير مقعداً لمصلحة حليمة قعقور (6,600 صوت تفضيلي).

في الحصيلة، المشهد السنّيّ “هجين” في تركيبته. والأرجح أنّ مشروع رئاسة الحكومة المقبلة سيكون بين أيدي ثلاث كتل أساسية:

– كتلة قوى الثامن من آذار. ولو أنّ خيارات الثنائي و”التيار الوطني الحر” في المراحل الأخيرة لم تكن منسجمة في ما خصّ هذا الاستحقاق.

– كتلة “القوات” التي تترك ورقة أشرف ريفي للرئاسة من باب الضغط.

– كتلة “17 تشرين” التي تضمّ أكثر من مرشّح محتمل للرئاسة الثالثة، وتحاول لملمة صفوفها، لكنّها تعاني إشكالات بين مكوّناتها. مع العلم أنّها تعمل على طريقة تجميع النواة الصلبة أوّلاً، ثمّ توسيع بيكار المشاورات مع بقيّة المعارضات. ويقول أحدهم إنّ “على اليسار نواباً “تغييريين” جدداً يمكن التفاهم معهم كنواب الجنوب والبقاع، وعلى اليمين تحالفات يمكن تجديدها مع النواب ميشال معوّض ونعمة افرام وميشال ضاهر وحزب “الكتائب” وحزب “القوات”.

إقرأ أيضاً: الانتخابات المريرة وبدايات التغيير

في الخلاصة لا يوجد “كتلة وازنة” سنيّاً يمكنها أن تفرض رئيساً للحكومة أو أن تدّعي “أبوّة” السنّة أو “زعامتهم”. وما بات واضحاً هو أنّ رئاسة الحكومة خرجت من “البرلمان”، ويجب البحث عنها في أروقة أخرى، دولية ربما، أو إقليمية.

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…