مَن يتابع ردّات الفعل الجماهيرية الصاخبة على كلام وتصريحات المرشّح عن المقعد السني في طرابلس عمر حرفوش، يظنّ أنّ في مدينة طرابلس رفضاً شعبيّاً عارماً له ولمشروعه. في حين يُعجب المتابع للمشهد من الخارج من كمّ الثقة الهائل الذي يظهر في ثنايا كلام حرفوش. تُرى منْ أين له كلّ هذه الثقة في ظلّ رفض الشارع الطرابلسيّ له؟
الجواب هو في مكتب عمر حرفوش الانتخابي الذي يشهد تقاطر حشود الجماهير زرافات ووحداناً، وربّما يكون من بينهم مَنْ يسارعون إلى وضع التعليقات الرافضة لكلام حرفوش في حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكثرة الازدحام في مكتب حرفوش على مدار ساعات النهار، ضاق سكّان المبنى ذرعاً بما يحدث وأصرّوا على رحيله إلى مبنى آخر، فكان لهم ما أرادوا، إذْ تمّ نقل المكتب على عجل إلى مكان آخر.
مَن يتابع ردّات الفعل الجماهيرية الصاخبة على كلام وتصريحات المرشّح عن المقعد السني في طرابلس عمر حرفوش، يظنّ أنّ في مدينة طرابلس رفضاً شعبيّاً عارماً له ولمشروعه
هل يعلم المستقبل أين مفاتيحه؟
الفئة الأكثر معارضةً لحرفوش هي جمهور تيار المستقبل الذي يواظب على نشر صور قديمة له وانتقاد مشروعه الانتخابي. بيد أنّ المفارقة هي أنّ الفئة الكبرى من زوّار حرفوش هي من ناخبي المستقبل. فالمفاتيح الانتخابية التي عملت لتيّار المستقبل في انتخابات العام 2018 أغلبها باتت تعمل اليوم لحرفوش، وهي موجودة بشكل دائم في مكتبه وتنسِّق زيارات الوفود الانتخابية له، على الرغم من أنّها لا تزال تُوالي الحريري، حتى إنّ بعضها تتصدّر صور الحريري مكتبه.
يبلغ الازدحام ذروته عندما يحضر السيّد عمر حرفوش إلى مكتبه ويفتح قلبه للناس، وكذلك خزنته الزاخرة بما يسيل له اللّعاب من العملات التي تجعل من المبادئ كلاماً وحسب، أو كما يقول رؤوف خليف، المعلّق الكرويّ الشهير: “أوهام بأوهام”.
هنا يحضر السؤال الأبرز: هل لدى الأمين العامّ لتيّار المستقبل أحمد الحريري علم بانتقال مَن بذل جهوداً مضنية، استخدم فيها كلّ أدوات السلطة، لاستقطابهم إلى فريقه، إلى صفّ عمر حرفوش؟ هؤلاء الذين عانى الحريري كثيراً لتنظيمهم وإدارة خلافاتهم وتلبية طلباتهم التي لا تنقطع.
باب للاسترزاق
ربّ قائل إنّ تيّار المستقبل وأمينه العامّ لا يمكنهما منع أحد من العمل الانتخابي، ولا سيّما في مثل هذه الظروف المعيشية القاسية. ومن جانب آخر، هناك معلومات يتمّ التداول بها في الشارع الطرابلسيّ، وبعضها نقلاً عن لسان هؤلاء المفاتيح، أن أحداً لم يمنعهم من الاستفادة الماديّة في ما يُعدّ موسماً ينتظرونه أربعة أعوام بشوق وشغف.
الجواب بسيط: لأنّ نخب التيّار وجمهوره في مكان، ومفاتيحه الانتخابية في مكان آخر. وهذا الأمر ليس وليد اليوم، بل هو واقع موجود منذ العام 2016 حينما ابتدأ العمل على اجتذاب هؤلاء ممّن يُطلق عليهم “رجال الأرض” أو الشارع، ممّن مُنحوا امتيازاتٍ ضخمة لم يحظَ محازبو المستقبل بمثلها أبداً. وهم أصلاً لا يدينون بالولاء إلّا لمصالحهم، وأغلبهم على تنسيق واسع مع بعض الأجهزة الأمنيّة.
يبلغ الازدحام ذروته عندما يحضر السيّد عمر حرفوش إلى مكتبه ويفتح قلبه للناس، وكذلك خزنته الزاخرة بما يسيل له اللّعاب من العملات التي تجعل من المبادئ كلاماً وحسب، أو كما يقول رؤوف خليف، المعلّق الكرويّ الشهير: “أوهام بأوهام”
يقودنا هذا الأمر إلى التساؤل: هل تحظى حركة عمر حرفوش ببركة الأجهزة الأمنيّة؟ ولا سيّما أنّ هناك اتّهامات يُوجِّهها بعض المرشّحين التغييريّين إلى الأجهزة الأمنيّة بلعب أدوار سلبية ساهمت في تفريق وشرذمة قوى التغيير إلى لوائح متعدّدة؟
الصوت بثلاثة ملايين
في حمأة “الحشد الشعبي” الكبير في مكتب عمر حرفوش، الذي ليس لديه فريق كبير يعاونه، إذ يشرف بنفسه على كلّ شيء تقريباً، تتواتر الروايات عن المبالغ التي يدفعها من على لسان “حجيج” مكتبه إلى آذان جيرانهم وأصدقائهم، لتنتشر في الشارع الطرابلسيّ بسرعة البرق.
بحسب آخر التحديثات التي وصلتنا بلغت قيمة الصوت الواحد ثلاثة ملايين ليرة، حسبما روى لنا شهود عيان، وأنّ هناك أسعاراً خاصة للمجموعات، أي البلوكّات الانتخابية. ويُدفع المبلغ بكامله قبل الدخول إلى مركز الاقتراع مباشرة. وربّما يرتفع المبلغ المرصود للصوت الواحد في الأيّام القليلة المتبقّية على بدء عمليّة الاقتراع.
هم أنفسهم تقريباً مَن يحجّون إلى مكتب عمر حرفوش، بما يؤسّس لمشهديّة مستقبلية نافرة ومتناقضة: نخب تُقاطع ومفاتيح تُشارك وبزخم. وبينهما جمهور تائه وحائر، قسم منه يحجّ إلى مكتب حرفوش، وقسم آخر لا يزال ينتظر متسائلاً: هل يُصغي لقيادات تيّار المستقبل أمْ ينساق وراء مفاتيحه؟ وفي قرارة نفسه يتردّد السؤال التالي: هل تريد قيادات المستقبل هزيمة الدكتور مصطفى علوش الذي لطالما أنجدهم في المدلهمّات والخطوب الجسام ودفع ثمن مواقفه كثيراً وغالياً؟ ولماذا؟
إقرأ أيضاً: طرابلس: علّوش أو حرفوش..
ربّما يكون التيار قد سكت عمّا يحصل لأنّه لا يستطيع منع مفاتيحه من العمل الانتخابي، وبالنسبة إليه يبقى حرفوش أهون بكثير من أشرف ريفي والقوات.
لكن هل يضمن استمرار ولائهم له؟
وماذا لو فعلها حرفوش وأصبح نائباً؟