سلسلة تناقضات واختلافات وخلافات باتت تعتري العلاقات الروسية – الإيرانية، وقد تجلّت في تطوّرين مهمّين كانا خلاصة واضحة للمشار إليه:
– امتناع إيران عن التصويت لمصلحة روسيا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بشأن أوكرانيا.
– عرقلة موسكو في اللحظات الأخيرة لاتفاق فيينا على الرغم من سعي طهران الحثيث إلى رفع العقوبات عنها والخروج بـ”نصر” تقدّمه لها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
التناقضات كثيرة بين إيران وروسيا، ومن آثارها استقبال بوتين الفاتر للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وعدم تلبية طلباته لبيع إيران أنواعاً من الأسلحة ليس بمقدور طهران تسديد ثمنها، وإلحاح موسكو على تسديد ما تبقّى من مبالغ مستحقّة ثمن بناء مفاعل بوشهر (فيما تحتاج روسيا اليوم إلى كلّ فلس)، مروراً بالخلافات على سياسة النظام الإيراني في آسيا الوسطى، إضافة إلى انخراط طهران المنحاز إلى الصين على حساب روسيا. وتتجلّى أوجه الخلاف في سوريا، حيث تتّهم طهران بشكل مستتر موسكو بأنّها تسمح لإسرائيل بتوجيه ضربات جويّة وصاروخية، لا بل حتّى إعطاء معلومات استخباراتية عن أمكنة مصانع الصواريخ الإيرانية التي بناها الحرس الثوري الإيراني بالقرب من القوات الروسية لاعتقاده أنّ الروس سيحمونها من إسرائيل. وهو اعتقاد لم يكن في مكانه. فغارات تل أبيب استهدفت مواقع إيرانية لصيقة بقاعدة حميميم ومرفأي اللاذقية وطرطوس من دون أن يرفّ جفن مضادّات حميميم والأسطول البحري الروسي.
كشفت قناة “الحدث” نقلاً عن مصادر مطّلعة أنّ الحزب أمر حليفه “الرئيس الظلّ” جبران باسيل بإخراج التوليفة المتّفق عليها بين طهران وواشنطن لتقاسم ثروات لبنان البحرية بما يرضي الجميع
في الموازاة، وفيما كانت تطمح إيران إلى أن تحصل على استثمارات نفطية على ساحل سوريا الغربي الممتدّ من حدود لبنان الشمالية حتى الحدود التركية لكي تستردّ جزءاً من ديونها، سبقتها روسيا وعقدت اتفاقاتها مع دمشق بهذا الخصوص.
بين موسكو وطهران، اختارت إدارة بايدن نظام الملالي. فبسحر ساحر ولكي تلوي واشنطن ساعد الروس، تراهن على إعادة إيران إلى الحضن الغربي، الأمر الذي يقلق موسكو بعد ما شاهدته إثر توقيع اتفاق 2015 واستدارة طهران نحو الغرب وتخلّيها عن الاستثمارات الروسية.
مؤامرة أميركية – إيرانية
على وقع هذا الخلاف، يبدو وفق المصادر أنّ هناك مؤامرة أميركية – إيرانية، سيُطبّق أحد جوانبها في لبنان بمعونة باسيل والثنائي الشيعي حزب الله – أمل، وسينتج عنه وضع إيران يدها على مخزونات الغاز الباطنية مقابل الشواطئ اللبنانية بحسب أحد الشروط الناجمة عن محادثات فيينا رغم الصعوبة البالغة لتحقيق ذلك.
منذ العام 2010 يشهد ترسيم الحدود البحرية في لبنان تجاذبات عدّة. فقد كانت إيران تمنع السلطة اللبنانية من خلال حزب الله حتى من التفكير أو الكلام في موضوع ترسيم الحدود البحرية متّهمة مَن يفكّر في الأمر بأنّه “عميل وخائن”. لكنّ الأمر تغيّر بعدما تقدّمت مفاوضات فيينا ودخلت طهران مع إدارة بايدن في تبادل المنافع وتقاسم الجبنة. عندئذٍ أعطت طهران الضوء الأخضر لحزب الله وحلفائه في الداخل اللبناني للتعامل مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين صاحب الزيارات المكّوكية بين بيروت وتل أبيب.
امتنع رئيس الجمهورية اللبناني عن توقيع مرسوم تعديل الحدود وإبلاغ الأمم المتحدة به تسهيلاً لمفاوضات الترسيم، وتخلّى عمّا كان يطالب به الوفد العسكري المفاوض من ضرورة التصلّب والاستمرار بالمطالبة ببدء الترسيم من عند “خط ميشال عون”، أي الخطّ الممتدّ من النقطة 29. تراجع فخامته عن كلّ الشعارات السابقة المتعلّقة بالمطالبة بكلّ شبر مياه بحرية وعن التصلّب في المطالبة بـ”شبعا البحرية” على منوال مطالبته بشبعا البرّيّة، لدرجة أنّ السلطة ومِن ورائها حزب الله وأمل أسكتت رئيس الوفد المفاوض العميد بسام ياسين المعترض وأبعدته، بعدما ذكَّر بما صرّح به الرئيس عون من أنّ “من المستحيل أن يفرِّط في حقوق لبنان في مسألة ترسيم الحدود”. طبعاً قبل أن يتراجع الرئيس اللبناني عن ذلك، ويتبيّن أنّ وراء الأكمة “صفقة” تستهدف ثروات لبنان البحرية كما استهدفت الصفقات من قبل ثروات اللبنانيين ونالت من ودائعهم وأموالهم.
أعلن جبران باسيل أنّ الخطّ المتعرّج هو البديل عن الخط المستقيم، رافضاً خط 29 وحتّى 23، لافتاً إلى عدم ثبوت حجج لبنان
باسيل جزء من الصفقة
في تقرير خاص ضمن فقرة “خاص الحدث”، كشفت قناة “الحدث” نقلاً عن مصادر مطّلعة أنّ حزب الله أمر حليفه “الرئيس الظلّ” جبران باسيل بإخراج التوليفة المتّفق عليها بين طهران وواشنطن لتقاسم ثروات لبنان البحرية بما يرضي الجميع، بحيث تحصل طهران على ما يرضيها، وتحصل تل أبيب على ما يريحها، وتتقاسم قوى الفساد السلطوية اللبنانية المحميّة بالسلاح مغانم الثروة الباطنية في البحر.
نتيجة لهذا التكليف التقى جبران باسيل بالوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في ألمانيا على الرغم من العقوبات الأميركية المفروضة على باسيل، وتمّ الاتفاق على استبدال شركتي “إني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية بشركتين إيرانية وأميركية إلى جانب شركة توتال الفرنسية.
بحسب ما تكشف قناة “الحدث”، فإنّ الشركة الإيرانية تغطّي حصّة كلّ من حزب الله وأمل وباسيل، وتبقى توتال لإرضاء باريس والثالثة الأميركية للتناغم مع مصالح واشنطن. وإلى جانب ذلك، يحظى باسيل بمنافع من شركة CMA الفرنسية – اللبنانية صاحبة امتياز إعادة بناء مرفأ بيروت، وهذا ما يفسّر اتّخاذ مجلس الوزراء اللبناني قرار هدم الأهراءات في مرفأ بيروت لتوسيع رقعة استفادة هذه الشركة.
تسهيلاً للتكليف وبرسائل موجّهة إلى أكثر من جهة (بينها إلى تل أبيب)، أعلن جبران باسيل أنّ الخطّ المتعرّج هو البديل عن الخط المستقيم، رافضاً خط 29 وحتّى 23، لافتاً إلى عدم ثبوت حجج لبنان المتعلّقة بهما، مضيفاً في 13 آذار 2022 في المؤتمر السابع لحزبه أنّ “مياه البحر بحدّ ذاتها ليست لها قيمة، فالمهمّ هي الثروة الموجودة تحت مياه البحر”. يدلّ كلّ هذا الكلام على أنّه موافق، كما الثنائي حزب الله – أمل، على الخطّ المتعرّج الذي يحفظ لإسرائيل حقل كاريش ويحفظ للبنان بالمقابل رقعة حقل قانا.
وليُطَمئن جبران باسيل تل أبيب أكثر، أضاف قائلاً إنّ “استخراج الغاز يحتاج إلى استعمال الأنابيب الممتدّة في شرقي المتوسط، وبالطبع هذا التوجّه يساعد على الاستقرار والأمن في شرقي المتوسط”.
إقرأ أيضاً: معادلة بقاء ميقاتي: لون واحد للحكم والحكومة
هكذا تطمئن إسرائيل إلى أنّ إمداداتها ومنصّات استخراجها للطاقة آمنة. وتطمئن أكثر عند دخول إيران ومن خلفها حزب الله وأدواته في لبنان في اللعبة عبر علاقة غير مباشرة معها. لذلك لم تعد تحتاج تل أبيب إلى أيّ اعتراف منهم بحدودها وأمنها واستقرارها لأنّ “شبعا البحرية” لحقت بمزارع شبعا البرّيّة.
هكذا تتمّ السيطرة على ثروات البحر كما تمّت السيطرة من قبل على ثروات اللبنانيين.
* كاتب لبناني مقيم في دبي