قد تكون العِبرة الأساسية في خلاصة مرحلتَيْ اقتراع المغتربين اللبنانيين في 58 دولة حول العالم، وحصولهما مع هامش خطأ مقبول في التنظيم، وتحقيقهما أرقاماً معبّرة لناحية نسب الاقتراع، أنّ الانتخابات على “الأراضي اللبنانية” خرجت تقريباً بالكامل من مربّع التأجيل أو التطيير. فما جرى هو تطيير السيناريو الافتراضي الذي رافق مسار الانتخابات منذ أشهر وجَعَل فرضيّة التأجيل تتقدّم على احتمال الالتزام بمواعيدها.
لكنّ المعطى الأهمّ الذي خَتَمَ آخر صندوق اقتراع في “الشتات” اللبناني تُرجِم في انفلاش بقعة “التغييريّين” والمعارضة في معظم الدوائر الانتخابية من “طابور دبي” إلى “طابور كندا” وموجات الاعتراض في فرنسا ولندن والولايات المتحدة ودول أوروبية، وهو ما زاد من عامل القلق لدى لوائح السلطة.
علم “أساس” أنّ عدد المقترعين من دائرة بيروت الثانية بات يكفي لحسم 3 حواصل على الأقلّ
والرقم الأهم، وفق معلومات “أساس”، هو أنّ عدد المقترعين من المسجّلين في دول الاغتراب، لامس 60%، أي أنّه تجاوز 120 ألفاً وربما يصل إلى 130 ألفاً بعد صدور الأرقام الرسمية.
كما علم “أساس” أنّ عدد المقترعين من دائرة بيروت الأولى والثانية بات يكفي لحسم 3 حواصل على الأقلّ.
مع التسليم بالبلوكات الحزبية التي تسيطر على مناخات الانتخاب في بعض دول الاغتراب، وهي معروفة الحجم والتوجّه، فالأرجح أنّه نَقَص عدَدُها في هذه الانتخابات ولم يزِد ناخباً واحداً.
لا ينفي المدير العام لـ”الدولية للمعلومات” جواد عدرا “الصبغة الحزبية والطائفية التي تطغى على بعض الدول، وهو ما يجعل من أرقام الناخبين فيها ونسبة اقتراعهم ووجهة التصويت مؤثّرة في الاستحقاق الانتخابي”.
نسبة الاقتراع في المرحلتين الأولى والثانية في دول الاغتراب مقارنة بالعام 2018 عاملٌ لا يُعتدّ به. يوضح عدرا: “هذه المقارنة غير جائزة، وذلك بسبب الفارق في عدد المسجّلين للانتخابات. إذ بلغ في الانتخابات الماضية 92,180 اقترع منهم 46,799 ناخباً، بينما بلغ في الانتخابات الحاليّة 225,114 بزيادة مقدارها 152,262 ناخباً عن 2018 ونسبتها 165%”.
الدكتور خالد قباني
[VIDEO]
يرى عدرا أنّ “المخالفات الانتخابية التي حصلت غير جوهريّة وغير مؤثّرة على النتائج، لكن ما يمكن فعلاً التوقّف عنده، وبسبب “الصبغة” الحزبية والطائفية لبعض الدول، عروض القوة “الانتخابية” من نصب خيم واحتفالات اقتصرت على مؤيّدي أحزاب دون آخرين في بعض الدول تحت وطأة التخويف أو المحاذير لبعض الناخبين ربطاً بمناخات الانقسام السياسي في لبنان وامتداده إلى الخارج”.
دلالات البلدان والاتجاهات
يتوقّف خبير انتخابي عند دلالات الاقتراع ووجهته لدول مثل فرنسا وألمانيا وأستراليا والإمارات.
في أستراليا “القوّاتية” الهوى يمكن تفسير غضب معراب من كيفية توزيع أقلام الاقتراع في سيدني، والشكوى من المسافات الفاصلة بين الناخب والصندوق، مع العلم أنّ معطيات وزارة الخارجية وبعيداً عن أيّ اعتبار سياسي أقرّت بحصول خطأ في التسجيل في أستراليا من قبل الماكينة الانتخابية للقوّات.
تسجّل في أستراليا 20,601 ناخب، وفي سيدني وحدها 16,200 ناخب موزّعون على تسعة مراكز. بلغت نسبة الناخبين الموارنة 60.37%، ثم السُنّة 15.61%. وتجاوز عدد المقترعين 55% (سيدني 55%).
وبدت “شيعيّة” ألمانيا وساحل العاج فاقعة في اليوم الانتخابي مع عروض القوّة من قبل ناخبي “حركة أمل” والأناشيد التي خاطبت رئيسها “يا نبيه ارتاح ارتاح. برلين صارت شيّاح”.
“طابور دبي” أمام القنصلية اللبنانية تقدّم أمس المشهد الاغترابي، ووصفه بعض روّاد التواصل الاجتماعي بـ”طابور الانتقام”. ففي الإمارات كان العدد الأكبر من المسجّلين مقارنة بسائر الدول العربية، ودائرة بيروت الثانية أكبر أقلام الاقتراع فيها.
الخبير الانتخابي كمال فغالي لـ “أساس” أنّ “انتخابات المغتربين هذه المرّة سيكون لها تأثير مباشر على النتائج مقارنة بعام 2018، وتحديداً في دوائر بيروت الأولى، وبيروت الثانية، والشمال الثالثة، وجبل لبنان الرابعة، والجنوب الثالثة
بيروت الثانية والشمال الثالثة
يسلّم خبير انتخابي بأنّ ناخبي بيروت الثانية السُنّة إذا لم يتوزّعوا على اللوائح، خصوصاً بين اللوائح المدعومة من فؤاد السنيورة ونبيل بدر وفؤاد المخزومي، يمكن أن يغيّروا في نتائج بيروت الثانية، مع 16 ألف مقترع في الاغتراب، وفي بيروت الأولى مع 6 آلاف مقترع في الاغتراب.
سيكون لتصويت المغتربين في دائرة الشمال الثالثة التأثير الأكبر مقارنة بباقي الدوائر الانتخابية حيث يملكون حاصلاً لوحدهم، وثقل هؤلاء الأكبر هو في أستراليا وفرنسا، مع العلم أنّ المراقبين توقّعوا نسبة اقتراع أكبر في فرنسا. وبدا لافتاً انخفاض نسب الاقتراع في إفريقيا. وسيلفح “التغيير” لوائح في الشمال وبعبدا والشوف وبيروت وصولاً إلى الجنوب.
يجزم الخبير الانتخابي كمال فغالي لـ “أساس” أنّ “انتخابات المغتربين هذه المرّة سيكون لها تأثير مباشر على النتائج مقارنة بعام 2018، وتحديداً في دوائر بيروت الأولى، وبيروت الثانية، والشمال الثالثة (البترون-الكورة-بشرّي-زغرتا)، وجبل لبنان الرابعة (الشوف-عاليه)، والجنوب الثالثة (مرجعيون-حاصبيا- النبطية- بنت جبيل)”، مقدّراً أن تؤثّر كتل المغتربين بنحو مقعدين في كلّ دائرة من هذه الدوائر.
إقرأ أيضاً: انتخابات المغتربين: أعلام الاشتراكي والقوات في السعودية!
مخالفات انتخابيّة
ختاماً، سُجّلت أمس بعض المخالفات الانتخابية، منها ضيق المساحة المخصّصة لأقلام الاقتراع، وقرب المسافات بين المندوبين، ومشكلة بالعازل في سيدني، ومخالفات مرتبطة بالدعاية الانتخابية، ومعوّقات ارتبطت باللغة وترجمة أسماء اللوائح والمرشّحين، فضلاً عن جولات من الاستفزاز المتبادل بين مؤيّدي الأحزاب، وبين هؤلاء وقوى المجتمع المدني. إذ رصدت الكاميرات عراكاً أمام مراكز الاقتراع في فرنسا ولندن، ورشوة انتخابية في السويد…