ثمّة فيديو يتمّ التداول به بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي يتحدّث عن وجود ثلاثة مرشّحين عونيّين على لائحة “الجمهورية الثالثة”، لصاحبها عمر حرفوش، المرشّح الغريب الأطوار والمثير للجدل في طرابلس.
هذا ليس كلّ شيء، فهناك معلومات تشير إلى أنّ عمر حرفوش هو نتاج حوار فرنسي مع الحزب، ومعلومات أخرى تتحدّث عن كونه مشروعاً فرنسيّاً لتغريب عاصمة السُنّة. فكيف تجتمع كلّ هذه التناقضات في رجل؟ وأين الحقيقة من كلّ هذا؟
عمر وحزب الله؟
يطغى المشروع الذي يحمله حرفوش على كلّ هذه التناقضات. فهو يرفع لواء “الدولة العلمانية”، على الطريقة الفرنسية التي تحارب بشكل فظّ وصارم كلّ الظواهر الدينية، وخاصّة الإسلامية منها. لذلك يلقى ترشّحه عن مدينة محافِظة مثل طرابلس كمّاً هائلاً من الانتقادات التي تركّز بشكل كبير على شخصه وماضيه.
التيار العوني يبحث عن مواصفات عمر حرفوش، وليس الشخص، لشغل هذا الموقع
بيد أنّ ذلك التركيز يحجب الضوء عن دعم حزب الله له، الذي وإنْ لم يكن ظاهراً بشكل علنيّ إلّا أنّه ليس بحاجة إلى كثير عناء لتبيُّنه. فقد زرع حرفوش طريق المطار بصوره، علماً أنّه مرشّح في دائرة الشمال الثانية التي لم تكن ارتفعت صورة له فيها بعد.
ومن نافل القول أنّ الحزب الذي يضيق صدره بمرشّحي القوى التغييرية ويمنعهم من القيام بحملاتهم الانتخابية، ويضغط على المرشّحين المتحالفين مع القوات للانسحاب، وصولاً الى إطلاق النار على بعض التجمّعات الانتخابية لترهيب الناس، لا يمكن أنْ يسمح بانتشار صور لمرشّح يعارضه في واحد من أشهر مربّعاته، ولا سيّما تلك الصورة الضخمة على واجهة مركز تجاري، التي توازي صور خامنئي وسليماني شكلاً. فكيف عندما يكون اسم هذا المرشّح عمر مع كلّ ما يحمله هذا الاسم من إرث لا ينضب من الكراهية في العقيدة الدينية الراديكالية التي يعتنقها. ولا ننسى دخول حرفوش وتجوّله في ضاحية بيروت الجنوبية قبل أسابيع، بالصوت والصورة، وإعلانه أنّه لم يجد أيّ سلاح في الشارع وأنّ الناس كانوا ودودين جدّاً معه. ولم نعرف أصلاً مرشحّ طرابلسي ماذا يفعل في الضاحية ولأيّ هدف؟
ربّ سائل عن سبب تبنّي حزب الله مشاريع كهذه.
الجواب بسيط: تسخيف وتقزيم موقع رئاسة الحكومة وصولاً إلى إخراج السراي الحكومي من معادلة الحكم، ولا سيّما أنّ حرفوش، الذي لا ينفكّ عن التصريح بتوقه إلى رئاسة الحكومة، يقول إنّه سيكون رئيس الحكومة السنّيّ الأخير.
لنا في تجربة الرئيس حسان دياب العبرة الكاملة: عندما تعرّض مقام رئاسة الحكومة لكمٍّ هائلٍ من السخرية والتهميش لم يتعرّض لمثلهما طوال تاريخ لبنان المعاصر بشكل بات فيه أقرب الى “شاهد ما شافش حاجة”.
المرشّحون العونيّون
يشترك التيار العوني مع حزب الله في هدف تحطيم مقام رئاسة الحكومة ودوره المعزَّز بعد اتّفاق الطائف والمرفوض من قِبلهما. ولطالما قام الرئيس عون وصهره “العزيز” بفتح بازار لرئاسة الحكومة، عبر عرض مفتاح السراي الحكومي على عدد من المرشّحين مقابل إعلان الولاء والطاعة المطلقة لسيّد بعبدا.
يطغى المشروع الذي يحمله حرفوش على كلّ هذه التناقضات. فهو يرفع لواء “الدولة العلمانية”، على الطريقة الفرنسية التي تحارب بشكل فظّ وصارم كلّ الظواهر الدينية
بناءً على ما سبق، فإنّ التيار العوني يبحث عن مواصفات عمر حرفوش، وليس الشخص، لشغل هذا الموقع. ومن جانب آخر، كان الأخير يعاني صعوبةً في تشكيل لائحة فنَجَدَه التَيّار البرتقالي بثلاثة مرشَّحين تدثّروا برداء عمر حرفوش وعلّقوا على ثيابهم شعارات “الجمهورية الثالثة” المتخيّلة، لكنّهم عونيّون حتّى النخاع.
وهم الآتية أسماؤهم:
ديالا الأسطة، المرشّحة السنّيّة في طرابلس كانت في الصف الأوّل في استقبال باسيل إبّان زيارته الشهيرة عام 2019 لمدينة طرابلس، والتي فشل فيها في ملء ما بعد الصفّ الثاني، واقتصر الحضور على المحازبين، حسبما صرّح باسيل بنفسه. لا تقف مفارقات الأسطة عند هذا الحدّ، إذ سبق لها أنْ نشرت على حسابها عبر الفيسبوك تأييداً علنيّاً لحزب الله، وهو حقّها وشأنها، لكنّها حُكماً ليست مستقلّة.
ألفرد دورة، ابن مدينة الميناء والمرشّح الأرثوذكسي، محازب عونيّ أيضاً.
محمد زريقة، محامي والمرشّح السنّيّ في المنية. ويُعدّ من المقرّبين من باسيل. علماً أنّه كان أقرب إلى الانسحاب حسبما أقرّ لصديقه وعديل باسيل النائب شامل روكز لولا أنْ تداركته نِعَم حرفوش. وفي معلومات “أساس” أنّ إعلاميّاً أجرى لقاء مع واحد من أعضاء لائحة حرفوش وقبض بدل المقابلة من مكتب التيار الوطني الحرّ بشكل صريح.
مشروع مريب
كان حرفوش قد دخل مدينة طرابلس من بوّابة تيار المستقبل، وكان يجول في المدينة برفقة النائبة ديما جمالي وعدد من قياديّي التيار. وبعد انتفاضة 17 تشرين ابتعد حرفوش عن تيّار المستقبل شكلاً، لكنّه أبقى على تواصله مع أمينه العام. لذلك لم يمانع الأخير انتقال أحد الإعلاميين من حلقته الضيّقة إلى العمل مع حرفوش مستشاراً “فوق العادة”، أي الزميل عبد الله بارودي. وشهدنا لاحقاً انتقال بعض المفاتيح الانتخابية التي بذل جهوداً مضنية لضمّها سابقاً إلى المستقبل. واحد من هؤلاء دفع له حرفوش مبلغ مليار ليرة للقيام بنشاط رمضاني، لكنّه تردّد وطلب مهلة زمنية من أجل الحصول على بركة الحريري، فما كان من حرفوش إلّا أنْ طمأنه قائلاً: “أنا بحكي معو”!
إلى ذلك، يكْثُر في الشارع الطرابلسي الهمز والغمز والتحذير من كون حرفوش مشروعاً استخباراتيّاً فرنسيّاً لتغريب طرابلس، والقضاء على قِيَمها المحافظة التي تعتزّ بها.
إقرأ أيضاً: طرابلس بين هويّتين: حقوق المثليين… والتديّن
يقول أحد السياسيّين الطرابلسيّين بعد اطّلاعه على عدّة إحصاءات تشير إلى فوز عمر حرفوش بمقعد نيابي: هل يُعقل أنْ يصبح تمثيل طرابلس مدينة العلم والعلماء بهذا الشكل، من الشيخ الجليل محمد الجسر، وقامات وطنية كبيرة مثل الرئيس رشيد كرامي إلى عمر حرفوش؟
الجواب “لا” بالتأكيد… في صناديق الاقتراع.