صاروخ أحمد قبلان.. وصاروخ إيلون ماسك

مدة القراءة 5 د

كانت صدفة خالصة. وصدقاً ليست ادّعاءً لكتابة المقال.

كانت صدفة حقيقية. قرّرتُ في آخر الليل، بناءً على نصيحة صديق، أن أشاهد وثائقي عن إيلون ماسك وشغفه بالسفر إلى الفضاء. وبالطبع، مثل هذه الوثائقيات تكون مليئة بالمعلومات حيناً، وبالوصف المملّ حيناً. فأفتح الهاتف، وأقلّب بين فيسبوك وتويتر وتيكتوك، بحثاً عن مضادّ للملل.

هكذا، وكما عادات سكّان هذا الكوكب الذي يخطّط إيلون ماسك ليُخرِجَ بعضَنا منهُ قريباً، إلى مستعمراتٍ على سطح القمر، “خلال سنوات قليلة”، ولإنزال بعضنا “على سطح المرّيخ”… رحتُ أرمي أذناً وعيناً لأسمع وأشاهد الوثائقي، وأذناً وعيناً أخرى على الهاتف.

مصادفة تختصر الفارق بين الحضارات التي تملأ هذا الكوكب. بعضها يريد أهله النفاذ إلى السماء بالموت، بالصاروخ، والحديد والنار، بالقتل، ومن بوابات القبور، وبعضها يريد الخروج من الكوكب بأن يركب صاروخ السفر بين الكواكب

فجأة، تقع عيني على فيديو للمفتي الشيعي، الشيخ أحمد طالب.

قبل يومين كان المفتي الجعفري “الممتاز” (يعني باب أوّل) أحمد قبلان قد أعلن أنّ التصويت بورقة بيضاء في الانتخابات النيابية هو “حرام”، وأعلن ما يشبه التكليف الديني بالتصويت لـ”الثنائي الوطني”، قاصداً حزب الله وحركة أمل.

الشيخ أحمد طالب ردّ عليه بأنّ فتواه “سياسية وليست دينية”، وأنّ منصبه لا يخوّله الإفتاء بالحرام والحلال. واندلعت تعليقات تعترض على تحريم “عدم انتخاب فاسدين”.

لكن هذا ليس مهمّاً. النصّ الذي بين يديكم لا يحمل موقفاً سياسيا مع “الثنائي” ولا ضدّه.

أعود إلى إيلون ماسك. يروي كيف فشلت محاولته الأولى، بـ100 مليون دولار، لإطلاق صاروخ يخرج من مدار الأرض. وفشلت المحاولة الثانية. ثم الثالثة. لم ييأس. في الرابعة، خرج الصاروخ، وعاد سالماً. فوراً تلقّى اتصالاً من “نازا” تعلمه أنّه فاز لتوّه بعقد معها قيمته 1.5 مليار دولار أميركي، و”فريش” طبعاً.

بعد الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، إيلون ماسك هو رابع “جهة” تخرج من مدار الأرض بصاروخ صنعه بفريقه الخاصّ، دون خبرات “دولة” ما.

يحمل قبلان “مفاتيح الجنّة”، في السماء. يقرّر من مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، حيث كان يخطب في العيد، بضاحية بيروت الجنوبية، من يدخل الجنّة ومن يدخل النار، بناءً على التصويت في انتخابات لبنان النيابية

أعود إلى الفيسبوك في لبنان. ربما تكون المقارنة ظالمة. لكنّها حقيقية. قبلان يهدّدنا بأنّ يرسلنا إلى النار إذا لم ننتخب مرشّحي حزب الله وحركة أمل.

ثم أرمي عيني على التلفزيون. إيلون يقول بثقة، إنّه “آن الأوان للحضارة البشرية أن تخرج من مهدها، كوكب الأرض، إلى الكون الواسع”.

يحمل قبلان “مفاتيح الجنّة”، في السماء. يقرّر من مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، حيث كان يخطب في العيد، بضاحية بيروت الجنوبية، من يدخل الجنّة ومن يدخل النار، بناءً على التصويت في انتخابات لبنان النيابية.

أعود إلى إيلون، الذي صمّم على أن يصنع صاروخاً لا ينفجر بعد إطلاقه إلى الفضاء، ويكلّف 1 على 10 من كلفة الصواريخ التي تصنّعها الدول “الفضائية”. وفعلاً نجح. وجد طريقةً لإعادة استعمال الصاروخ مراراً وتكراراً، بإعادته سالماً، عبر الهبوط الآمن، بدلاً من تفجيره في الهواء.

يسرقني الهاتف مجدّداً. أحمد قبلان يكتب أسماء “المشاغبين”، ممّن سيصوّتون لغير المجموعة السياسية التي اختارها. ويدّعي أن الله أوكله بأن يقرّر من يذهب إلى الجنّة، في السموات العالية، ومن يذهب إلى النار، في سابع أرض.

تقول امرأة في وثائقي إيلون ماسك: “هنا من الفضاء، لا نرى الحدود المرسومة على الخرائط، بل نرى الأرض كوحدة كاملة”. وتنزل الجملة في أذني كـ”صاروخ”. أنا الجالس على طرف ضاحية بيروت الجنوبية، أشاهد دوائر لبنانية في فيسبوك، كيف ترتسم الحدود بين الأخ وأخيه، وكيف تدور الحرب على نائب يمثّل 5 أو 10 أو 20 ألف إنسان لبناني في حدّ أقصى، بأصواتهم التفضيلية.

كانت مصادفة تستحقّ الوثيق، بين أحمد قبلان، وإيلون ماسك.

كلّ واحد منهما ينهمك في “صاروخ”. الأوّل يريدنا أن ننتخب “مَن خاض أكبر حرب إقليمية في لبنان والمنطقة”، بالصواريخ والقتل والحديد والنار. والثاني يريدنا أن نؤمن بصاروخه الجديد، الذي أدهش “النازا”، ونقل البشرية إلى مرحلة تاريخية جديدة، يصير فيها “السفبر عبر الكواكب” ذو كلفة معقولة، كما كانت كلفة السفر بين القارات قبل 50 عاماً.

هو الصاروخ نفسه، بين أحمد قبلان وإيلون ماسك. بين “نتفلكس” وبرج البراجنة. بين “سبايس إكس” ولبنان.

إقرأ أيضاً: في سهولة الانحياز: بين رجل دين… وامرأة عارية

مصادفة تختصر الفارق بين الحضارات التي تملأ هذا الكوكب. بعضها يريد أهله النفاذ إلى السماء بالموت، بالصاروخ، والحديد والنار، بالقتل، ومن بوابات القبور، وبعضها يريد الخروج من الكوكب بأن يركب صاروخ السفر بين الكواكب، للخروج من مهد البشرية، في الكوكب الأزرق، لاستيطان كواكب مجرّتنا والمجرّات القريبة.

هل هي مصادفة شخصية بين تلفزيوني وهاتفي؟

أما أنّها مصادفة تافهة، أنّنا عالقون هنا مع أحمد قبلان وأمثاله، فيما إيلون ماسك يبني سفينة نوح البشرية، في طريقه إلى “الكون الواسع”؟

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…